نساء من أفغانستان يحملنَ السلاح لمواجهة "طالبان"

14 يوليو 2021

أفغانية وابنها في قرية في وادي أرغنداب بأفغانستان (20/7/2010/Getty)

+ الخط -

باختصار: حصّلت النساء الأفغانيات حقوقاً في التعليم والعمل والصحة في ظل النظام الماركسي الذي حكم بلادهن، في سبعينيات القرن الماضي، فكنّ طبيبات، محاميات، مهندسات، صحافيات، ضابطات في الجيش، جامعيات، وزيرات... والاجتياح السوفييتي لبلادهن في نهاية السبعينيات هذه لم يَنَلْ منها.

بقيت هذه الحقوق سارية، بعد ثلاث سنوات من الانسحاب السوفييتي. ولكنها تعطّلت مع صعود "المجاهدين" إلى السلطة عام 1992. وكان لهؤلاء موقفٌ هو النقيض تماماً: ممنوع على النساء الخروج لأي غرضٍ كان، للمدرسة، أو الطبيب أو السوق، إلا برفقة "مَحرَم"، وتحت البُرْقع الأفغاني: تلك القماشة الفضْفاضة التي تغطي الجسم كله. تطلّ صاحبته على دنيا الخارج عبر "نافذة" على وجهها، تشبه قفص عصافير متناهية الصِغَر، تراكَ عبره، بصعوبة، بغَمزة العين، ولا ترى أنتَ منها شيئاً. أيضاً: زواج القاصرات، زواج "الثأر" (المسمّى "باشتون والي") والقائم على مبادَلة امرأة أو أكثر بدِيّة قتيل، زواج التعدّد، الضرب الحلال والقتل المُباح. وبعد ذلك، ممنوع ورود اسم أي امرأة على بطاقة الهوية أو أي معاملة أو حتى على شاهد قبرها. اسمها، هويتها: ابنة رجل أو أخته أو زوجته.

محاربة الإرهاب والدفاع عن حقوق المرأة لا يساويان شيئاً أمام حسابات المصالح والرؤى

بعد أربع سنوات، سقطَ "المجاهدون" وجاء حكم "طالبان"، فتناول هذه الممنوعات، وأمعن في تطبيقها، وبالغَ في الذهاب بها بعيداً حتى أنزلَ ستارة من حديد على الأفغانيات. ثم حصلت هجمات "11 سبتمبر" الإرهابية على الأبراج الأميركية (2001)، فكان الردّ الأميركي سريعاً، بأن منفّذها، أسامة بن لادن، يحتمي بـ"طالبان"، حكام أفغانستان، وبأن الطريقة الأنجح للثأر منه هي الإعداد العسكري لغزوها، واقتلاع حكمهم، بالاشتراك مع الحلفاء الغربيين.

وبعد إقلاع حجة "محاربة الإرهاب" من منابر الإعلام والسياسة، والتي لم تجِد صدى رحباً وسط الرأي العام الغربي، وربما العالمي .. كانت تلك الحجة المتعلقة بالنساء الأفغانيات. أنظر إلى ما قاله وقتها كبار القادة الأميركيين حول غزوهم هذه البلاد: الرئيس الأميركي جورج بوش: "العلَم الأميركي يرفْرف مجدداً فوق سفارتنا في كابول.. اليوم النساء الأفغانيات أصبحنَ حرّات". وزير دفاعه، دونالد رامسفيلد: "أُفضّل الموت على أن أرى النساء الأفغانيات دقيقة واحدة تحت رحْمة طالبان". وزير خارجيته، كولن باول: "حقوق نساء أفغانستان ليست قابلة للتفاوض".

