هل تحمل انتخابات الرئاسة الجزائرية تغيّراً؟

27 اغسطس 2024
+ الخط -

يصعب التعويل على إمكانية أن تُحدِث الانتخابات الرئاسية المقرّر إجراؤها في الجزائر في السابع من الشهر المقبل (سبتمبر/ أيلول) أي تغيير في المشهد السياسي السائد فيها، إذ من المرجّح أن يفوز بها الرئيس الحالي عبد المجيد تبّون، وهناك من يرى نتيجتها محسومة، ومعروفة، سلفاً، بالنظر إلى أن كفّة الفوز تميل كثيراً إلى صالح الرئيس عبد المجيد تبون لاعتبارات عديدة، تتعلق بالإمكانيات السياسية والإعلامية التي يمنحها له موقع الرئاسة، والدعم الذي يتلقّاه ترشيحه من ائتلاف أحزاب "الأغلبية الرئاسية من أجل الجزائر"، المكوّن من حزب جبهة التحرير الوطني، وحزب التجمّع الوطني الديمقراطي وجبهة المستقبل، فضلاً عن دعم منظّمات ومؤسّسات وأحزاب أخرى. إضافة إلى استبعاد المحكمة الدستورية مرشحين، وحصرها المنافسة بين تبّون ومرشّحين آخرين، هما رئيس حركة مجتمع السلم عبد العالي حساني الشريف، والسكرتير الأول لجبهة القوى الاشتراكية، يوسف أوشيش، ما يعني أن تبّون لن يواجه منافسة شديدة كما في انتخابات الرئاسة عام 2019 التي واجه فيها أربعة مرشّحين، ووقفت ضدّه خمسة أحزاب جزائرية كبرى، بما فيها جبهة التحرير الوطني، بينما تغيرت الأمور كثيراً في المرحلة الراهنة، وطاولت تغيّرات كثيرة هذه الأحزاب، حيث يذهب جزائريون إلى أن النظام في بلدهم تمكّن من إخضاع معظم أحزاب المعارضة ووضعها تحت جناحيْه، وباتت تشكل جزءاً من القاعدة الانتخابية الداعمة له في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ووصل الأمر إلى حدٍّ ذهب فيه رئيس حركة البناء الوطني، عبد القادر بن قرينة، مع انطلاق الحملات الانتخابية، إلى ولاية تندوف، على الحدود مع موريتانيا في أقصى بقعة جنوب غربي الجزائر، من أجل المساهمة في دعم الحملة الانتخابية للمرشّح عبد المجيد تبّون، والمفارق في الأمر أنه سبق أن ذهب إلى الولاية نفسها في انتخابات الرئاسة الجزائرية عام 2019، عندما كان ينافس تبّون على منصب الرئاسة.

لا يقتصر التغير في مواقف حزب حركة البناء الوطني وتوجهاته فقط، بل طاول كذلك حزب جبهة التحرير الوطني، الذي سبق أن صرّح تبون، علناً، بأن هذا الحزب تخلى عنه في انتخابات 2019، ودعمه منافسه عز الدين ميهوبي، الأمين العام للتجمّع الوطني الديمقراطي، على الرغم من أن تبّون كان عضواً فيه، لكن هذا الحزب تغيّر كثيراً بعد أن جرى استبعاد معظم قياداته السابقة، مقابل وصول قيادة جديدة موالية للرئيس تبّون. والأمر نفسه ينسحب على حزب التجمّع الوطني الديمقراطي الذي كان قد رشّح أمينه العام السابق، عز الدين ميهوبي، في الانتخابات الرئاسية الماضية، وكذلك حزب جبهة المستقبل الذي كان قد رشح رئيسه عبد العزيز بلعيد، ثم تعرض هذا الحزب بدوره لتغيير قياداته عبر انقلابات داخلية.

لم تترجم مطالب الجزائريين إلى مشاريع سياسية، يمكنها الإسهام في حلّ الأزمات التي تعصف بهم

يتساءل غالبية الجزائريين عن جدوى التصويت في الانتخابات إن لم يجلب معه تغييراً حقيقياً، وبما يستجيب لمطالبهم ويلبي آمالهم، في حين تشير كل المعطيات إلى أنها لن تكون سوى خطوة روتينية محسوبة النتائج، ولا تفضي إلى تلبية ما يتمناه أغلب الجزائريين، حيث يمتلك الرئيس تبون أريحية سياسية، مع ضمانه أرجحية على منافسيه، لكن مع ذلك، ومثلما يفعل سائر الرؤساء العرب حين يجددون ترشحهم للرئاسة مرات عديدة، أراد إظهار أن ترشحه لفترة رئاسية ثانية جاء "نزولاً عند رغبة كثير من الأحزاب والمنظمات والشباب"، كونه لا يريد تقييد نفسه بأي التزامات سياسية حيال أحزاب ائتلاف "الأغلبية الرئاسية من أجل الجزائر" وسواها.

