معنى تفاوض لبنان مع إسرائيل على الحدود البحرية

06 يوليو 2022
+ الخط -

تجري مفاوضات على الحدود البحرية بين لبنان ودولة الاحتلال، برعاية أميركية مباشرة، وحثيثة، لحلّ نزاع طويل الأمد، بشأن ترسيم الحدود البحرية، في البحر الأبيض المتوسط، وكان خاضعًا لمفاوضات متقطِّعة، بوساطة أميركية، منذ أكتوبر/ تشرين الأول، 2020 ، بما في ذلك زيارة للمنطقة، قام بها المبعوث الأميركي الخاص، ومنسِّق شؤون الطاقة الدولية، عاموس هوكشتاين، قبل أيام. وتبدو الظروف مساعدة للتوصُّل إلى اتفاق، وفق ما نقلت صحيفة جيروزاليم بوست العبرية عن مسؤول إسرائيلي قوله إن "على لبنان أن يستغل الظروف الجيدة للتوصُّل إلى اتفاق بشأن الحدود البحرية، مع مبعوث أميركي نشِط. المواقف الرسمية الإسرائيلية واللبنانية معروفة، وستسمح لنا بالتوصُّل إلى اتفاق. الخطوط التي قدّمها لبنان إلى الأمم المتحدة معقولة، حتى لو كانت هناك خلافات حول التفاصيل". وكان هوكشتاين قد قال، أواسط الشهر الفائت (يونيو/ حزيران) إن الحكومة اللبنانية اتَّخذت خطوة كبيرة بتقديمها نهجًا موحَّدًا.

ويشغل موضوع الغاز، أو حقل كاريش مساحة مهمة، بحدِّ ذاته، إذ أجّج اكتشاف مكامن ضخمة للغاز في شرق البحر المتوسط في السنوات الأخيرة نزاعات حدودية، سيما بين لبنان وإسرائيل. ولكن إستراتيجيًّا، تستفيد إسرائيل من التوقيع على ترسيم الحدود شبه اعتراف لبناني رسمي بها. هذا، وتدفع دولة الاحتلال نحو تهيئة ظروف التفاوض، ودوافع عملية، عندما تتحرّش بلبنان، وتقترب من المنطقة البحرية المتنازع عليها.

وبحسب المصدر الإسرائيلي، سينقل رئيس حكومة تصريف الأعمال، يئير لبيد، في زيارته (بدأت الثلاثاء الفائت) فرنسا ودولا أوروبية "وجوب الضغط على لبنان؛ لكبح جماح حزب الله، (بعد إعلان حزب الله إطلاقه ثلاث طائرات مسيَّرة بهدف الاستطلاع)؛ لأن المسّ بمنصَّات استخراج الغاز سيمسّ أوروبا بشكل مباشر أيضًا؛ لأن الغاز الإسرائيلي الذي سيستخرج من الحقول يُنقل إلى مصر، ومنها إلى أوروبا". وبالطبع، لا يمكن عزل هذه المفاوضات عن ظروف لبنان الاقتصادية البالغة الصعوبة والضعف، حيث البلد على شفا الإفلاس، والليرة اللبنانية عانت هُبوطات مدويَّة، والبنوك تواصل احتجاز أموال المُودِعين، ولكون البنك المركزي أنفق، نحو نصف احتياطيات لبنان، وحيث تفاقمت أزمة الكهرباء والطاقة، حتى كاد لبنان يظلم.

