04 نوفمبر 2024
مشروع استخراج مواطن الجمال عند السيسي
تُرى ماذا سيقول التاريخ عن عبد الفتاح السيسي والعائلة، في يوم قريب أو بعيد؟ الرجل في إطلالته الأولى بعد اختباء طويل ظهر في مؤتمر فخيم، معلنًا انضمامه فعليًا إلى حملة الممثل المقاول، من خلال حديثه البائس الذي أكد فيه صحة ما كشفه محمد علي على مدار أسبوعين.
اللافت في المشهد كله هو تبادل الأدوار بين أطراف القضية، إذ تحوّل المقاول الممثل إلى سياسي خالص، فيما تحول الجنرال الحاكم، الجالس في الموقع السياسي الأعلى، إلى ممثل، يمثل على الجمهور أدوارًا مختلفة، من تقمّص شخصية الفاروق عمر بن الخطاب حينا، وانتحال حالة الخديوي الذي يبني القصور من أجل مصر ورغد مصر حينًا آخر، أمام جمهور قرّر، هو الآخر، المشاركة في اللعبة، بتمثيل دور المنبهر المصفق المصدق كل ما يهرف به بطل العرض على خشبة مسرح ما يسمى "مؤتمر الشباب"، والذي أصبح مؤتمر محمد علي بامتياز.
كان هوس التمثيل مصاحبًا، أيضًا، للرئيس الراحل أنور السادات، مع فارقٍ في طبيعة الدور، إذ كان السادات مولعًا بشخصية "كبير العائلة المصرية" ومؤسس دولة العلم والإيمان، بينما اختار السيسي لنفسه دور الابن المدلّل للعائلة المصرية، وهو يقترب من ختام العقد السابع من عمره، ومؤسّس دولة الشرف والأمانة والإخلاص و"اللامؤاخذة".
من المهم قبل الاستطراد أن نعود إلى ما قاله التاريخ عن أنور السادات وعائلته، بعد أن انتهى حكمه في مشهد درامي مروّع، إذ قال التاريخ، نصًا، ما يلي: هؤلاء عصابة لصوص انقلبوا كالثعالب الضالة، يتصيدون ضحاياهم ويمتصون الدماء ويخرّبون اقتصاد مصر، ويلتهمون خيراتها ويفسدون الحياة السياسية فى البلاد، ولا هم لهم الا السطو والنهب وجمع المال والاستيلاء على الغنائم، مسلحين بالجشع والأنانية وحب الذات، ومتخذين الحيلة والنصب والوساطة والرشوة وفرض الأتاوات بالإرهاب والتهديد ركاباً إلى إثمهم، وعدوانهم بغرض الكسب السريع، دون اكتراث بأحكام القانون، ودون النظر إلى أنهم بذلك يخرجون على مبادئ القيم، ويخالفون أبسط قواعد الأخلاق، ذلك أنهم نفوسٌ لهثت وراء الثراء، فداست بأقدامها كل القيم الإنسانية والإنسان، أيضا مما يصدق عليهم وبحق أنهم عصابة المافيا التي ظهرت في مصر، ونشرت فسادها في أرجاء البلاد".
ما سبق جزء من منطوق حكم محكمة القيم العليا، برئاسة المستشار أحمد رفعت خفاجة، عن فساد عائلة الرئيس أنور السادات في 12 فبراير/ شباط عام 1983.
وبانتظار كلمة التاريخ عن الخديوي السيسي، ما زلت مندهشًا من حالة الناشط الثوري الشهير وائل غنيم، والذي يصرّ على أن في عبد الفتاح السيسي أشياء جميلة، أو بتعبيره "حاجات حلوة"، ثم يؤسس مشروعه لمعالجة المعضلة المصرية على ضرورة تكاتف الجميع من أجل "إصلاح الرئيس عبد الفتاح السيسي "من خلال اكتشاف مواطن الجمال فيه واستخراجها، كي يعيش المجتمع في سلام ووئام ورغد، بعد أن يعتذر الزعيم لوالدة عبد الله مرسي، ويقبل يدها، فتعرف مشاكل مصر طريقها إلى الحل".
