مسار الانتخابات الرئاسية المصرية يكرّس سيناريو التمديد
تكشف مراقبة وقائع ما حدث في مرحلة الترشّح للانتخابات الرئاسية المصرية المقرّر إجراؤها في ديسمبر/ كانون الأول المقبل نتائج مهمة وجديرة بالاهتمام والتركيز والوصول إلى خلاصاتٍ بشأن مستقبل الحالة السياسية المصرية.
أبرز المشاهدات الكاشفة ما حدث مع مرشّحين معارضين أو مستقلين سعوا إلى جمع التأييدات التي يتطلبها القانون لإمكانية الدخول في حلبة الترشّح للانتخابات والتي تبلغ 25 ألفاً من 15 محافظة على الأقل، وهو ما حدث مع المرشّح أحمد الطنطاوي، البرلماني ورئيس حزب الكرامة السابق، الذي رشّح نفسه تحت شعار "يحيا الأمل". ويمثل الطنطاوي حالة كاشفة لأسلوب السلطة في إجراء انتخابات سابقة التجهيز، من خلال منع أنصاره من إجراء التوكيلات المطلوبة في مقارّ الشهر العقاري التابعة لوزارة العدل، والتي تمثل جزءا من السلطة التنفيذية!
ومارست السلطة مختلف الألاعيب لمنع أنصار الطنطاوي وجزء كبير ساخط على أداء النظام، وهم في المرحلة العمرية من 20 عاما إلى 40، من خلال حجج مختلفة، منها "تعطّل السيستم" و"انقطاع التيار الكهربائي" واستخدام حجّة "الزحام المصطنع"، بتجميع بطاقات مواطنين من شركات حكومية وخاصة أو وزارات وهيئات حكومية بالأمر المباشر، ليُصدروا توكيلاتٍ للرئيس عبد الفتاح السيسي، حتى بعد تقديم ملفه لهيئة الانتخابات، مصحوبة بمليون توكيل لترشّحه في الأيام الأولى من الترشّح، وتأييد ما يزيد على 400 نائب. ومع ذلك، استمرّ هؤلاء في حصار هذه المقارّ، ولم ينجح الطنطاوي إلا في جمع 14 ألف توكيل، أغلبهم من المصريين المقيمين في الخارج، ما أدّى إلى انسحابه لاحقا. واستخدمت الأجهزة عدة تكتيكات أخرى، منها جمع مجموعات من البلطجية والشبّيحة ووضعهم أمام مقارّ مكاتب الشهر العقاري وداخلها، وافتعال مشاجرات داخلها، لإرهاب أنصاره، والضغط عليهم، لإجبارهم على الانسحاب، وهو ما حدث مع كثيرين من الشخصيات العامة، ولم ينجح منهم إلا القليل، بعد أكثر من محاولة، وفشل بعضهم ورفع الراية البيضاء. في المقابل، لم تمارس هذه الضغوط خارج مصر في مقارّ سفاراتها إلا بشكل محدود، ومع ذلك وعندما ظهرت الحشود المناصرة لطنطاوي، وُضعت عشرات العراقيل المماثلة.
لم تتجاوز توكيلات الطنطاوي في محافظته كفر الشيخ 64 تأييداً! وهو نائب سبق أن نال ثقة آلاف من الأصوات
جرى هذا كله وأجهزة الأمن في الخلفية تتابع وتراقب وترهب أعضاء الحملة بالقبض على عشرات المتطوّعين فيها وإحالتهم على نيابات أمن الدولة وحبسهم لاحقا. بالإضافة إلى التهديد بالقبض على الطنطاوي نفسه، عندما طرح استخدام صيغة التوكيلات الشعبية البديلة ورقة أخيرة لإبراز حجم التأييد له، بادّعاء الاتهام بتزوير التوكيلات، وهو ما يذكّر بما فعلته سلطة حسني مبارك مع المرشّح الرئاسي أيمن نور في أعقاب انتخابات 2005 الرئاسية.
ولم يكن الطنطاوي فقط الذي واجه هذه الحملات، بل عانى مرشّحون آخرون كانوا جزءا من النظام السابق، مثل أحمد الفضالي، الذي شكا من الممارسات نفسها، ورئيسة حزب الدستور جميلة إسماعيل، وكل منهما أعلن انسحابه من الترشّح بسبب هذه الإجراءات التي تتناقض مع أي ادّعاءات بالنزاهة والمساواة بين المرشّحين. والغريب أن الطنطاوي، وهو نائب سبق أن نال ثقة آلاف من الأصوات من محافظته كفر الشيخ، لم تنجح أسرته ولا مناصروه بالمحافظة في إصدار تأييدات له هناك، ولم تتجاوز توكيلاته فيها 64 تأييداً! بينما نجح المرشّح حازم عمر، وهو رئيس حزب الشعب الجمهوري المقرّب من الدولة، بسهولة بالغة، في استخراج 67 ألف توكيل من دون أي معوقات ومن دون أن نرى مناصريه أمام هذه المقارّ.
