مليارات الانتخابات العراقية

27 ابريل 2021
+ الخط -

مبكّرةً، بدأت حملة الانتخابات العراقية المقرّرة في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، انتخابات يراد لها أن تشكل فعلاً ضاغطاً نحو التغيير الذي طالبت به الجماهير العراقية، ليس مع انطلاقة ثورة تشرين في 2019 وحسب، وإنما منذ التظاهرات التي تزامنت مع تظاهرات الربيع العربي عام 2011، مرورا بتظاهرات المحافظات الست المنتفضة، وصولاً إلى "تشرين" التي ما زال صداها يتردّد في مختلف أنحاء العراق، كونها كانت فعلاً شعبياً أكثر نضجا مما سبقه.
اليوم، تبدو خريطة التحالفات المقبلة على انتخابات 2021 المبكّرة، لا تختلف كثيراً عن التي شاركت في انتخابات 2018 أو 2014 أو حتى ما قبلهما، مجرّد تغيير في أماكن اللاعبين وإعادة تموضع، بحثاً عن أطول مدة للبقاء في لعبة السلطة وتداول الكراسي بين أقطابها.
تسابقت القوى الحزبية والسياسية، وتلك التي تمتلك أذرعاً مسلحة، إلى تقديم نفسها للواجهة الانتخابية، كما في كل مرة. ومبكّرة بدأت تتسارع وتيرة التحالفات، بعضها قديم جديد وبعضها الآخر جديد قديم، وليس من بينها الجديد الذي يحتاجه العراق. وهنا يمكن ألإشارة فقط إلى تحالف جديد، قال عنه مؤسّسوه إنه تحالف تشرين، أو التحالف الذي يعبر عن ثورة تشرين الشعبية. وبمجرّد مراقبة الآلية التي تم فيها الإعلان عنه، وبعض الشخوص المشكلة له، تدرك سريعاً أنه مجرّد واجهة، أو على الأقل سيكون واجهة، لهذا الطرف السياسي أو ذاك التيار.

تفيد معلومات واردة من دوائر صنع النواب بأن سعر مقعد البرلمان في الانتخابات المقبلة قد يتجاوز الثلاثة إلى خمسة ملايين دولار

بيننا وبين الانتخابات نحو ستة أشهر، ومع ذلك، تبدأ مبكراً جدا. ولعل ما شهدته البلاد في الفترة الماضية يؤكّد أن انتخابات العراق ربما باتت أعقد بكثير من أي انتخابات أخرى تجري في العالم، ليس لشيء، سوى لأن تحالف المال والسلاح بات يتحكّم بكل شيء، وهو على عجلة من أمره في حسم موقعه بين مقاعد البرلمان المقبل.
تفيد معلومات واردة من دوائر صنع النواب، وتلك لعمري دوائر عراقية بحتة، بأن سعر مقعد البرلمان في الانتخابات المقبلة قد يتجاوز الثلاثة إلى خمسة ملايين دولار، بينما لم تُحدد بعد ما يمكن أن يصل إليه سعر كرسي الوزارة المقبلة، بخلاف كرسي رئاسة الحكومة الذي يبدو أن حساباته تختلف عن حسابات أي حقيبةٍ وزاريةٍ أخرى. بل إن قادة كتل انتخابية بدأت رؤوسهم تظهر، لم يكتفوا بعمليات دفع الرشى أو تكاليف الدعاية الانتخابية لهذا المرشّح أو ذاك؛ وإنما شرعوا في حملةٍ واسعةٍ لإزالة كل المنافسين المحتملين، ولو بكشف ملفات الفساد، أو حتى عن طريق التصفيات والتسقيط السياسي، وربما حتى الجسد مستقبلا. وذكرت مصادر تتعامل ببورصة الانتخابات والمرشّحين أن بعض قادة الكتل دفعوا لكل مرشّح ضمن تحالفهم المقبل أكثر من 250 ألف دولار كتكاليف دعاية انتخابية.
إذا كانت كل هذه الأموال تنفق من أجل الفوز بمقعد في البرلمان، أو حتى الحصول على حقيبة وزارية، فما هي المكاسب التي يمكن أن يجنيها هذا الحزب أو تلك الكتلة أو ذاك السياسي من الحصول على مقعد برلماني، أو حتى حقيبة وزارية؟ يدرك العارف بالشأن العراقي أن حجم الفساد في هذا البلد وصل إلى مستوياتٍ غير مسبوقة، يوازيه في الفشل حجم التبعية للأحزاب والكيانات وحتى الشخصيات السياسية، لهذه الدولة أو تلك، والتي تلعب مصالح بعضها دورا في محاولات التأثير على الانتخابات، عبر شراء الأصوات أو المقاعد أو حتى الحقائب الوزارية.

