معرض وكتب؛ تسويق أم تسويء؟!

05 أكتوبر 2023

(شفيق عبّود)

+ الخط -

لا أعرف كيف أصف زمنا أصبح فيه الكاتب مُطالبا أن يتحوّل إلى مُعلن ومسوّق ليساهم بالإعلان عن كتابه أو ترويجه، من دون أن أقع في فخّ اللعنة. لطالما كنت أنظر إلى الكتاب تلك النظرة التقليدية شبه المقدسة، والتي كانت تُسلمني غالبا إلى وجوب احترامه، بغضّ النظر عن موضوعه، ما أن يكون مطبوعا ومنشورا ومتاحا للقراءة، لكني اكتشفتُ، كما يكتشف كل البشر في لحظات معينة من تجاربهم الحياتية، أنهم لا يمكن أن يستمرّوا في الوثوق بذلك الظرف المبهم المسمّى الزمن، تلك الثقة الموروثة حتى حين!

كل شيء يتحوّل، وكل تجاربنا عرضة للتغيير، مهما كانت نظرتنا المكتملة تجاهها، وكل التغييرات التي تلم بالعالم أجمع يمكن أن تؤثر على تجاربنا الشخصية بدرجةٍ أو بأخرى، خصوصا إذا كانت هذه التجارب الشخصية لا تكتمل إلا بتماسّها مع الآخرين حولنا، وبمشاركته دائما. وتجربة نشر الكتب من هذه التجارب التي لا يمكن أن تكتمل بين يدي المؤلف من دون مشاركة المتلقّي في قراءتها. ومن هنا يأتي رهاننا، نحن الكتّاب، على القرّاء، وقبلهم على الناشرين وموزّعي الكتب وبائعيها لاكتمال التجربة.

بالتأكيد، يفرح كل مؤلف عندما يرى كتابه بين أيدي القرّاء، فهذا هو الهدف الأول من نشره، أي أن يصل إلى أكبر عدد ممكن من القرّاء، وبالتالي، لا ضير في لجوء الكتّاب إلى محاولة ترويج كتبهم وتسويقها بكل الوسائل الممكنة، وخصوصا أن التقنيات الجديدة سهلت لهم مثل هذا الأمر، وجعلت من الكتّاب والمؤلفين شركاء مع الناشرين والموزّعين وأصحاب المكتبات وبائعي الكتب في أداء هذه المهمة.

لكن ما أصبحنا نراه، أخيرا، في معارض الكتب العربية، وربما العالمية، وأتحدّث هنا عن تجاربي ومشاهداتي في المعارض التي زرتها، لا يمكن قبوله من باب أهمية تسويق الكتب وترويجها. مشاهد مضحكة مبكية، نرى فيها كتّابا شبابا وقد خضعوا لمنطق السوق بمفهومه الاستهلاكي في ترويج كتبهم بوسائل استعراضية، هدفها دفع رواد المعارض، ولا أقول القرّاء في هذا السياق قصدا، لشراء كتبهم، خضوعا لهذا النوع من الدعايات الرخيصة التي تعتمد على السطحية في العرض.

قبل أيام، على سبيل المثال، شاهدتُ مقطعا من معرض الرياض للكتاب، تداولته وسائل التواصل الاجتماعي بكثافة استغلالها عناصر الإثارة فيه. ظهر في المقطع كاتب شابّ، يبدو أنه يروّج كتابه الصادر حديثا بطريقة تنمّ عن عدم فهم لفكرة الكتابة كلها، فاتخذ لنفسه جمهورا من الفتيات الصغيرات، كما بدوْن معه في المشهد، جمهورا جاهزا لمخاطبته بلغة التعالي والاستكبار.

مثال آخر رأيته في معرض الكويت للكتاب قبل عامين، عدما فوجئتُ، وكاد قلبي أن ينخلع من مكانه هلعا وأمنا، وكنتُ أتمشّى بين أروقة المعارض، بشابٍّ يرتدي زي وحش كاسر يحمل بين يديه كتابا ليلفت أنظار الناس حوله إليه. لم ألتفت لحظتها إلى الكتاب، بل لم أع تفاصيل المشهد كله، إلا بعد أن هدأت قليلا، وغادرت الموقف لأستعيده لاحقا بمساعدة من كان معي!

لست أناقش هنا مدى فائدة هذا النوع من الترويج السريع والمباشر للكتب في وصولها إلى القرّاء أو المتسوّقين، فلعلها تفيد فعلا في ارتفاع أرقام المبيعات، ولكنني أناقش فكرة أخرى تتعلق بمعنى الوصول إلى القارئ، وتاليا مساهمته في اكتمال الكتاب المنشور. عن ماذا بالضبط يبحث هؤلاء الكتاب الذين غالبا ما يتلاشون خلال أشهر قليلة ، ولا أقول سنواتٍ، من مجال الكتابة والتأليف نحو مجالات أكثر نجومية وأعلى في أرباح المبيعات؟

ربما لستُ في مقام من يقدّم النصيحة للكتّاب والمؤلفين الشباب في طريقة التسويق لكتبهم، وهو حقهم، وفي هذه الأيام أصبح جزءا من واجبهم أيضا، ولكنني، على الأقل، أودّ أن ألفت انتباههم إلى أن الكتاب والكتابة والقراءة أرقى من أن تكون مجرّد سلعة في السوق، حتى لا تتحوّل إلى مجرد سوء يتجنّبه القارئ بعد الصفحة الأولى!

CC19B886-294F-4B85-8006-BA02338302F0
سعدية مفرح

شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.