هذه الزوبعة السورية
اختارت إدارة منتدى حرمون الثقافي في مركز حرمون للدراسات المعاصرة تأجيل (وليس إلغاء) حفل توقيعٍ كان مقرّراً أن ينظمّه السبت المقبل، 30 أغسطس/ آب الجاري، لكتاب سامر بكور "التغريبة السورية... الحرب الأهلية وتداعياتها المجالية والسكانية 2011 – 2020"، وجلسة نقاشٍ عنه، بعد ضغوطٍ تبدّت في حملةٍ نشطةٍ في مواقع التواصل ضد الكتاب ومؤلّفه، وأحيانا ضد ناشره (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات)، ترفض العنوان الفرعي لعنوان الكتاب الذي يوحي بأنها حربٌ أهليةٌ جرت في سورية، وليست ثورةً شعبيةً استهدفها النظام بالرصاص والعنف والتنكيل والتمويت. وللمركز المحترم تقديرُه الخاص في قرارِه الذي بدا مضطرّاً إليه على الأرجح، على الرغم من أن واحدةً من أهم الغايات من الندوات والملتقيات والمؤتمرات في أيّ شأنٍ أن يتناقش المشاركون والحضور في موضوعاتها ومسائلها، ويتطارحوا آراءهم، وإذا ما اختلفت الاجتهادات، وثار سجالٌ وأخذٌ وردٌّ في الأثناء، فهذا يعدّ من مظاهر نجاح هذه الأنشطة الثقافية. ولكن الذي لوحظ في الحملة التي اشتدّت على الكتاب وصاحبِه أنّ لا أحد (تقريباً) ممن خاضوا فيها قرأ الكتاب، أو اطّلع على مسوّغات المؤلف، وهو محاضر في العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة أكستر، لتبنّيه مفهوم الحرب الأهلية، ولم يُحاول أن يتعرّف إلى طبيعة الكتاب الذي يغلب عليه، في جزئيْه، الطابع التوثيقي، ولا أن يقرأ أن منطق الثورة السورية هو الغالب على لغة الكتاب. كما لوحظ أن مقادير فادحةً من قلّة الأدب وانعدام التهذيب حضرت في لغة كثيرين استطابوا الاستسهال والكلام المُرسل بشأن عنوان الكتاب (لا مضمونه)، الأمر الذي انسحب على لغة هؤلاء (وغيرِهم) ضد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وقد تغافلوا عن تنظيمه عشرات الندوات والمؤتمرات والملتقيات عن الثورة السورية وما قارفه النظام ضدّها. ولمّا كان من قلة العقل أن يحفَل واحدُنا بما خربشَه من سفيه الكلام جهلةٌ موتورون، ومرضى نفسيون، لم يُعرف عنهم أنهم قرّاء كتبٍ أصلا، وهم في الأول والأخير عديمو الذوق والأخلاق، فإنك تندهش من مشاركة مثقّفين وكتّاب وأصحاب آراء مقدّرة في هذه الزوبعة بلغةٍ غير لائقة، فيما كان في وسعهم أن يجادلوا بشأن الكتاب برُقيّ، أياً كانت وجهات نظرهم. وعندما نبش بعضٌ ليس قليلاً ممن أثاروا الحملة، البائسة في منظور صاحب هذه الكلمات، في ماضٍ لمؤلّف الكتاب، كان في غضونه نصيراً للنظام الحاكم، بدا سؤالاً في محلّه ما إذا كان هؤلاء لا يستحسنون مغادرة السوريين الموالين للنظام ولاءَهم، وما إذا كانوا متيّمين بمنطق المعايرة في هذا.
لا مجازفة في الزعم إن مركز حرمون تعرّض لحملة ترهيبٍ حادّة أخضعْته، ودفعته إلى قراره تأجيل حفل التوقيع وجلسة النقاش، والأمران معاً، الحملة والانحناء لها، شاهدان على ما ليس طيّباً في النقاش السوري العام، المعارض هنا تعييناً، ذلك أن الأولوية لدى عديدين ممن يقيمون في الإطار العريض للجسم الثقافي والسياسي في المعارضة السورية، في الخارج، هي للتأزيم والتوتير والاتهام والمناكدة والتطاول والتجرّؤ والتعالم والمعاداة والتباغض والتشاتم، مع بعض التطاوس والعُظام الفارغ، وأعطابٍ أخرى. وقد صار مهمّاً أن يُخاطَبَ أصدقاؤنا السوريون، من موقع الانتصار لحقّ الشعب السوري في التحرّر من قبضة نظام الاسستبداد القاتل، بأن من بالغ الضرورة أن يتعافى المصابون بتلك الأمراض منها، وهم الذين يتسيّدون في ملاعب السوشيال ميديا، ويُظهرون صورةً شديدة السلبية، مؤكّدٌ أنها ليست الصورة الحقيقيّة للنخبة الوازنة في المعارضة السورية، فلم يدفع الشعب المكلوم شهداءَه وضحاياه، وهم تحت حصار النظام الظالم، من أجل ألّا يتحمّل مثقفونٌ منه بعضَهم، في جلسة نقاشٍ عن كتاب. ... هذا مريع، ولا تزيّد في نعتِه بهذا. والظنّ، من قبل ومن بعد، أن شعبنا (الكاتب ليس سورياً) في حاجة قصوى إلى أن تتجذّر فيه ثقافة الحوار والاختلاف والمغايرة، على أرضية الثوابت المعلومة، التي تنهض على احترام الحرّيات ونبذ الاستبداد.
السطور أعلاه حاشيةٌ على واقعة متعيّنة بتفاصيلها الخاصة، غير أنها تُحيل إلى ما هو أبعد... أبعد بكثير.