موال كورونا الحزين في مصر
خبران في توقيت واحد، الأول من مصر والثاني من أميركا، بشأن قضية واحدة: فيروس كورونا.
في مصر، تعلن الحكومة على لسان المتحدّث الرسمي باسمها عن قرار رسمي بحرمان المواطن المصري من الحصول على الخدمات الأساسية من الجهات الحكومية، إذا لم يحصل على جرعة من لقاح ضد كورونا، موضحًا في مداخلة تلفزيونية أن "الجهات الحكومية سوف تمتنع عن تقديم الخدمة لأي مواطن غير حاصل على الجرعة الأولى من لقاح كورونا، اعتبارًا من 1 ديسمبر المقبل، مؤكدًا أن الخدمة سواء تجديد البطاقة أو رخصة القيادة أو غيرها من المصالح الحكومية لن تؤدى للمواطن إلا بعد الحصول على جرعة أولى".
الخبر الثاني من الولايات المتحدة الأميركية، ويقول إن محكمة فيدرالية، الجمعة، أيّدت تعليق تطبيق أمر أصدره الرئيس، جو بايدن، يجبر الشركات الكبرى على تطعيم موظفيها ضد فيروس كورونا، قائلة إن الأمر "يتجاوز بشكل صارخ" سلطات الإدارة. وقال القاضي كورت إنجلهارت، إن "الأمر يهدّد بالحد بشكل كبير من حرية الأفراد المتردّدين في الاختيار بين الوظيفة واللقاح".
تقول الأرقام إن نحو 68% من سكان الولايات المتحدة، و81% من البالغين، تلقوا جرعة واحدة على الأقل من اللقاحات المضادّة حتى الآن، بينما في مصر من العبث أن تسأل عن أرقام أو نسب صحيحة، في ظل غياب ثقة الناس في الحكومة، وانعدام الثقة وغياب الصدق من الحكومة تجاه المواطن الذي يجد نفسه متهمًا بالمسؤولية عن كارثية الوضع، سواء حصل على اللقاح أو لم يحصل عليه.
قبل أسبوعين، أقيلت وزيرة الصحة، ومعها كبار القيادات في الوزارة، مع إحالتهم إلى التحقيق في وقائع فساد خاصة بمشكلة فيروس كورونا في مصر، ومن ثم يصبح من العبث، في هذه الحالة، مطالبة المواطن، أو التوقع منه التعاطي بأي قدر من الثقة مع بيانات الحكومة وإجراءاتها المتعلقة بلقاحات فيروس كورونا، فكيف يكون منطقيًا أن تتوقع من مواطن تصديق ما يقال له عن التلقيح، وهو يرى بأم عينيه تساقط كل من كانوا يقولون له كلامًا ورديًا ومعسولًا عن السيطرة على الوباء في بئر الفساد المالي والإداري؟ ثم ينظر حوله فيجد جيرانه ومعارفه القريبين يرحلون بأعداد مخيفة، بينما الحكومة تواصل الإصرار على تقديم أرقامٍ للإصابات والوفيات يسخر منها العالم والمنطق والطب وعلم الإحصاء؟
في بداية ظهور الوباء قبل نحو عامين، كانت الصورة في مجملها تنطق بأن ثمّة احتقارًا واستهتارًا غير عاديين بأرواح الناس في مصر، في ظل تعمّد السلطات ممارسة الكذب على شعبها وعلى العالم كله، بإصرارها على النفي القاطع للروايات الدولية عن استقبال حالات إصابة بالفيروس قادمة من مصر، وتمسّكها بأن مصر خالية تمامًا من كورونا، لتبدأ فيما بعد في تأليف رواية جديدة عن ظهور حالاتٍ قفزت بمصر في غضون ساعات إلى المركز الرابع في جدول الدول العربية الأكثر إصابة بكورونا.
الثابت أن السلطات المصرية منذ البداية تعاملت مع الأزمة بكثير من الأكاذيب رديئة الصنع، والحركات الاستعراضية الرخيصة، الأقرب إلى الدجل والشعوذة في لحظةٍ تتطلّب أقصى درجات الاحترام للعلم والتخطيط والشفافية، بدلًا من تخدير الجماهير بمزيد من الخطب والأناشيد الركيكة التي تختبئ في شعاراتٍ وطنيةٍ رخيصة، تنظر إلى العالم الخارجي بوصفه مؤامرة على مصر.
ذات ليلة، سمعت الوزيرة التي تمت إقالتها أخيرا في مداخلةٍ مع المذيع عمرو أديب يعطيان السلطات البريطانية دروسًا في مواجهة الوباء، ويستغربان إدراج مصر على القائمة الحمراء ضمن الدول الأكثر خطرًا، ثم تتساءل الوزيرة باندهاش: كيف تحرم السلطات البريطانية نفسها من التعلّم من التجربة المصرية الرائدة في السيطرة على الوباء؟
وبالعودة إلى إعلان المتحدث باسم الحكومة البدء في حرمان المواطن من حقوق المواطنة وخدماتها، إذا اختار الامتناع عن تلقي اللقاح، فهذا ليس سوى تكريس لمنهج السلطات المصرية في مواجهة الوباء، والذي وصفته من قبل بأنه يقوم على معادلةٍ لا مثيل لها في العالم: المواجهة بأقل من 10% طبا وأكثر من 90% إجراءات أمنية وعسكرة ودجل وشعوذة.
باختصار، مواصلة الاستثمار في الكارثة أمنيًا، بمزيد من الاستبداد والجور على حرية المواطن، بما فيها حريته في تلقي اللقاح من عدمه .. واقتصاديًا، بفرض رسوم يدفعها المواطن، لكي يحصل على شهادة بالتلقيح، تفوق ثمن جرعة اللقاح التي تحصل الحكومة على معظمها عن طريق المنح والمساعدات من دول العالم، ثم تواصل المنّ على المواطن بأنها تشتري له اللقاح.