هل تطيح العقوبات الأحلام الروسية - التركية - السورية؟
وجّهت أوروبا سهامها في النسخة العاشرة من عقوباتها المرتقبة في أواخر الشهر الحالي، فبراير/ شباط، إلى أكثر من هدف، ربما تكون تركيا في مقدّمتها، أو إحدى أهم وجهاتها العقابية الرئيسة، ما يعطّل المشاريع المستقبلية للرئيس التركي أردوغان الاقتصادية والسياسية، ويدخله من جديد في متاهة الاختيار بين تحالفه الوثيق، الذي تجاوز فكرة التقارب مع روسيا إلى الوكيل التجاري والمالي لها، وموقعه في التحالف العسكري الدولي (حلف الناتو) وتطلّعه إلى الشركة مع أوروبا.
تأكيد الاتحاد الأوروبي أن العقوبات الجديدة ستسدّ ثغرات ما قبلها، وتضع حدّا لعمليات التحايل عليها، يعني، بوضوح، أنها تستهدف الدول التي خفّفت من طوق العقوبات على روسيا أو تجاهلتها، ما يمكن أن يجعل تركيا على رأس قائمة الدول المعنية بوصفها هدفا مركّزا عليه، أكثر مما تستهدف دولاً غيرها، حيث إن تركيا هي المعبر الرئيسي حالياً للنفط الروسي، ما يمكن أن يشير إلى أن ورود بند يتعلق بمنع التحايل هو ردٌّ أوروبي على تركيا، التي اتّبعت إجراءاتٍ روتينيةً في ديسمبر/ كانون الأول 2022 في معبريها البحريين (البوسفور والدردنيل)، بعد اتخاذ مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي قراراتٍ تلزم شركات التأمين بتغطية فقط الشحنات التي تُباع بالسقف السعري المحدّد في عقوباتها على روسيا.
هل تسعى أوروبا، من خلال سدّ ثغرات النسخ السابقة من عقوباتها، إلى إغلاق بوابة النعيم الاقتصادي التي يروّجها اتفاق بوتين أردوغان، حيث تأمل تركيا أن تكون مركزا لتصدير الطاقة الروسية إلى العالم، إضافة إلى أنها اليوم مستقرٌّ لرؤوس أموال روسية هاربة من زخم العقوبات المتلاحقة عليها، تأسيساً على أن ذلك قد يؤدّي إلى نهضةٍ اقتصاديةٍ جديدة شاملة واعدة في تركيا، مرتبطة ببقاء أردوغان في منصبه في الفترة الرئاسية المقبلة؟ وهل تحبط العقوبات إمكانية استمرار روسيا في جني الأرباح، من خلال سيولة صادراتها النفطية عبر منافذ البحر الأسود، التي قدّرت، منذ بدء حربها على أوكرانيا، بما يقرب من أربعة ملايين برميل نفط يومياً عبرت من خلال البحر الأسود، أي بتسهيل من تركيا التي تعدّ اليوم الرابح الأكبر من الحرب التي تُربك أوروبا، وتهزّ استقرار نمو اقتصاداتها الذي اعتمد، في بعض جوانبه، على الطاقة الروسية الرخيصة؟
مرحلة جديدة في التعاطي مع طرق تنفيذ العقوبات ومسارات مراقبتها
تسليم الرئيس الروسي بوتين لتركيا بدور استراتيجي سياسي واقتصادي يمكن أن تنظر له أوروبا في هذه الفترة الانتخابية الحرجة أنه تدخل روسي مباشر على خط الانتخابات التركية، لدعم أردوغان وتقليل فرص معارضيه أمام جمهورهم، حيث يسحب منهم من جديد ورقة الاقتصاد المتعثر المرفوعة في وجه حزب العدالة والتنمية (الحاكم)، من خلال تدفق الاستثمارات الروسية من جهة، وتوجهه من جديد إلى إعلان سياسة صفر مشكلات مع دول عديدة، منها الإمارات ومصر والسعودية، من جهة ثانية، وينهي حالة التذمّر من وجود اللاجئين السوريين وحربه في سورية من خلال إعادة علاقاته مع النظام السوري، متحدّيا قرارات العزله الأميركية والغربية، وساعياً إلى فكّ الحصار عنه، بإعلان قرب لقائه والرئيس بشار الأسد بوساطة روسية.