لا يُظهِر حزب الله معارضة للمفاوضات الجارية بين لبنان ودولة الاحتلال

السؤال: هل تخرج هذه المفاوضات بين لبنان ودولة الاحتلال، برعاية أميركية، عن الإطار الإقليمي العام، والهادف إلى دمج إسرائيل في المنطقة؟ وسؤال آخر عن موقف حزب الله ومحور المقاومة والممانعة من الدلالات السياسية الواضحة لهذه المفاوضات، ذلك بالنظر إلى تسلُّل إسرائيل إلى الحياة اللبنانية المعيشية، والحيوية، عبر الغاز الذي تنقله مصر، فوفق إعلان إسرائيل، في حينه، عبر القناة 12 الإسرائيلية، الغاز الذي سيُضَخُّ إلى لبنان سيكون من خلال عقْد جرى التوقيع عليه، بوساطة أميركية بين الجانبين، اللبناني والإسرائيلي، والذي يسمح للأخير أن يضخ الغاز الطبيعي من حقل ليفياثان إلى لبنان، عبر الأردن وسورية. وبحسب القناة، فإن إدارة بايدن وراء خطة مدِّ لبنان بالغاز من مصر، في محاولةٍ لكسر الطريق على حزب الله اللبناني الذي أدخل، بالتعاون مع حليفته إيران، شحناتٍ من النفط، عبر سفن رستْ في ميناء سوري. وذكرت القناة أن الولايات المتحدة ستعفي المشاركين في هذه الخطة من العقوبات التي فرضتها على نظام الأسد والمتعاونين معه.

ووفق خبراء في الطاقة، تفيد المعطيات الواقعية بأن البديل الوحيد الذي يمكن تنفيذه على أرض الواقع أن تمدّ إسرائيل لبنان بالغاز الطبيعي من خلال الأردن.

هذا، ولا يُظهِر حزب الله معارضة لهذه المفاوضات الجارية بين لبنان ودولة الاحتلال، بل إن قياديي حزب الله، وبحسب دبلوماسي فرنسي، قال: "هم حاضرون في المفاوضات حول الترسيم"، وذلك بعد لقاء السفيرة الفرنسية آن غريو، ودبلوماسيين من السفارة الفرنسية، بقياديين من حزب الله، في إطار لقاءات دورية يجريها الجانب الفرنسي معهم.

قادة الاحتلال الإسرائيلي يحاولون الاستحواذ على ثروات المنطقة، من دون كوابح، بالطمع في غاز لبنان، وغيره، لتحقيق مكاسب اقتصادية كبرى

لا يخفى أن قادة الاحتلال، وفي هذه الموجة من التغلغل الإقليمي، يعتمدون على ما يمكن أن تقدِّمه إسرائيل لبلاد عربية منهكة اقتصاديًّا، أو منهمكة في نزاعات حدودية، كما المغرب، حيث دعمت سيادة المغرب على الصحراء المغربية. (وربما كانت تلك الذريعة التي يقدِّمها الراغبون في التصالح والتطبيع، لشعوبهم)، جسر عبور، إن لم يكن يحصِّل لدولة الاحتلال القبولَ الصريح والحقيقي، فإنه يصوِّرها من ركائز المصالح التي يصعب التخلِّي عنها. ومع الوقت، قد تأمل في تخفيف المعيقات النفسية المتعمقة في الشعوب العربية، فحتى لو اختار حزب الله لعب دور ضاغط، بأداة حربية، وهي الطائرات المسيَّرة، فذلك قد يُفهَم ضمن اللعبة؛ إذ يخطّط لبيد لمطالبة الرئيس الفرنسي، ماكرون، باستخدام صلاته ونفوذه في لبنان؛ لإيصال الرسالة: "نريد استكمال المفاوضات بشأن الحدود البحرية، لكننا لن نفعل ذلك تحت تهديد حزب الله"، على اعتبار حزب الله طرفًا في الحكومة اللبنانية.

ومؤكَّد أن قادة الاحتلال يحاولون الاستحواذ على ثروات المنطقة، من دون كوابح، بالطمع في غاز لبنان، وغيره، لتحقيق مكاسب اقتصادية كبرى، ومن خلال التفاوض، أو غيره، لتعزيز مكانة إسرائيل دوليًّا، وخصوصًا، في هذا الظرف الذي ترتفع فيه قيمة الغاز، دوليًّا، كمصلحة حيوية، أوروبية، وأميركية، في مواجهة روسيا، وأداتها الطاقوية، في الحرب الروسية الأوكرانية، وإقليميًّا، للتحكُّم في مصادر الطاقة، لكل من الأردن ومصر ولبنان. ولكن إسرائيل، على التوازي، لا تغيب عينها عن أهداف كبرى، استراتيجية، ووجودية، بتكثير الدول العربية المُقِرّة بها، وبوجودها، بشكل مباشر، وصريح، أو بشكل غير مباشر، والمتقاطعة مصالحها معها، حتى تصل إلى قناعة بالاعتماد المتبادَل، وكأنها دولة عادية، أو أكثر من عادية.