هذه التوقعات الغربية لعرب 2022
من تقاليد الصحافة الغربية مع بداية كل عام جديد نشر أعداد خاصة تتضمّن توقعات مراسليها والخبراء لما سيكون عليه حال العالم بأقاليمه ودوله. ولطالما احتل العرب ومنطقة الشرق الأوسط مساحة لافتة في هذه التوقعات، لاعتباراتٍ جغرافيةٍ سياسية، وبعضها يتعلق بالموقع والطاقة (النفط والغاز الطبيعي)، فضلاً عن التطورات السياسية، سواء أكانت داخلية أم تتصل بالعلاقات البينية مع المحيطين الإقليمي والدولي.
وبحلول العام الجديد 2022، يبدو كأنّ اهتمام الغرب بصفة عامة بمستقبل العرب خصوصاً، ومنطقة الشرق الأوسط عموماً، في تضاؤل. ولنأخذ بداية العدد السنوي الشهير لمجلة الإيكونوميست تحت عنوان "العالم أمام 2022"، وشغلت الموضوعات المخصصة للشرق الأوسط خمس صفحات من 146 صفحة. واللافت أنّها توزعت على النحو الآتي: صفحة للسعودية ونصف صفحة لتونس، فيما تصدّر مستقبل التفاوض بين الولايات المتحدة وإيران هذا الاهتمام بحوالى الصفحة والنصف، وخصّصت المجلة صفحة أخرى للسياسة الداخلية الإسرائيلية، وتحديداً مستقبل الصراع بين رئيس الوزراء نفتالي بينت وزعيم المعارضة نتنياهو. أما الصفحة الخامسة والأخيرة، فكانت لمقال عن مشروع أهلي مشترك لتبادل تحلية المياه بالطاقة الشمسية بين إسرائيليين وفلسطينيين وأردنيين.
اهتمام الغرب بصفة عامة بمستقبل العرب خصوصاً، ومنطقة الشرق الأوسط عموماً، في تضاؤل
في تحليل "الإيكونوميست" وتوقعها للسعودية، تركيز لافت على تعزيز قبضة وليّ العهد محمد بن سلمان، بوصفه الحاكم الفعلي للمملكة منذ صعوده عام 2015، وبما أثاره على مدى السنوات السابقة من انتقاداتٍ بشأن حقوق الإنسان. مع إشارات إلى مصاعب اقتصادية في أفق 2022 وتنافس اقتصادي إقليمي مع الإمارات. وقد ألمحت المجلة إلى أنه قد يكون عدائياً، لكن ليس بالضرورة دموياً. وفي أفق السعودية أيضاً توقعات باستمرار الحوار مع إيران على نحوٍ يقلل من مخاطر صدام مفتوح، ولا يجلب الدفء لعلاقات البلدين، فضلاً عن نمو علاقات الرياض مع الصين وروسيا في مواجهة ما يوصف باستمرار "النأي التدريجي" عن الولايات المتحدة. وبشأن تونس، يعكس عنوان المقال ترجيحاً لانتصار المنحى "الأوتوقراطي" للرئيس قيس سعيّد الذي أطلقه في 25 يوليو/ تموز 2021، بل يتخوف مما هو أسوأ في ضوء أزمة "استثناء الديمقراطية التونسية" مع إشارة قوية إلى طموح (وصعود) رئيسة الحزب الدستوري الحر وممثلة نظام ما قبل الثورة، عبير موسي، لخلافة سعيّد والوصول إلى السلطة.
الصراع بين الشعوب والأنظمة المستبدّة بشأن الديمقراطية في المجتمعات العربية يبدو غائباً أو هامشياً عند عديد من كبريات المجلات الغربية واسعة الانتشار عالمياً، كـ "تايم" و"نيوزويك" الأميركيتين، فضلاً عن "الإيكونوميست"، في أعداد وتوقعات سنوية كهذه. وعلى سبيل المثال، لا شيء عن السودان وما يجري فيه من تطورات يومية ساخنة. وللأسف، يبدو الصراع المهم الجاري الذي تخوضه القوى الشعبية السودانية مع العسكر بشأن الدولة المدنية الديمقراطية غائباً أو هامشياً. وفي ظل تضارب التوقعات بشأن الانتخابات العربية في لبنان وليبيا على الأقل، اختارت "تايم" عشرة انتخابات في العالم وصفتها بـ "الكبرى"، وطرحت السؤال: كيف سيكون لها تأثير في تشكيل السياسات الكونية في عام 2022؟ اختارت المجلة الانتخابات في ولاية أوتار براديش الهندية وكوريا الجنوبية وفرنسا والمجر والفيليبين وأستراليا وكولومبيا وكينيا والبرازيل والانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي.
