لِمَ قتل الصهاينة شيرين أبو عاقلة؟
قتل الجنود الصهاينة الصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، التي غطت في قناة الجزيرة عقدين أحداثا عديدة في فلسطين باحترافية مهنية، حتى أصبحت أيقونةً إعلامية استحقت الاحترام والتقدير والثناء، وتوّجت بعد مقتلها بوسام نجمة القدس أحد أرفع الأوسمة الفلسطينية من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وشُيّعت كما يشيع الرؤساء والزعماء في جنازة، تنقّل نعشها من جنين حيث سقطت برصاص قناص صهيوني، إلى نابلس حيث شُرّح جثمانها، إلى رام الله حيث شيعت بجنازة رسمية مهيبة، وحمل نعشها الجنود الفلسطينيون تكريمًا لها، ومنها إلى القدس عاصمة فلسطين الأبدية حيث مسقط رأسها ومرابع طفولتها ومدارسها وشبابها وأحبائها، حيث تتآخى الكنائس مع المساجد؛ كنيسة القيامة مع المسجد الأقصى لترسم واقعًا فلسطينيًا كان على مر العصور التاريخية شعب الأُخوّة والتسامح والتعايش الفريد بين العقائد والفلسفات والأديان والثقافات دون تمييز.
مع الاعترافات المتدرجة لسلطات الاحتلال الصهيوني التي وصلت إلى حد الاعتراف الصريح بالقتل غير العمد، عبر تسريبات مدروسة للصحافة الصهيونية والأميركية، والإصرار الفلسطيني الذي أنهى تحقيقاته القانونية بتحميل العدو الصهيوني مسؤولية القتل عامدًا متعمّدًا من جهة أخرى، تقفُ علامات استفهام كثيرة باحثةً عن الغرض من الاغتيال: فإن كان القتل عمدًا فلماذا؟ وما هي مصلحة الصهاينة في قتل صحافي/ صحافية تعمل في وسيلة إعلام عربية - دولية ذات مشاهدة عالية قد تؤلب على دولة الاحتلال الدنيا، وقد عُرفت "الجزيرة" بأنها قناة إعلامية وفية لمراسليها وموظفيها.
ما هي مصلحة الصهاينة في قتل صحافي/ صحافية تعمل في وسيلة إعلام عربية - دولية ذات مشاهدة عالية؟
لكن يُمكن للسؤال أن يأخذ مسارًا آخر: هل القتل استهدف شيرين أم استهدف قناة الجزيرة التي تنقل بالصوت والصورة الأحداث العالمية، ومنها الحدث الفلسطيني، وقد سبق ودمر الصهاينة مكاتب القناة في قطاع غزة، في عملية شاهدها العالم كما حدث مع شيرين عند مقتلها في جنين؟ هل تريد دولة الصهاينة قتل الشهود حتى ترتكب جريمة كبرى من دون شهود ذوي قيمة كقناة الجزيرة؟ هل كان الهدف إذًا المحطة الشهيرة أم شيرين فقط؟ مع ذلك، عندما نجعل من شيرين أبو عاقلة الهدف ننسى أن زميلها المنتج علي السمودي، المنتج الإعلامي في قناة الجزيرة أيضًا قد أصيب معها في المكان نفسه، وما زال يرقد في المستشفى.
هل يجوز طرح الأسئلة وفق هذا الشكل، أم هناك خطأ في الصياغة يُمكن معالجته بتوسيع إطار السؤال ليصبح: لماذا يستهدف الرصاص الصهيوني الإعلام؟ كون شيرين وعلي ليسا السابقة، فهذا نهج صهيوني متأصل في عقلية كيان منذ أنشأه الغرب في بلاد العرب وهو يرتكب كل أشكال التغطية على الحقائق، حتى لا تُنزع عنه صورة الضحية وتتكشف حقيقته دولة إجرام وتطهير عرقي ودولة فصل عنصري كما بات معروفًا اليوم وبتقارير محايدة من منظمات حقوق الإنسان العالمية، كمنظمتي العفو الدولية، وهيومن رايتس ووتش، وحتى منظمة بتسليم الإسرائيلية. الأمر الذي كان معروفًا منذ نشأتها، وما قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1975 الذي وصف الصهيونية بأنها حركة استعمارية عنصرية إلا تقييم متقدم من دول العالم لطبيعة الصهيونية العالمية وأهدافها، قبل أن تتخلى الأمم المتحدة عن هذا القرار في 1991.
مثلت شيرين مع زميلتيها جيفارا البديري ونجوان سمري ثلاثيا متقدّما في نشر الحقيقة
إذًا لماذا قتلت شيرين وأُصيب علي؟ ربما لا توجد إجابة يقينية، لكن المؤكد أنه، على الرغم من كل الانتقادات التي توجّه إلى قناة الجزيرة، لإفساحها المجال للرأي الآخر الصهيوني كي يمرّر أكاذيبه وفبركاته على المشاهد العربي، وهذا ما يحسب عليها، إلا أن "الجزيرة" مثلت، وعلى مدار مسيرتها من خلال معظم مذيعيها ومراسليها، صديقًا وداعمًا للحق الفلسطيني، وما التغطية الأخيرة للحرب على غزة عام 2021 وما رافقها من انتفاضة القدس واللد وحيفا والمثلث التي أوصلت الجزيرة تفاصيلها بلحظاتها إلى العالم عبر قنواتها العربية والإنكليزية إلا أسبابا مباشرة للقول إن الجزيرة وشيرين أبو عاقلة ووليد العمري وجيفارا البديري ونجوان سمري، ومن خلفهم ومعهم من طاقم محترف ومهني، مستهدفون جميعًا. لم تخرج الرصاصة القاتلة بشكل عشوائي أو خاطئ من بندقية قناص صهيوني محترف، بل انطلقت، على الأرجح، بأوامر من أعلى الهيئات القيادية الاحتلالية في وزارة الجيش ورئاسة وزراء دولة الاحتلال، فاغتيال بهذا الشكل لا يتقرّر ميدانيًا، بل بأوامر عليا في الدولة الصهيونية.
مثلت شيرين مع زميلتيها جيفارا البديري ونجوان سمري ثلاثيا متقدّما في نشر الحقيقة، في حي الشيخ جرّاح وسلوان وباب العامود والأقصى وفي كل بقعة من ثرى فلسطين في الضفة الغربية والداخل المحتل، وإذا كان النضال بالرصاص هو الأجدى كما يقال، فإن نضال الكلمة والصورة في أيامنا يوازيه. أتمّت شيرين عملها الصحافي بكل مهنية كما يليق بإعلامي أن يكون، وفي كل واحدة من رسائلها الإخبارية كان نبضها فلسطينيًا ووطنيًا، لذلك تستحق أن يُطلق عليها لقب أيقونة فلسطينية.