لعبة الشغور الرئاسي في لبنان مستمرّة
أنْ يوجّه رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه برّي الدعوة إلى النوّاب لعقد جلسة انتخاب رئيس جديد للبلاد يوم 14 يونيو/ حزيران الجاري لا يعني أبداً أنّ المجلس سينتخب رئيساً في الجلسة، وسينهي الشغور في الرئاسة الأولى، الذي مضى عليه قرابة ثمانية أشهر، فالمجلس النيابي كان قد عقد 11 جلسة، وفشلت جميعها في انتخاب رئيس جديد، لأنّ منطق التعطيل وعدم تأمين نصاب انعقاد الدورة الثانية من أيّة جلسة مارسته كل القوى السياسية، ولا جديد يوحي في الجلسة المنتظرة أنّ النوّاب والقوى السياسية والكتل النيابية ستحتكم إلى صندوق الاقتراع وإلى قناعة الأكثرية منها من دون تعطيل.
إلى فترة ليست بعيدة، كان الثنائي الشيعي (أمل وحزب الله) والقوى المتحالفة معه يقولون إنّ مرشّحهم لرئاسة الجمهورية سليمان فرنجية هو الوحيد المرشّح الجدّي، وإنّهم يستطيعون أن يجمعوا له 50% من نوّاب المجلس النيابي + 1 (65 نائباً) وهي كفيلة بفوزه، وأنّ القوى الأخرى التي تقف في مواجهتهم لا تملك مرشّحاً جدّياً للرئاسة. وفجأة، فإذا بهذه القوى تتقاطع (تتفق) فيما بينها على تسمية الوزير السابق جهاد أزعور مرشّحاً للرئاسة، وهو حدث خلط كلّ الأوراق السياسية، وكشف أنّ القوى الأخرى تملك أيضاً مرشّحاً جدّياً للرئاسة، وأنّ فرض مرشّح واحد، كما تقول هذه القوى، غير مقبول على الإطلاق، وهو ما أجبر برّي على تحديد جلسة جديدة لانتخاب الرئيس. ولكن السؤال المطروح: هل ستضمن هذه الجلسة انتخاب رئيس جديد؟ وبالتالي انتهاء الشغور الرئاسي؟
لا تشي الأجواء النيابية والسياسية اللبنانية بهذه النتيجة، فالكلّ ما زال يتمسّك بمنع الطرف المقابل من الفوز بكرسي الرئاسة الأولى، وهذا يعني أنّ مصير الجلسة المقبلة سيكون مشابهاً ومماثلاً للجلسات التي سبقتها. بمعنى آخر، كلّ فريق سيستخدم سلاح عدم تأمين نصاب انعقاد الجلسة إذا شعر أو لمس أنّ مرشّح الطرف المقابل سيفوز بالكرسي. وعليه، ستنتهي الجلسة إلى الفشل. ولكن هل من المقبول أن تستمر هذه الحالة بهذا الشكل من التعطيل وتقاذف المسؤوليات؟
لبنان زاخر بالشخصيات الوطنية التي تحظى بثقة كلّ الأطراف واحترامها، بل تحظى بثقة واحترام خارجيين من أغلب الدول المهتمّة بالوضع اللبناني
يقول منطق الأمور إنّ فشل الجلسة في انتخاب أيّ من المرشّحين (فرنجية أو أزعور) يجب أن يفضي إلى سحبهما من السباق الانتخابي، والبحث عن مرشّح ثالث توافقي يحظى بثقة معظم الأطراف، ويشكّل ضمانة وطنية للجميع، ويبدّد أيّ هاجس عند أيّ طرف. وهنا يبرز سؤال من نوع آخر: هل هذه الشخصية التوافقية موجودة؟
نعم، لبنان زاخر بالشخصيات الوطنية التي تحظى بثقة كلّ الأطراف واحترامها، بل تحظى بثقة واحترام خارجيين من أغلب الدول المهتمّة بالوضع اللبناني، وقد حمل القطريون أكثر من وساطة أو ما يشبه المبادرة لتقريب المسافات بين القوى السياسية اللبنانية للوصول إلى هذه الشخصية التوافقية. وأغلب الظنّ أنّهم ما زالوا مستعدّين للقيام بهذا الدور المشكور، خصوصا إذا وصل اللبنانيون إلى قناعة باستحالة انتخاب رئيس خارج إطار التوافق، ولعلّ في ما ستتمخّض عنه جلسة 14 يونيو/ حزيران ما يدفع الجميع إلى الخروج من منطق التعطيل والفرض والإكراه، والإصغاء إلى منطق الحوار الجدّي البنّاء والتوافقي، ولعلّ ذلك يعيد إنعاش المبادرات الخيّرة التي سبق أن قامت بها الدوحة، فربما يجدون آذاناً صاغية لهم أكثر هذه المرّة في بيروت للخروج من نفق الأزمات التي لم يعد اللبناني قادراً على تحمّلها.