هل تُترجم فكرة تشكيل "ناتو" شرق أوسطي على الأرض؟

30 يونيو 2022
+ الخط -

عاد الحديث عن الأحلاف العسكرية في المنطقة مع إعلان ملك الأردن، عبد الله الثاني، تأييده إنشاء حلف "ناتو شرق أوسطي" على غرار حلف شمال الأطلسي "مع الدول التي لديها التفكير نفسه"، مشترطاً أن تكون رؤية هذا التحالف العسكري "واضحة جداً، ودوره يجب أن يكون محدّداً بشكل جيد، ويجب أن يكون بيان المهمة واضحاً جداً جداً". وفتح إعلان الملك الباب واسعاً أمام تساؤلات وتحليلات عديدة، تطاول توقيت الإعلان عن فكرة تشكيل الحلف، وعمّا إذا كان ممكناً ترجمتها على أرض الواقع، وما أهدافه العسكرية والاستراتيجية، ومن هي الدول التي ستنضم إليه، وهل سيكون بمثابة حلف "ناتو عربي" يضم دولاً عربية فقط، أم "ناتو شرق أوسطي" تنخرط فيه إسرائيل إلى جانب دول عربية؟

قبل الإجابة، جاءت تصريحات عبد الله الثاني بعدما تحدّث، في أكثر من مرّة، عن تزايد الخطر الإيراني الذي بات يدهم بلاده على حدودها مع سورية، وذلك في إثر الفراغ الذي أحدثه سحب روسيا قواتها العسكرية من مناطق جنوبي سورية وشرقيها، لزجّها في معارك غزو أوكرانيا، وعملت القوات الإيرانية ومليشياتها على إشغاله، وراحت الأخيرة تقود "حرب مخدّرات" ضد الأردن، حسب تصريحات مسؤولين أردنيين.

الهمّ الأساس للأنظمة العربية السلطوية هو الحفاظ على بقائها في الحكم أطول مدّة ممكنة

غير أنّ الحديث عن إنشاء تحالف عسكري يأتي مع اقتراب موعد زيارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، منطقة الشرق الأوسط في منتصف الشهر المقبل (يوليو/ تموز)، يزور خلالها السعودية انطلاقاً من إسرائيل مباشرة، وهي المرّة الأولى التي يقوم بها رئيس أميركي بمثل هذه الخطوة، الأمر يثير تساؤلات عما إذا كان هذا مقدّمةً لخطوات تطبيع أخرى بين السعودية وإسرائيل. تضاف إلى ذلك كثرة اللقاءات والاجتماعات التي جرت بين قادة الأنظمة العربية، وتصريحاتهم عن الأوضاع الأمنية، والتي يجري العمل على بلورتها وترجمتها، كي تلاقي تقديرات سياسيةً أميركية، تعتبر أن المنطقة باتت تواجه خطريْن، أولهما إيران ومليشياتها الطائفية متعدّدة الجنسيات، والثاني تجسّده التنظيمات السنّية المتشدّدة، ممثلةً بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وغيرها من المنظمات المتطرّفة. ويتّسق ذلك مع المشروع الذي طرحه أخيراً مشرّعون أميركيون، ديمقراطيون وجمهوريون، في الكونغرس الأميركي تحت مسمّى "ردع الأعداء وتعزيز الدفاعات"، يخصّ الوضع في منطقة الشرق الأوسط، ويهدف إلى تجميع قوى المنطقة العسكرية من أجل التصدّي للتهديدات الإيرانية فيها، ويطالب وزارة الدفاع الأميركية بإعداد استراتيجية للعمل والتنسيق مع كلّ من إسرائيل والعراق والأردن ومصر والسعودية والإمارات وباقي الحلفاء في المنطقة، من أجل "وضع مقاربةٍ وتصميمٍ دفاعي لتوظيف مقدّرات جوية وصاروخية دفاعية لحماية المنطقة من الاعتداءات الإيرانية، وتلك التي تنفذها مجموعات متشدّدة مدعومة من طهران".

وتذهب تقديرات إلى أنّ القمّة التي سيحضرها الرئيس بايدن، وتضم زعماء دول مجلس الخليج والأردن ومصر والعراق، ستشهد مناقشات لرسم معالم علاقات جديدة بين الولايات المتحدة وأنظمة هذه الدول، ولن يغيب عنها تناول ملف الوضع الأمني في المنطقة، والدفع باتجاه اتخاذ خطوات عملية لتشكيل تحالف عربي، يضم إسرائيل بصيغةٍ أو بأخرى، وبرعاية ودعم أميركيين، ويتمركز هدفه على مواجهة الخطر الإيراني في منطقة المشرق العربي، وذلك بعدما بلغ فيها التغلغل الإيراني مرحلةً بات يهدّد الاستقرار فيها. وبالتالي، صار التدخل السافر للنظام الإيراني، في كلّ من سورية والعراق ولبنان واليمن، دافعاً للأنظمة العربية مع أجل التحالف مع إسرائيل والولايات المتحدة لمواجهته، لكنّه بالتأكيد ليس الدافع الوحيد، إذ إنّ الهمّ الأساس للأنظمة العربية السلطوية هو الحفاظ على بقائها في الحكم أطول مدّة ممكنة، الأمر الذي يشي بأنّ الأنظمة العربية تريد من التحالف، في حال تشكيله، تحقيق أهدافٍ داخليةٍ أيضاً.