كانت كارثة مستشفى ابن الخطيب في بغداد دليلا آخر على أن الفساد نهش في الجسد العراقي

السؤال الأكثر إلحاحا: أين المواطن العراقي من كل ما يجري؟ ببساطة جداً، وعقب انتخابات 2010 التي شارك فيها العراقيون بكثافة، وشهدت فوز قائمة غير طائفية، هي قائمة إياد علاوي متفوقة على قائمة دولة القانون (نوري المالكي) بفارق صوتين، وما تبعه من قرار المحكمة الاتحادية إن الكتلة الأكبر المعنية بالدستور ليست الأولى في الانتخابات، وإنما الأكبر التي تتشكل داخل قبة البرلمان، ما أفقد قائمة علاوي النصر، الأمر الذي دفع العراقيين إلى عدم الثقة بأي انتخاباتٍ تجري في ظل حكومات الأحزاب الطوائف.
شهدت الانتخابات التي أعقبت انتخابات 2010 عزوفا شعبيا، حتى أن نسبة المشاركة في انتخابات 2018 بلغت نحو 17% في أحسن تقدير، في إشارة واضحة إلى أن المواطن العراقي فقد الثقة بصناديق الاقتراع، وبات أكثر وعيا بأن الانتخابات ما هي إلا عملية لتدوير وجوه العملية السياسية من دون تغيير فعلي. وهنا كانت "تشرين" الحدث المكمل لسنوات طويلة من الاحتجاجات العراقية التي بدأت عام 2011. ويمكن القول إن الانتخابات العراقية هي الأعلى إنفاقا، ليس في المنطقة وحسب، وإنما قد تكون في العالم، قياسا بالإمكانات المتوفرة. ومع ذلك، هي الأقل نزاهة والأقل موثوقية، ولا يتوقع أن تكون انتخابات 2021 مختلفة عما سبق.
كانت كارثة مستشفى ابن الخطيب في بغداد ليلة السبت الماضي دليلا آخر على أن الفساد نهش في الجسد العراقي، حتى أحاله إلى أثر من بعد عين. كان يكفي لتلافي مثل هذه الكارثة أن يقدّم أي سياسي عراقي ربع ما يقدّمه لمرشحيه للدخول للانتخابات، ليحمي أرواح نحو مائة عراقي أزهقت في لحظات، ولكن هيهات، فكلهم مشتركون في نهش ما تبقى من هذا الجسد العليل، ليبقى العراقي غارقاً في أتون همومٍ لا يمكن أن تنتهي قبل أن ينهي هو علاقته بهذه الطبقة الحاكمة الفاسدة.

96648A48-5D02-47EA-B995-281002868FD0
إياد الدليمي
كاتب وصحافي عراقي. حاصل على شهادة الماجستير في الأدب العربي الحديث. له عدة قصص قصيرة منشورة في مجلات أدبية عربية. وهو كاتب مقال أسبوعي في عدة صحف ومواقع عربية. يقول: أكتب لأنني أؤمن بالكتابة. أؤمن بأن طريق التغيير يبدأ بكلمة، وأن السعادة كلمة، وأن الحياة كلمة...