لا يوجد أي شك في نجاح المرشح الرئيس السيسي من الجولة الأولى بنسبة لا تقل عن 75%، بالرغم من إخفاقات النظام الاقتصادية والسياسية
المهم أن الهيئة الوطنية للانتخابات، المفوّضة بالإشراف على العملية الانتخابية، وقفت موقف المتفرّج على ما يجري بثه من فيديوهات وشكاوى عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتي أظهرت تجمّعات البلطجية أمام مقارّ الشهر العقاري، واحتجاجات مئات ممن لم ينجحوا في دخول هذه المقارّ المحصّنة، ولم تتبنّ أي إجراء شكلي واحد للتحقيق في هذه الشكاوى والبلاغات، بل اعتبرت ذلك "تطاولا وتشكيكا فيها"، ولم تسمح لأعضاء الحملة بدخول مقرّ الهيئة، رغم أن وظيفتها أساسا تأتي في التحقيق في أي شكاوى وحسم النزاعات في العملية الانتخابية، بحسب القانون والتجارب المماثلة. وهذا ما يؤكّد أن هذه الهيئة لا تتجاوز كونها مجرد إطار تنظيمي شكلي تمرّر منه التوجّهات الحكومية الساعية إلى إجراء انتخابات سابقة التجهيز لمرشّح بعينه تقف وراءه أجهزة الدولة، مع السماح بدخول بعض المرشّحين الآخرين بدخول المعركة، لتمثيل أدوار حسب سيناريو محدّد مسبقا، منهم ممثلا حزبي الوفد والشعب الجمهوري، واللذان يبدوان أقرب إلى تأييد سياسات النظام منهما للمعارضة. وقد ترشّح فريد زهران، رئيس الحزب المصري الديمقراطي، في تمثيل ديكوري للمعارضة من خلال تجميع 30 توكيل نائب، رغم أن كتلته البرلمانية لا تتجاوز عشرة أعضاء، وبالرغم من أنه عضو في الحركة المدنية، إلا أنه، في الوقت نفسه، جزء من التحالف الانتخابي المدعوم من أجهزة الدولة في انتخابات مجلس النواب السابق. وسيبدو أنه يقدّم خدمة مقابل إعلان فوزه بنسبة ما من الأصوات. لتبدو المنافسة سهلةً مع السيسي الذي لا يوجد أي شك في نجاحه من الجولة الأولى بنسبة لا تقل عن 75%، بالرغم من إخفاقات النظام الاقتصادية والسياسية المتوالية.
رغم أنه يحسب لهذه الجولة تحريك الساحة السياسية قليلا، إلا أنها، على ما يبدو، أغلقت الباب مؤقتا أمام التغيير عبر الصندوق
في النهاية، باتت سيناريوهات العملية الانتخابية المتبقية معروفة للجميع، وستمر في التصور المرسوم نفسه، وستفتقد، في الغالب، حالة التشويق والجدل السياسي التي تميّزت بها المرحلة الأولى، وستكون محسومة للرئيس الحالي الذي تجنّدت كل أجهزة الدولة لدعمه بمختلف السبل، في غياب المساواة مع المرشّحين الآخرين أمام القانون، وهو ما يجعل الانتخابات الرئاسية المقبلة في مصر توسم بالبطلان السياسي، وتؤكّد أن أجهزة الدولة ليست على مسافة واحدة من جميع المرشّحين كما تدّعي.
وسبق ذلك إصرار النظام على رفضه القاطع تقديم أي ضمانات لإجراء انتخابات تنافسية ونزيهة، والتي سبق أن طالبت بها أحزاب الحركة المدنيّة لتجري الانتخابات بين مرشّحين مختلفي التوجهات والبرامج، يبحثون عن ثقة المواطن كما حدث في انتخابات 2012، وهو ما لم يتم بالطبع، فإذا كانت مرحلة الترشّح كذلك، فماذا يُتوقّع أن يحدُث في مراحل الدعاية أو التصويت أو الفرز، التي ستسير في اتجاه المبايعة لحملة المرشّح الرئيس الحالي. ورغم أنه يحسب لهذه الجولة تحريك الساحة السياسية قليلا، ونجاحها في إظهار الصوت الاحتجاجي أمام مقارّ الشهر العقاري، وداخل مقرّات الأحزاب وفي وسائل الإعلام، إلا أنها، على ما يبدو، أغلقت الباب مؤقتا أمام التغيير عبر الصندوق. ومع ذلك لا يبدو أن هذه النهاية، ففي أكتوبر/ تشرين الأول 2010، زوّر الحزب الوطني انتخابات البرلمان وقتها، وكان ذلك إحدى خطوات نهاية نظام مبارك، بعد انضمام المرشّحين الخاسرين للساحة الاحتجاجية في 25 يناير/ كانون الثاني 2011، وانفضاضهم عن الحزب، فهل يتكرّر هذا المشهد مع تلك الانتخابات الرئاسية الشكلية المقبلة؟