ويدفع ساسة إسرائيل باتجاه تشكيل تحالف عسكري شرق أوسطي، كونهم يرون أن مشاركة إسرائيل في هذه المرحلة باتت تمتلك مقوّماتٍ أكثر واقعية من مراحل قبلها، لأنها أصبحت مقبولة من قادة أنظمة الخليج بعد اتفاقات التطبيع، فضلاً عن مصر والأردن، وأن قادة هذه الدول لم يعودوا يخفون رغبتهم في تعميق العلاقات معها، وتوقيع اتفاقياتٍ تجارية واقتصادية، وزيادة وتيرة العلاقات السياسية ورفع مستوى التنسيق الأمني والاستخباراتي معها، وحتى الإعلان عن صفقات أسلحة والمشاركة في مناوراتٍ عسكريةٍ مشتركة.

الولايات المتحدة لا تدافع إلّا عن مصالحها، وإسرائيل تريد الاستفادة من الأنظمة العربية للتطبيع معها

في المقابل، يبرز السؤال عما إذا كانت إسرائيل والولايات المتحدة معنيتين بدعم استقرار البلدان العربية، فقد أثبتت التجارب أنّ الولايات المتحدة لا تدافع إلّا عن مصالحها، بينما تريد إسرائيل الاستفادة من الأنظمة العربية من أجل التطبيع معها، والدفاع عن أمنها فقط، وليست غايتها إنشاء حلف عسكري مع الدول العربية لمواجهة إيران، بقدر ما تكمن في تشكيل ما يشبه الملتقى أو النادي الإقليمي، الذي يشهر العلاقة السياسية الأمنية القائمة بين إسرائيل والأنظمة العربية الستة، وينقلها إلى مرحلة العلن، لذا تبدو واهمة الأنظمة العربية التي تعلق آمالاً على الدعم الخارجي من أجل حمايتها، خصوصاً أنّ الولايات المتحدة وإسرائيل لا يمكن أن تشكلا تحالفاً إستراتيجياً مع الدول العربية، بما فيها السعودية ودول الخليج الأخرى، ولو كان هناك مثل هذا التحالف الإستراتيجي لتغيّرت قواعد اللعبة برمتها في المنطقة.

وليست جديدة فكرة إنشاء تحالف عسكري في الشرق الأوسط، إذ طرحت في أكثر من مناسبة وسياق، خصوصاً بعد قيام الثورات العربية، لكنّها لم تترجم على أرض الواقع، لأنّ الأنظمة العربية لم تسعَ إلى تشكيل منظومة سياسية وعسكرية مستقلة، تهدف إلى حماية استقرار دولها، من دون رعاية أميركية، فيما لم تقابل الإدارات الأميركية فكرة تشكيل قوة عسكرية في المنطقة العربية بالحماس والجدّية، نظراً إلى متغيرات السياسة الخارجية الأميركية وأولوياتها، وهي السياسة التي آثرت تقليص الوجود الأميركي في الشرق الأوسط والانسحاب من بعض مناطق، للتفرّغ لمواجهة صعود الصين وبروزها قوة عالمية، فضلاً عن أنّ موقف الإدارات الأميركية من إيران شهد تقلباتٍ كثيرة، ما بين إدارات كلّ من الرؤساء، أوباما وترامب وبايدن، إضافة إلى أنّ فكرة تحالف العرب مع إسرائيل ما زالت مرفوضة شعبياً، على الرغم من خطوات تطبيع الأنظمة معها، والأهم هو الخلافات بين الأنظمة العربية بشأن أدوارها في التحالف وأهدافه وقيادته. يحول ذلك دون ترجمة فكرة تشكيل "ناتو شرق أوسطي" على أرض الواقع.

5BB650EA-E08F-4F79-8739-D0B95F96F3E1
عمر كوش

كاتب وباحث سوري، من مؤلفاته "أقلمة المفاهيم: تحولات المفهوم في ارتحاله"، "الامبراطورية الجديدة: تغاير المفاهيم واختلاف الحقوق".