لم أفهم لماذا يتحتّم على السيسي، من منظور وائل غنيم، أن يعتذر لهذه السيدة الفاضلة، باعتبارها، فقط "أم عبد الله"، وكأن قضيتها تختصر في أنها مجرّد أم مكلومة على ولدها الصغير؟
هل يريد غنيم أن يقول إن السيسي مسؤولٌ عن هذا الرحيل الغامض الفاجع لعبد الله محمد مرسي، بعد أسابيع من استشهاد والده، رئيس الجمهورية الذي وصل إلى الحكم بالانتخاب، لا بالاغتصاب؟ وماذا عن الرئيس نفسه، ووقائع التآمر عليه واختطافه وسجنه وحرمانه من العلاج والزيارات، ثم تصفيته على هذا النحو المروّع، ألا يستحق ذلك كله الاعتذار لمصر كلها، وليس للفاضلة زوجته فقط؟.
واقع الأمر أن حالة زوجة الشهيد الرئيس محمد مرسي ووالدة عبد الله مرسي ليست مثل حالة أم شهيد التعذيب خالد سعيد، مع احترامي لها وله، إذ لم يكن محمد مرسي شهيد طغيان السيسي وإجرامه فقط، بل قبل ذلك هو شهيد الانتهازية والوضاعة والانحطاط باسم الثورة، فأن ترى أن جوهر الأزمة أن لدى هذه السيدة ثأر شخصي مع السيسي ينتهي بأنه يذهب إليها معتذرا، ويقبل يدها، وهي تقبل أو ترفض، ثم تشعر بالانتصار، فهذا تسطيح للأمور، وإعفاء للسيسي من المسؤولية عن جرائم أكبر وأشد.
بات الكل مدركًا الآن أن حل أزمة مصر كلها ليس في استخراج الخير من داخل السيسي (الذي ترى أن جواه خير) وإصلاحه واعتذاره أو حتى إذلاله، وإنما في استخراج مصر من تحت ركام القبح والبلادة والظلم، وتخليصها من قبضة من يهين ماضيها ويدمر حاضرها ويقتل مستقبلها، ولهذا وغيره أصبح المقاول الممثل أيقونة نضال، فيما تحوّل المناضلون السابقون إلى ممثلين.
اللافت في المشهد كله هو تبادل الأدوار بين أطراف القضية، إذ تحوّل المقاول الممثل إلى سياسي خالص، فيما تحول الجنرال الحاكم، الجالس في الموقع السياسي الأعلى، إلى ممثل، يمثل على الجمهور أدوارًا مختلفة، من تقمّص شخصية الفاروق عمر بن الخطاب حينا، وانتحال حالة الخديوي الذي يبني القصور من أجل مصر ورغد مصر حينًا آخر، أمام جمهور قرّر، هو الآخر، المشاركة في اللعبة، بتمثيل دور المنبهر المصفق المصدق كل ما يهرف به بطل العرض على خشبة مسرح ما يسمى "مؤتمر الشباب"، والذي أصبح مؤتمر محمد علي بامتياز.
كان هوس التمثيل مصاحبًا، أيضًا، للرئيس الراحل أنور السادات، مع فارقٍ في طبيعة الدور، إذ كان السادات مولعًا بشخصية "كبير العائلة المصرية" ومؤسس دولة العلم والإيمان، بينما اختار السيسي لنفسه دور الابن المدلّل للعائلة المصرية، وهو يقترب من ختام العقد السابع من عمره، ومؤسّس دولة الشرف والأمانة والإخلاص و"اللامؤاخذة".
