هذه التفاهات الدعائية في مصر

07 ابريل 2021

(محمد عبلة)

+ الخط -

نشرت وسائل إعلام مصرية خبرا مفاده بأن وزارة التربية والتعليم ستفرض على الطلاب دراسة رموز اللغة الهيروغليفية، بدءا من الصف الرابع الابتدائي، وذلك بعد ردود الفعل الواسعة التي أثارها حفل نقل مومياوات ملوك وملكات فراعنة إلى متحف الحضارة الجديد. وقد أثار الخبر سخرية مصريين عديدين، نظرا إلى معرفتهم بحقيقة مستوى طلاب عديدين في المدارس الحكومية، في ظل تواضع مستوى التعليم في مصر، والذي يحتل مرتبة متأخرة في مؤشر تصنيف التعليم. وكتب بعضهم شهاداتهم التي كشفت أن هناك من الطلاب في المدارس الحكومية من لا يجيد اللغة العربية من الأساس، بل وأكّد أحدهم أن بعض زملائه في الصف الأول الثانوي كانوا لا يجيدون كتابة أسمائهم! فكيف لهم أن يتعلّموا اللغة الهيروغليفية؟ كما أن تعليم تلك اللغة لن يفيد الطلاب شيئا، لأنها لن تكسبهم أي مهارات ضرورية من المطلوبة في سوق العمل، ويجب أن يقتصر تعليمها على من سيتخصّصون في الآثار والمصريات.

يمكن القول إنه، في الأغلب الأعم، لن يتم تطبيق هذا القرار، وإنه مجرّد فرقعة إعلامية تزامنا مع "تريند" الاحتفاء بالتاريخ الفرعوني، لأنه لا يوجد أحد من المدرسين يعرف رموز الهيروغليفية، كما أن الطلاب الذين لا يجيدون العربية لن يتحوّلوا فجأة إلى فراعنة ينطقون بالهيروغليفية، لمجرّد أن وزارة التعليم أرادت ذلك! وحتى إذا طبق هذا الإجراء، وشرعت المدارس في "تعليم" الطلاب رموز تلك اللغة، فلن يعدو الأمر مجرّد إجراء شكلي لاستيفاء المظهر العام المحتفي بالفراعنة، وستتحوّل حصة "الهيروغليفي" إلى فاصل من التهريج مثل حصص الألعاب، وسيتم إنجاح الطلاب فيها بغض النظر عن أدائهم، مثلما يحدث مع مواد أخرى، ومثلما حدث عندما قال وزير التعليم، طارق شوقي، إن الطلاب الذين لم يتمكّنوا من أداء الامتحان إلكترونيا بسبب تعطل النظام (وهي قصة فشل أخرى) سيتم اعتبارهم ناجحين!

الطلاب الذين لا يجيدون العربية لن يتحوّلوا فجأة إلى فراعنة ينطقون بالهيروغليفية!

وعندما نتذكّر قرارات مماثلة اتخذتها السلطات المصرية خلال السنوات الماضية، تتضح لنا مليا درجة العبث التي تحيط بها، والتي لم يتعدّ تطبيقها عدة أيام، أو لم يتم تطبيقها من الأساس، فقد فرضت وزارة التعليم، قبل نحو ثلاث سنوات، تشغيل نشيد الصاعقة المصرية "قالوا إيه علينا" على طلاب المدارس في بداية اليوم الدراسي. وظهرت وقتها عشرات من الفيديوهات للطلاب وهم يرقصون بطريقة مبتذلة على الأغنية، ويستهزئون بها بما لا يتناسب مع جدّيتها، قبل أن يختفي الحديث عنها فجأة. كذلك فرضت وزارة الصحة تشغيل السلام الجمهوري في المستشفيات الحكومية يوميا، ويعقبه قسم الأطباء عن طريق الإذاعة الداخلية في المستشفى. وزعمت وزيرة الصحة أن هذا القرار "يعزّز من قيم الانتماء للوطن لجميع المستمعين في المستشفيات سواء للمرضى أو الأطقم الطبية"، وأكدت إصرارها عليه، وكأن الاستماع للنشيد الوطني سيكون كافيا ليشعر المواطنون بالانتماء، إذا كانوا فاقدين له! وفعلا ظهرت فيديوهات لتشغيل السلام الجمهوري في عدد من المستشفيات، قبل أن يختفي الأمر كذلك، ويطويه النسيان، وتتراجع الوزيرة نفسها عن القرار، وتؤكد أنه ليس إلزاميا.

قرارات لم يهتم بها أحد، ولم يتابع أحد تنفيذها، لأنها ببساطة مستحيلة التنفيذ، وسيكون هذا مصير تجربة تعليم اللغة الهيروغليفية للطلاب

هناك قصص فشل أخرى أيضا، مثل الفشل في تحصيل غرامة التخلّف عن التصويت في الانتخابات، والتي يتم ترديدها كل مرة لتخويف المقاطعين ودفعهم إلى النزول للانتخاب، وهو ما لا يحدث، ولا يتم تحصيل الغرامة، وتبقى صور اللجان الانتخابية فارغة، حتى عندما وصل عدد هؤلاء المقاطعين إلى 54 مليون مواطن، قاطعوا ما تسمى "انتخابات مجلس الشيوخ" العام الماضي.

في كل تلك الإجراءات، كان واضحا عبثيتها من البداية، وعدم قدرة السلطات على فرضها على المواطنين، لأنها ليست مهمة، ولا تحقق أي شيء، بل مجرّد تفاهات فوقية، تشغل بال المسؤولين فقط بهدف الدعاية الإعلامية. ولذلك لم يهتم بها أحد، ولم يتابع أحد تنفيذها، لأنها ببساطة مستحيلة التنفيذ، وسيكون هذا مصير تجربة تعليم اللغة الهيروغليفية للطلاب.

D90F1793-D016-4B7E-BED2-DFF867B73856
أسامة الرشيدي

صحفي وكاتب مصري، شارك في إنجاز أفلام وحلقات وثائقية عن قضايا مصرية وعربية، وكتب دراسات ومقالات نشرت في مجلات ومواقع إلكترونية.