الصراع بين الشعوب والأنظمة المستبدة بشأن الديمقراطية في المجتمعات العربية يبدو غائباً أو هامشياً عند عديد من كبريات المجلات الغربية
واختارت "نيوزويك" حدثين من الدول العربية ضمن قائمة 22 من "الأشياء الكبيرة" في عام 2022؛ كأس العالم لكرة القدم في قطر بحلول شهر نوفمبر/ تشرين الثاني والافتتاح المتوقع للمتحف المصري الكبير قرب الأهرامات، مع إشارة خاصة إلى عرض مجموعة مقتنيات الملك توت عنخ آمون شبه كاملة. وبالطبع، يصعب القول إنّ الحدثين، الرياضي والثقافي، بالأساس سيكون لهما تأثير كبير ومباشر في 2022 بمصائر شعوب المنطقة.
وبصفة عامة، تتقدّم اهتمامات هذه المجلات الغربية المخضرمة واسعة الانتشار وتوقعاتها قضايا مستقبل وباء كوفيد 19 وتأثيراته وتحويراته وتغيرات المناخ وقفزات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في سياق الثورة الصناعية الرابعة، والتنافس والعلاقات والصراعات بين واشنطن وكل من بكين وموسكو. وكلها، كما يبدو، أمور وقضايا ليس للعرب فيها نصيب إسهام أو اهتمام لهما وزن. وليس مصادفةً أن تفتح الموقع الإلكتروني لمجلة "ذي فورين أفيرز" الأميركية مع مطلع عام 2022 لتجد هذه العناوين في الصدارة: "فوضى الديجيتال"، و"النظام العالمي الجديد لـ شي جين بينغ: هل يمكن الصين إعادة صناعة النظام الدولي مجدّدا؟".
أن يبقى العرب خارج دائرة إعلام الغرب وأضوائه في قضاياه الأهم التي تتعلق بمصير إنسان القرن الحادي والعشرين لافت ومؤسف
وعندما يقارن المتابع لاهتمام الصحافة الغربية المخضرمة الأكثر انتشاراً بين قراء الإنكليزية في العالم بأحوال المجتمعات والدول العربية بحلول عام 2022 مع ما كان قبل عشر سنوات، يدرك الفرق الكبير إزاء آمال وتوقعات بالتغيير نحو عصر حقوق الشعوب والمواطن والديمقراطية ومكافحة الاستبداد والفساد مع انطلاق الموجة الأولى من الانتفاضات والثورات. ومن الواضح أنّه قد مرّت موجتان من "الربيع العربي" أعقبتها انتكاسات وهزائم. وفي العام المنصرم 2021، اتضح أيضاً أنّ هذه الانتكاسات لم تستثنِ تونس بلد "الاستثناء الديمقراطي". كذلك سيكون على السودانيين، في ضوء انقلاب 25 أكتوبر، بذل مزيد من الجهد والتضحيات من أجل التخلص للمرة الرابعة من سطوة العسكريين على الدولة بعد انتفاضة الشعب وثورته، وفي قلبه المجتمع المدني الحديث. وإلى جانب هذا وذاك، بدا وكأنّ النظم الطائفية الزبائنية في كل من العراق ولبنان قد امتصّت ما كان من آثار انتفاضات شعبية، حاولت تجاوز هذا الواقع البائس المزمن المتقاطع مع المحاور الإقليمية. وفي القلب من العالم العربي مصر التي تعاني من عودة نظام استبدادي، وبممارسات أكثر توحشاً في المجالين، السياسي والحقوقي، وأكثر قسوة على الحياة اليومية المعاشة لعموم المصريين من الفقراء والطبقة الوسطى. وهذا بصرف النظر عن "بروباغاندا" ارتفاع معدّلات التنمية والمشروعات العملاقة و"الجمهورية الجديدة"، ومحاولة التغطية على بؤس الأوضاع الاقتصادية المعيشية للغالبية والارتفاع الجنوني الكارثي للديون الخارجية وأعبائها.
أن يبقى العرب خارج دائرة إعلام الغرب وأضوائه على هذا النحو في قضاياه الأهم التي تتعلق بمصير إنسان القرن الحادي والعشرين والعلم والتكنولوجيا والبيئة والاقتصاديات أمرٌ لافت ومؤسف. لكنّ الأكثر أسفاً أن تبدو نضالات شعوبه من أجل الديمقراطية والحرية، بما في ذلك الشعب الفلسطيني الغائب تماماً عما طالعت، وقد تقطّعت بها السبل.