من المهم قبل الاستطراد أن نعود إلى ما قاله التاريخ عن أنور السادات وعائلته، بعد أن انتهى حكمه في مشهد درامي مروّع، إذ قال التاريخ، نصًا، ما يلي: هؤلاء عصابة لصوص انقلبوا كالثعالب الضالة، يتصيدون ضحاياهم ويمتصون الدماء ويخرّبون اقتصاد مصر، ويلتهمون خيراتها ويفسدون الحياة السياسية فى البلاد، ولا هم لهم الا السطو والنهب وجمع المال والاستيلاء على الغنائم، مسلحين بالجشع والأنانية وحب الذات، ومتخذين الحيلة والنصب والوساطة والرشوة وفرض الأتاوات بالإرهاب والتهديد ركاباً إلى إثمهم، وعدوانهم بغرض الكسب السريع، دون اكتراث بأحكام القانون، ودون النظر إلى أنهم بذلك يخرجون على مبادئ القيم، ويخالفون أبسط قواعد الأخلاق، ذلك أنهم نفوسٌ لهثت وراء الثراء، فداست بأقدامها كل القيم الإنسانية والإنسان، أيضا مما يصدق عليهم وبحق أنهم عصابة المافيا التي ظهرت في مصر، ونشرت فسادها في أرجاء البلاد".
ما سبق جزء من منطوق حكم محكمة القيم العليا، برئاسة المستشار أحمد رفعت خفاجة، عن فساد عائلة الرئيس أنور السادات في 12 فبراير/ شباط عام 1983.
وبانتظار كلمة التاريخ عن الخديوي السيسي، ما زلت مندهشًا من حالة الناشط الثوري الشهير وائل غنيم، والذي يصرّ على أن في عبد الفتاح السيسي أشياء جميلة، أو بتعبيره "حاجات حلوة"، ثم يؤسس مشروعه لمعالجة المعضلة المصرية على ضرورة تكاتف الجميع من أجل "إصلاح الرئيس عبد الفتاح السيسي "من خلال اكتشاف مواطن الجمال فيه واستخراجها، كي يعيش المجتمع في سلام ووئام ورغد، بعد أن يعتذر الزعيم لوالدة عبد الله مرسي، ويقبل يدها، فتعرف مشاكل مصر طريقها إلى الحل".
لم أفهم لماذا يتحتّم على السيسي، من منظور وائل غنيم، أن يعتذر لهذه السيدة الفاضلة، باعتبارها، فقط "أم عبد الله"، وكأن قضيتها تختصر في أنها مجرّد أم مكلومة على ولدها الصغير؟
هل يريد غنيم أن يقول إن السيسي مسؤولٌ عن هذا الرحيل الغامض الفاجع لعبد الله محمد مرسي، بعد أسابيع من استشهاد والده، رئيس الجمهورية الذي وصل إلى الحكم بالانتخاب، لا بالاغتصاب؟ وماذا عن الرئيس نفسه، ووقائع التآمر عليه واختطافه وسجنه وحرمانه من العلاج والزيارات، ثم تصفيته على هذا النحو المروّع، ألا يستحق ذلك كله الاعتذار لمصر كلها، وليس للفاضلة زوجته فقط؟.
واقع الأمر أن حالة زوجة الشهيد الرئيس محمد مرسي ووالدة عبد الله مرسي ليست مثل حالة أم شهيد التعذيب خالد سعيد، مع احترامي لها وله، إذ لم يكن محمد مرسي شهيد طغيان السيسي وإجرامه فقط، بل قبل ذلك هو شهيد الانتهازية والوضاعة والانحطاط باسم الثورة، فأن ترى أن جوهر الأزمة أن لدى هذه السيدة ثأر شخصي مع السيسي ينتهي بأنه يذهب إليها معتذرا، ويقبل يدها، وهي تقبل أو ترفض، ثم تشعر بالانتصار، فهذا تسطيح للأمور، وإعفاء للسيسي من المسؤولية عن جرائم أكبر وأشد.
بات الكل مدركًا الآن أن حل أزمة مصر كلها ليس في استخراج الخير من داخل السيسي (الذي ترى أن جواه خير) وإصلاحه واعتذاره أو حتى إذلاله، وإنما في استخراج مصر من تحت ركام القبح والبلادة والظلم، وتخليصها من قبضة من يهين ماضيها ويدمر حاضرها ويقتل مستقبلها، ولهذا وغيره أصبح المقاول الممثل أيقونة نضال، فيما تحوّل المناضلون السابقون إلى ممثلين.