مؤيدو الأسد من رامي مخلوف إلى الزلزال
كتب رامي مخلوف، رجل الأعمال السوري وابن خال الرئيس السوري، منشوراً على "فيسبوك"، ألبس فيه نفسه ثوب القداسة والخير، وادّعى امتلاك بصيرة الأنبياء، متنبئاً بحصول زلزال جديد مدمّر في سورية. كانت ردود أفعال الشرائح التي أيدت النظام لافتة، من حيث استهجانها شخصية مخلوف، وسخريتها من كوميديّتها من جهة، ومن سوداوية الحال السوري المتأزم معيشياً، والذي كان مخلوف، في مرحلة سابقة، أحد مسبّبي هذه الحال. تناولت الصفحات والمواقع المقرّبة من الحكومة منشور مخلوف، ربما لتحميله وحدَه كل أسباب الفساد والسرقة، بعد أن طردته العائلة الحاكمة، في 2018، من ملكوتها الاقتصادي، بينما كان من المحظور تناول اسمه في السابق، وقد كسر متظاهرو 2011 هذا الحظر بشعاراتٍ ولافتاتٍ نعتته بـ"الحرامي"، لما كان يرمز له حينها كحوت نيوليبرالي، يمثل الوجه المافيوي الاقتصادي للنظام.
لم يدرك القائمون على السلطة في البيت الحاكم مدى تأثير ظهور مخلوف العلني بفيديوهات على الشرائح المؤيدة للنظام، والتي طرح من خلالها خلافه مع العائلة، لأنه سمح بتناول دور العائلة الاقتصادي، وتحميلها مسؤولية الفساد، خصوصا ما تقوم به السيدة الأولى عبر سيطرتها على قطاع الأعمال الخيرية في البلاد. وتصاعدت تلك الانتقادات مع تفاقم الأزمة المعيشية، ما دفع الحكومة إلى إصدار قانون "الجرائم المعلوماتية" في 2022، لمراقبة ما يُنشر على وسائل التواصل الاجتماعي، ويواصل النظام التضييق على الفنانين المؤثّرين، واعتقال الصحافيين والناشطين المؤيدين بسبب انتقادهم الحكومة. بذلك، تمكّن النظام من إعادة إحكام السيطرة على المجتمع، لكنه لم يستطع أن يمحو تأثير الظهور العلني للشرخ العائلي في السلطة في معركة الصراع مع رامي مخلوف على نهب ما في جيوب الناس، وأن شرائح واسعة من الموالين قدّموا أرواح أبنائهم فداء لبقاء تلك العائلة في الحكم، وليس دفاعاً عن وحدة الوطن ضد عدوٍّ متخيّل مركب ما بين التآمر الخارجي والصهيونية والتطرف الديني.
العملات الصعبة القادمة من الخارج على شكل حوالات ومساعدات تُسيطر عليها شركات تحويل محدّدة، ولا تذهب إلى خزينة الدولة
إذا كان الصراع العلني ضمن العائلة قد هزّ الشرائح الموالية للنظام، فإن كارثة زلزال 6 فبراير/ شباط الجاري، وطريقة تعاطي الحكومة معها، قد صدّعتا تلك الشرائح؛ فعشية الزلزال، كان هناك انهيار دراماتيكي جديد في قيمة الليرة السورية، وتضخّم وارتفاع في الأسعار، فيما تعالج الحكومة ذلك كله بمزيد من الضرائب، إضافة إلى الإتاوات التي تفرضها المليشيات المختلفة الداعمة للنظام على حركة نقل البضائع في الداخل، والتي يدفعها التجار الصغار والمتوسطون، وبالتالي، هناك حالة ضيق عامة. سيطر النظام، وعبر دوائره الحزبية والنقابية، والمؤسسات غير الحكومية التي تشرف عليها السيدة الأولى، وعلى مرأى الجميع، على عملية توزيع الإعانات المقدمة للمتضررين، وكل تلك الدوائر غير موثوقة من الشعب، وهناك حالات سرقة مثبتة؛ وفي حين أن كمية التبرّعات القادمة من دول عربية كبيرة نسبياً، حسب ما تورده الصفحات المقرّبة من النظام، إضافة إلى تعليق الإدارة الأميركية والأوروبيين العقوبات التي تخصّ التحويلات المالية مؤقتاً، لم ينعكس على واقع العمل الإغاثي في الأماكن المنكوبة. فضلاً عن حجمٍ غير قليلٍ من التحويلات المالية القادمة من السوريين في الخارج لإغاثة أهاليهم في الداخل، والتي من المفترض أن ترفد خزينة الدولة بالعملات الصعبة. وكل ما سبق كان من المتوقع أن يحسّن من قيمة العملة السورية، وما حصل هو تذبذب في سوق العملة، ثم صعدت قيمة الدولار إلى أكثر من 7000 ليرة سورية، يضاف إلى ما سبق قرار الحكومة رفع سعر المازوت الصناعي في هذا التوقيت الحرج، وبالتالي، استمرار ارتفاع الأسعار.
