ليبيا والمربع الأول
عام بالتمام والكمال مرّ على فشل الموعد المضروب على تجديد الأجسام التشريعية في ليبيا، فمنذ 24 ديسمبر/ كانون الأول 2022، والحوارات والنقاشات لا تهدأ على تجديد هذا الموعد، غير أنّ الكل يسير في طريقٍ بحسب رؤيته وتوجّهه، وحتى مصالحه، من دون تحقيق أي توافقٍ في هذا الشأن يذكر، والخاسر الأكبر من ذلك كله الوطن، والقاعدة الشعبية المجتمعية التي تتجاذبها الأجسام السياسية تارة مراوغة، وتارة أخرى بالوعود التي لا تتحقق، ولن تتحقق بها.
حدث، أخيراً، تقاربٌ، كما هو الحال في أكثر من مرة سابقة، بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، ليكون الاتفاق بحسب البيان الصادر عنهما على "وضع خريطة طريق واضحة" لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في ليبيا! وكذلك "حرصهما" على إنجاز أساس دستوري توافقي للوصول إلى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، بناءً على مشروع الوثيقة الدستورية المنجزة من اللجنة المكلفة بإنجاز المسار الدستوري بين البرلمان والمجلس الأعلى للدولة، ليكون الاتفاق كذلك على إحالة اللجنة المشتركة بين المجلسين (مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة) الوثيقة الدستورية للمجلسين لإقرارها طبقاً لنظام كل مجلس. ناهيك عن وضع خريطة طريق واضحة ومحدّدة، لاستكمال كل الإجراءات اللازمة لإتمام العملية الانتخابية، سواء التي تتعلق بالأسس والقوانين، أو المتعلقة بالإجراءات التنفيذية وتوحيد المؤسسات. وإن كان هذا الاتفاق، أو بالأحرى "التقارب"، نظرياً مقبولاً، وهذا ما تصبو إليه القاعدة الشعبية في البلاد، إلا أن الواقع غير ذلك بكل أبعاده، فالأزمات السياسية التي كانت هذه الأجسام جزءا منها لا يمكن اليوم أن تجد حلّا بها. ومن جهة أخرى، تكرار هذا التقارب في أكثر من مرة سابقة، والمحصلة دائمة في آخر المطاف تكون مخيّبة للآمال والعودة إلى المربع الأول.
بات المجتمع ينظر إلى هذا الحراك على أساس أنّه جزءٌ من الترف الذي لا يقيم له وزناً، استناداً إلى التوافقات السابقة التي دائما ما كانت تبوء بالفشل
من الناحية الدولية، وإن رحبت دولٌ بهذا التقارب، إلا أنها، في الحقيقة، تعلم أن هذه الأجسام تمرّ في حالة من الانهيار السياسي الذي لا ينتج إلا التمديد في الوقت، وأن التقارب بينهما في هذه المرحلة من عمر البلاد لا يمكن أن ينظر إليه بشكل أحادي في حلّ الأزمة الليبية ككل، باعتبار أن تشعباتها وأطرافها تعدّتهما داخليا وإقليميا، ناهيك عن أن يكون هذا الاتفاق، إن حدث حقيقة، منتجاً وفاعلاً في خضم نظرة دولية في عالم متقلب يضرب لكل خطوة ألف حساب في المصلحة وتحقيق الأهداف، التي تختلف دوليا وإقليميا.
من الناحية الداخلية، بات المجتمع ينظر إلى هذا الحراك على أساس أنّه جزءٌ من الترف الذي لا يقيم له وزناً، استناداً إلى التوافقات السابقة التي دائما ما كانت تبوء بالفشل، المصطنع تارة، والإخفاق غير المبرّر تارة أخرى، ناهيك عن أنّ القاعدة الشعبية ترى أنّ هذه الأجسام لا تسعى إلا للتمديد لا أكثر، من دون تقديم أي حلول أو اتفاق واقعي يطوي هذه الصفحة من عمر البلاد، وهذا ما عبّرت عنه أكثر من قوة نخبوية فاعلة في البلاد، وتكتلات سياسية مجتمعية.
وفي المقابل، ظهر على السطح اليوم أن الاستفتاء على أي قاعدة دستورية يمكن أن يكون، بحسب الاتفاق بين البرلمان والمجلس الأعلى للدولة، أخيرا!، وهذا عبثٌ ما بعده عبث، ليطرح عدة تساؤلاتٍ وجيهة، ينتظر الشارع الإجابة عنها قبل غيرها، أولها: إذا كان الاستفتاء متاحاً، ويمكن أن يكون واقعا، لماذا لا يكون على مشروع الدستور الذي أنجز منذ سنوات؟ وثانيها: لماذا لم يكن إلى الآن؟ وثالثها: أليس ذلك هو الأوْلى لإنهاء المراحل الانتقالية في البلاد، والعبور بها إلى مؤسساتٍ دائمة تستند إلى الدستور والقانون؟ أم أن ذلك متعذّر؟!
وبالتالي، لن تكون أي نتائج حقيقية مرجوّة في هذا الاتجاه واقعيةً بفعل الماضي والضروب التي كانت بينهما سنوات متتالية، ويبقى الحل الوحيد أخذ خطوة متقدّمة مجتمعياً ونخبوياً في تحقيق ما تصبو إليه القاعدة الشعبية في تجديد سلطاتها، بعيداً عن تلك التوافقات أو حتى المغالبات التي لا تصمد أمام أول عثرة تقف أمامها.