مصر: إرهاب في الكاتدرائية
هزت مصرَ هذا الصباح جريمةٌ إرهابية جديدة، في تفجير عبوة ناسفة في الكاتدرائية المرقسية في القاهرة، ذهب ضحيتها أكثر من 25 قتيلاً و50 جريحاً ممن كانوا في قدّاس الأحد الأسبوعي.
وتفيد المعطيات الأولية والروايات التي تداولتها وسائل الإعلام بأن العملية ذات طابع إرهابي، وهدفها إيقاع أكبر قدر من الضحايا بين المصلين في الكاتدرائية.
وبمجرد الإعلان عن التفاصيل الأولى للانفجار، ذهبت التكهنات نحو تنظيم داعش الإرهابي الذي مارس هذا النوع من الجرائم في أكثر من مكان، فهو يختار أهدافه على نحوٍ يؤدي إلى إلحاق الأذى بالمدنيين، وبث الفوضى والانقسام في جميع الاتجاهات، وهذا هو الأسلوب الذي درج عليه في العراق وسورية واليمن وليبيا، ومن هنا شق طريقه الخاص نحو التوحش الذي يعد العمود الرئيسي لتوجهه الفكري.
استهداف المصلين الأبرياء جريمة مدانة، وغير قابلة للنقاش، سواء حصل ذلك في مسجد أو كنيسة، وبغض النظر إن كان ذلك وقع في مصر أو السعودية أو العراق..إلخ، فهو يصيب بشراً عزّلاً أبرياء، والهدف منه تحقيق أهداف ذات بعد تخريبي، لا يراعي أي احترام لحياة الإنسان التي حرمت الأديان والمواثيق الدولية التعرّض لها بالأذى، كما أنه يذهب بعيداً في ضرب الوئام الأهلي الذي عرفه العالم العربي عبر تاريخه، ويتجلى ذلك من اختيار الكنيسة هدفاً في الوقت الذي يحتفل فيه المسلمون بعيد المولد النبوي.
التفجير الذي استهدف الأبرياء المصلين مدان، مثله مثل التفجير الآخر الذي طال كمينا للشرطة يوم الجمعة الماضي، لكن هذا لا يسقط المسؤولية عن النظام الحاكم في مصر، وهناك مسؤولية أمنية وسياسية. وتتمثل المسؤولية الأمنية، في صورة بديهية، بضرورة أن تسهر الدولة على أمن مواطنيها، ومثلما تعمل أجهزتها على مكافحة الجريمة الجنائية، يجب أن تتولى حماية السلم الأهلي العام الذي بات مهدّدا على نحو خطير في الأعوام الثلاثة الأخيرة، وهذه ليست المرة الأولى التي تتعرّض فيها أماكن العبادة المسيحية لاعتداءات إرهابية. وبعيدا عن إعطاء الدروس في مثل هذه المناسبة التي تستحق فيها مصر كل التضامن بوجه هذا العمل الإرهابي، فإن الحكم المصري مطالبٌ بتحصين الساحة الداخلية، وعدم ترك الأبواب مفتوحةً يتسرب منها الإرهاب والارهابيون، وهذا يقود إلى المسؤولية السياسية التي تعتمد، حتى الآن، مقاربة أمنية في الحرب على الإرهاب، وهذا ليس مقصوراً على الحكم المصري فقط، بل هو نهج وتوجه عالمي، عممته رؤية ما بعد اعتداءات "11 سبتمبر"، لا تريد أن تتعامل مع المشهد من زواياه كافة، بل تجتزئ ما يناسبها، ولا ترى فيه سوى مجموعة من الأشرار والشياطين الذين يزرعون القنابل لقتل الأبرياء وإثارة البلبلة والفوضى.
وقوع تفجيرين إرهابيين في القاهرة خلال 48 ساعة مؤشر خطير جدا، وهو بمثابة جرس إنذار على أن الأوضاع في مصر باتت تستوجب وقفةً خاصةً من أجل بناء سد حقيقي في وجه الإرهاب الداعشي، كي لا يتطوّر، ويصبح من الصعب التحكم به، كما الحال في بلدان أخرى، مثل العراق وسورية واليمن. وتستدعي الوقفة الخاصة الاستفادة من الدروس التي أفرزها الوضع الإقليمي في السنوات الأخيرة، وأن تتم عملية مراجعة من كل الأطراف في الحكم والمعارضة، لأن الجميع على مركب واحد، فإذا لم يعملوا معاً من أجل إيصال هذا المركب الى بر الأمان، فسوف يغرق بالجميع. وهذا لا يعني، في جميع الأحوال، تمويه المشهد وخلط الأوراق، بل تتطلب مصلحة مصر أن نسمّي الأشياء بأسمائها، وفي الوقت الذي بات فيه الإرهاب الداعشي يهدّد البلد، وليس هناك أحد معفىً من مواجهته، فإن الحل سياسي أولاً وأخيراً.