في الغالب، العملات الصعبة القادمة من الخارج على شكل حوالات ومساعدات تُسيطر عليها شركات تحويل محدّدة، ولا تذهب إلى خزينة الدولة، بل إلى أطراف إيرانية، وهذا الافتراض الذي يتداوله السوريون يفسّر سبب عدم تحسّن قيمة العملة. استغلّ النظام حادثة الزلزال في الترويج، أمام المجتمع الدولي، لإمكانية المضي في مسار التطبيع معه، باعتباره يمثّل الدولة التي يقع على عاتقها إدارة أزمة ما بعد الزلزال؛ لكنه، في الوقت نفسه، عاجز عن القيام بهذا الدور، بسبب حجم الفساد الذي ينخر دوائره، وبسبب حجم التدخّل الخارجي، الإيراني خصوصاً، والذي بات يسيطر على قطاع التحويلات لتعويض نقص العملات الأجنبية التي تأتي إلى طهران، بسبب التضييق الأميركي أخيرا عليها في العراق.
طبقت المعارضة المقولة التي يريدها النظام، وحوّلت الثورة إلى فصائل إسلامية طائفية مرتهنة للخارج؛ فكيف سيكون بإمكانها امتلاك رؤية وطنية اليوم
باتت هذه الصورة واضحة أمام السوريين في مناطق سيطرة النظام، الموالين منهم والمشكّكين والحياديين وغيرهم، بأن النظام ليس أكثر من مافيا عائلية تسرق ما في جيوب السوريين بالشراكة مع داعميهم الإيرانيين والروس. والأزمة الإنسانية التي تسبّب بها الزلزال من ضحايا ومهجّرين كثيرين هي استمرار للأزمة التي بدأها النظام منذ 2011، من قتل وتشريد، ونهبٍ مستمر. لكن أزمة الزلزال هي الجديد، وتأثيرها لم ينته بعد، في ظل العجز الواضح للحكومة عن تقديم شيء للمتضرّرين، وفي ظل تضامن كبير بين السوريين، في كل المحافظات، في تقديم ما تيسّر من مواد إغاثية. هذا يعطي مؤشّراً إلى قدوم لحظة حرجة، من المفترض على النخب السورية المعارضة التقاطها وتقديم البرامج والحلول.
هذه النخب غائبة تماماً عن التقاط الحدث، كما كانت غائبة عنه في السابق، وبعضها انتظم في مؤسسات مكرّسة، كالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة والمجلس الوطني، ووضعت كل بيضها في سلة الطرف التركي، الذي وجد مصلحته أخيرا في مصالحة النظام، وإعادة اللاجئين السوريين، من دون حلّ سياسي. كانت هذه المعارضات، منذ نشأتها قبل الثورة، مفلسةً من أية برامج بنّاءة، وعجزت خلال الثورة عن بلورة رؤية واضحة سياسية واقتصادية واجتماعية، ولم تعالج مشكلة الموالين للأسد، بل صنّفتهم بالشكل الطائفي والمذهبي، في ما يخصّ العلويين وبقية الأقليات الدينية والقومية، تارة، وتارة أخرى بالشكل التخويني، في ما يخصّ أبناء المدن التي لم تشارك في الثورة، ولم تدرس أسباب ذلك التأييد، خصوصا ما يتعلق بالتخويف من الثورة بوصفها طائفية وسلفية ومرتهنة للخارج. فعلت المعارضة العكس، طبّقت تلك المقولة التي يريدها النظام، وحوّلت الثورة إلى فصائل إسلامية طائفية مرتهنة للخارج؛ فكيف سيكون بإمكانها امتلاك رؤية وطنية اليوم.