الرسالة الأوروبية، وإلى جانبها القرار القضائي الأميركي الصادر الأسبوع الماضي، (تحويل أول المبالغ الروسية المصادرة، 5,4 ملايين دولار، لدعم عملية إعادة الإعمار في أوكرانيا)، وما يعنيه من تحميل مسبّب الخراب مسؤولية إعادة البناء، قد لا تقتصر على روسيا فحسب هذه المرّة، بل تتعدّاها إلى ما يمكن اعتبارها مرحلة جديدة في التعاطي مع طرق تنفيذ العقوبات ومسارات مراقبتها، ما يجعل النظام السوري وجميع شركائه من رجال الأعمال السوريين والعابرين إلى جنسيات عربية وغربية يتحسّسون رؤوسهم، وتعيد الدول المتأهبة للتطبيع مع الأنظمة المحاصرة جميعها حساباتها السياسية والاقتصادية، والتوسّعية أيضاً.
تمثّل الاتفاقات الاقتصادية المستحدثة مع روسيا، والتي تأتي على حساب الحرب الروسية الأوكرانية، بنظر الغرب، نوافذ لإخراج موسكو من مأزق حصارها
يتجنّب الغرب المآلات الراهنة والمستقبلية لخطوات روسيا، وانفتاحها على عقد اتفاقات ثنائية وتحالفية مع دول مصنّفة على قائمة العقوبات أيضاً، بإخضاع هذه الدول للنسخة الجديدة من عقوباته، والتحرّي عن مكامن خرقها ما سبق في قوائم العقوبات المفروضة على روسيا وتجارتها. وتمثّل الاتفاقات الاقتصادية المستحدثة مع روسيا، والتي تأتي على حساب الحرب الروسية الأوكرانية، بنظر الغرب، نوافذ لإخراج موسكو من مأزق حصارها، وهي من شأنها أن تدخل في باب تشجيع الرئيس بوتين إطالة أمد حربه، بل والتفكير بتوسيع دائرتها، واستسهال تقويض أمن الدول، الأمر الذي استدعى تشديد العقوبات الغربية، وتوسيع دائرة تأثيرها على الدول المتعاونة معها، للحدّ من طموحات المتعيّشين على حساب الدم المُراق في أوكرانيا، فهل تستطيع هذه العقوبات المتلاحقة على روسيا، والمساعدات العسكرية والمالية لأوكرانيا (قد تكون من جيوب الروس أنفسهم والمقدّرة بـ300 مليار دولار قيمة الأصول الروسية المصادرة في العالم، والتي يمكن أن تقونن لصالح عملية إعادة إعمار أوكرانيا)، أن تطوّق حلم القيصر الروسي، وتعيدُه إلى واقع ما بعد تفكّك الاتحاد السوفييتي 1991، وانتهاء حقبة العلم الأحمر؟ وهل هي رسائل تتجاوز خطاب التحذير إلى واقع تنفيذي جديد، قد يدفع ثمنه حلفاء بوتين بالتساوي معه؟ وهل تمتد آثارها من الملف الأوكراني إلى الملف السوري، لتكون الهراوة الأميركية - الأوروبية بوجه الانفتاح التركي والعربي على النظام السوري المحمي روسياً؟
أسئلة تحمل الأيام المقبلة إجاباتها، سواء بردت جبهة التطبيع مع النظام السوري، أو ارتفعت حرارتها، لتشكيل ما يمكن تسميته حلف المقاومة الجديد بوجه الحصار الغربي على روسيا وحليفها الصغير!