ومن أجل هذا الهدف السامي، خاضت الولايات المتحدة وحلفاؤها حرباً على أفغانستان، دامت 20 سنة، صرفت فيها 20 مليار دولار، وتكبّدت 3500 قتيل من جنودها، فضلاً عن الجرحى والمعاقين، وقتلت أكثر من مائتي ألف أفغاني، بين عسكري ومدني، وجرحت العدد نفسه. ونصَّبت حكوماتٍ اتسمت بالفساد وبقلّة الحيلة، حملت معها بعض حقوق المرأة: عيّنت وزيرتين، فتحت القليل من المدارس للبنات، نجحت في المدن أكثر من القرى. ومنذ سنة، حققت أهم إنجازاتها، بمبادرة من إحدى المواطنات، وتحت هاشتاغ # أين اسمي؟ فصار بإمكان الأفغانيات ان يسجّلنَ أسماءهن على بطاقات الهوية وشهادات الولادة، وولادة أولادهن، وعلى شواهد قبورهن.

الآن، ماذا يحصل؟ الأميركيون قرّروا الانسحاب من أفغانستان، هم وحلفاؤهم. يغادرونها تباعاً، سكّيتي، تحت جنح الظلام، من دون احتفالاتٍ وداعيةٍ ولا عروض عسكرية، ولا موسيقى، ولا مسؤولين "يرعونها". أسبابهم أنهم تعقّلوا عن أيام الثأر من أسامة بن لادن، الذي تمكّنوا من قتله، وبأن مصلحتهم تقتضي كذا وكيت. ولكنهم خلّفوا وراءهم "هدية" قيّمة، حكومة "ذات شأن"، موالية لهم. والأهم من ذلك كله، في ما يخصّ موضوعنا، أنهم، بعد الخطابات الرنّانة عن المرأة، وبعد الجهود التي بذلوها هم وجمعياتهم من أجل إبراز تقدّم حال الأفغانيات في ظل حكومات موالية لهم .. ها هم يغلّبون مصلحتهم، رؤيتهم، على القضايا "العادلة" التي رفعوا شعار التضحية من أجلها في أفغانستان، فمحاربة الإرهاب والدفاع عن حقوق المرأة لا يساويان شيئاً أمام حسابات تلك المصالح والرؤى.

رجال "طالبان" لم ينتظروا الموعد النهائي لإخلاء العسكر الأميركيين وحلفائهم. وها هم يدقّون أبواب المدن، يجتاحون الريف

ورجال "طالبان" لم ينتظروا الموعد النهائي لإخلاء العسكر الأميركيين وحلفائهم، أي 11 سبتمبر/ أيلول المقبل. وها هم يدقّون أبواب المدن، يجتاحون الريف، ويحقّقون انتشاراً يغطّي، حتى الآن، 85% من أراضي أفغانستان. فكان الخطر على القليل الذي أحرزته الحكومات الموالية للغرب في حقوق النساء. ومن أجل هذا القليل، حصلت تظاهراتٌ نسائيةٌ مسلحةٌ في مناطق الشمال الأفغاني، حيث لم تصل "طالبان" بعد. أعلنت المشتركات فيها، وهن حاملات الرشاشات، أنهن سوف يقاومن إجراءات "طالبان" حتى الموت، وأنهن لا يخشين المواجهات. وكان بعض منهن يعبّر عن فرحته، بأن طالبانيين سيُقتَلون على أيديهن. وهذه ذروة العار عندهم: أن يُقتل واحدٌ منهم على يد امرأة.

ثمّة ما يُنذر بحرب طاحنة، طويلة أو قصيرة، فمن الواضح أن المزيد من التشدّد أخذ طريقه في المناطق التي استعادها مسلحو "طالبان"، وعودة الى سجون أكثر إحكاما مما كان. .. ماذا يمكن القول بخصوص هذه المسألة؟ أشياء قد تكون متناقضة:

- أن قضية النساء، مثل كل القضايا التي أصبحت لها صفة "العادلة" عند أصحابها، يمكن أن تتحوّل إلى ذريعة حرب. استخدمها الأميركيون وحلفاؤهم خير استخدام، فمرّت بسلاسة على الرأي العام الغربي، وصرتَ تقرأ وقتها كتباً ومقالاتٍ تشرح للمرأة الأفغانية كيف يجب أن تكون، أن تنظّف، أن ترتّب .. إلخ. وهنا، كانت ذريعة حساباتٍ جيوسياسية ساذجة، ومدمّرة في الآن عينه. وانتهت بذاك الفشل والفوضى العارمَين الآن في أفغانستان، وانقلاب في التحالفات وموازين القوى، قد تجرّ إلى حروبٍ أهليةٍ مدعومة مموَّلة، ورسائل دموية بين هذا الجار وذاك، لا نرى فيها وضعية للمرأة غير ضحية الضحايا.

الإصلاحات الآتية على جناح الغازي الأجنبي تعاني من المعضلة الكلاسيكية: كيف تكون حرية وتكون أجنبية غازية و"كافرة" في الوقت نفسه؟

- الإصلاحات الآتية من فوق، في موضوع النساء تحديداً، لا تُكتب لها الحياة الصحية الطويلة. قد تدوم، بسلسلةٍ من الأهازيج، والتقليعات، والدعم الإعلامي، أو وسط بيئةٍ ضيقةٍ ومحدّدة، مدينية، ميسورة ومفتوحة على الخارج. ولكنها، في كل الأحوال، تحتاج إلى قاعدة اجتماعية واسعة متينة، إلى خفّة التقاليد والعادات، وإلى أشياء أخرى، لا يبدو المجتمع الأفغاني الآن مستعدا لتلقّفها، فيما هو يرحّب بالقوات الطالبانية العائدة كاملةً، بعد نصف غياب.

- والإصلاحات الآتية على جناح الغازي الأجنبي تعاني من المعضلة الكلاسيكية: كيف تكون حرية وتكون أجنبية غازية و"كافرة" في الوقت نفسه؟ هذا ما ستلعب عليه "طالبان"بسهولة فائقة. حقوق آتية مع الشرّ، لا يمكن أن تكون غير شر.

النساء الحاملات سلاحاً بوجه "طالبان" مزيج من التهوّر والبطولة. معارك ستكون قاسية ولكنها ضرورية

 

- ومع ذلك، لا وحدة إسلامية مع "طالبان" حول هذا الشأن، فأي امرأةٍ عائشةٍ في بلد إسلامي، حتى في إيران المتشدّدة، سوف ترى نفسها محظوظةً بأن الله لم يخلقها أفغانية. ناهيك عن بلدان إسلامية تجاوزت فيها النساء حقوق التعليم والعمل، وبلغنَ المناصب العليا. أو بلدان إسلامية أخرى، بدأت تأخذ الاتجاه النقيض للتوجّه الطالباني، وتُبرِز نساءها في مواقع متقدّمة عما كانت عليه. وهذا التفاوت صاغه قِدَم العلاقة بالغرب، غزواً أو احتلالاً أو انتداباً، أو حتى مجرَّد تثاقُف سلمي حضاري.

- النساء الحاملات سلاحاً بوجه "طالبان"، مزيج من التهوّر والبطولة. معارك ستكون قاسية ولكنها ضرورية. هكذا تعتقد النساء الرافضات للعودة إلى العيش في ظلالهم. غالبيتهن العظمى من أهل المدينة، لا الريف، أي البقع التي تمكّنت "حضارة التحرّر" من أن تصل إليها، والتي باتَ يحاصرها تنظيم "طالبان" الآن.

- والخشية من ضعف الغرب وصعود أنظمةٍ شرقيةٍ تسلّطيةٍ ذكوريةٍ صميمية، لا تعترف بالمرأة ولا بحقوق الإنسان.. أن تكون العصور القادمة هي عصور الردّة عن تحرّر النساء. والبشائر بدأت تطفو على السطح، وقد يكون ما نرى منها ليس سوى رأس الجليد.