يطرح الناظر في المشهد السياسي في الجزائر، مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، أسئلة عما إذا كانت هناك حاجة إلى الأحزاب المؤيدة لترشح الرئيس تبّون باستعادة مفردات خطاب زائف، تتحدّث عن "مرشّح التوافق"، و"رجل الإجماع"، كونها تستبطن مختلف مظاهر الزبائنية السياسية لأحزاب الائتلاف تلك، التي لجأت بعض شخصياتها السياسية إلى اتباع سلوكات انتخابية مقيتة، وفتحت أبواب مهرجانات التملق للسلطة ورئيسها في الجزائر، أملاً في حصولها على مكاسب ومنافع في هذه المنافسة الريعية بين أحزابٍ، لا تنظر إلى الانتخابات بوصفها منافسة على برامج وأفكار وأطروحات وخيارات، بل مناسبة للاستفادة من ريع الأنظمة الحاكمة ورعايتها. لذلك طغى ضجيج خطابات الولاء والمساندة وشعاراتهما على البرامج، التي تطرح حلولاً لأزمات المعيشة، وتقدم تصوّرات ملموسة لمعالجة مشكلات الجزائر والجزائريين.

الحراك الاحتجاجي انطفأت شمعته، لكنه ما يزال يسكن أذهان الجزائريين وعقولهم، ولم تنمحِ تداعياته بينهم، على الرغم من عدم تحقيق طموحاتهم في التغيير

من المرجّح أن مفردات خطاب الزبائنية والارتزاق لن تنطلي على غالبية الجزائريين، خصوصاً الذين خرجوا في الحراك الاحتجاجي الشعبي عام 2019، ورفعوا شعار "لا للعهدة الخامسة" في تظاهراتهم الشعبية الكبيرة التي بدأت في 22 فبراير/ شباط عام 2019، وأفضى حراكهم السلمي إلى طرد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة من السلطة في 2 إبريل/ نيسان من العام نفسه. وبعدها رفع شباب الحراك شعار إسقاط "العصابة" ورحيل النظام، وصولاً إلى رفض الانتخابات التي جاءت بالرئيس عبد المجيد تبّون إلى السلطة في نهاية ذلك العام.

صحيح أن الحراك الاحتجاجي انطفأت شمعته، لكنه ما يزال يسكن أذهان الجزائريين وعقولهم، ولم تنمحِ تداعياته بينهم، وذلك على الرغم من عدم تحقيق طموحاتهم في التغيير، حيث لم تترجم مطالبهم إلى مشاريع سياسية، يمكنها الإسهام في حلّ الأزمات التي تعصف بالجزائريين، واشتدت حدّتها في السنوات التي تلت توقف الحراك، وذلك في ظل الملاحقات والاعتقالات التي طاولت العديد من الناشطين، والتضييق على الحريات العامة، إلى جانب فشل تبّون في التخفيف من الأزمة المعيشية لغالبية الجزائريين، في ظل الارتفاع الجنوني لأسعار السلع والمواد الاستهلاكية، وزيادة التضخم ونسب البطالة، إضافة إلى أزمات الاقتصاد الجزائري، الذي يعتمد اعتماداً أساسياً على عائدات النفط والغاز التي تؤمن له أكثر من 90% من عائدات النقد الأجنبي. وبدلاً من البحث عن حلول ناجعة، عبر السير نحو الانتقال الديمقراطي، والتوجّه إلى اقتصاد أكثر تنوعاً وديناميكية، يلجأ النظام الجزائري إلى انتخابات يُراد منها التحول إلى وسيلة لتجديد الشرعية الانتخابية للرئيس تبّون، بوصفه خيار النظام الجزائري، وتُجنَّد لصالحه كل وسائل الدولة ومقدراتها ومؤسساتها، بحيث تجعل إمكانية خسارته انتخابياً أمراً مستحيلاً، لذلك لن تجلب هذه الانتخابات التغيير المطلوب، لأن منصب الرئاسة في هذا النظام، ببساطة، مغلق، وغير مطروح للتداول من خارج دائرة النظام.

5BB650EA-E08F-4F79-8739-D0B95F96F3E1
عمر كوش

كاتب وباحث سوري، من مؤلفاته "أقلمة المفاهيم: تحولات المفهوم في ارتحاله"، "الامبراطورية الجديدة: تغاير المفاهيم واختلاف الحقوق".