لبنان وكل هذه الأزمات
تُنذر الأحداث التي شهدها لبنان أخيراً بعواقب وخيمة عليه أكثر من الأزمة الحادة التي تعصف به اقتصادياً ومالياً، وتشير تلك الأحداث إلى احتمال كبير لأن يذهب لبنان نحو الفوضى لو استمرّ انسداد أفق الحلول السياسية للأزمات المتراكمة.
ومن ذلك أحداث مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين عند مدخل جنوب لبنان، حيث اندلع قتال بين مجموعات فلسطينية في المخيم عطّلت الحياة فيه، وكادت تشلّ الحياة في صيدا المجاورة إلى حدّ بعيد، وأثّرت بشكل كبير على الحركة على الطريق الساحلي السريع الذي يربط الجنوب اللبناني بالعاصمة بيروت. وقد بذلت مساعي حثيثة وكبيرة جهاتٌ فلسطينيةٌ ولبنانية لوقف القتال، غير أنّ الوضع لم يعد بعد إلى طبيعته، وبالتالي هو مرشّح للانفجار في أي لحظة. وقد ترك هذا الحدث علامات استفهام كثيرة وكبيرة على خلفياته، خصوصاً أنّ الفصائل المعنيّة به أكّدت جميعها رفضها الاقتتال الفلسطيني الفلسطيني، وبذلت مساعي لوقفه، غير أنّ جهاتٍ غير معروفة كانت دائماً ما تعمل على توتير الأجواء واستمرار القتال.
وهناك حادثة بلدة الكحّالة في محافظة قضاء عاليه في جبل لبنان، حيث انقلبت شاحنة كانت تحمل، وفق الرواية الرسمية، أسلحة تعود إلى حزب الله، ولم يُكشف عن طبيعة الأسلحة؛ وقد اندفع أهالي البلدة المسيحيون إلى إغاثة الشاحنة أولاً، وعندما اكتشفوا أنّها تحمل أسلحة لحزب الله تحوّل الموقف إلى رفض مرورها في البلدة، ومن ثمّ رفض رفعها، بل ومحاولة وضع اليد على حمولتها. وتطوّر المشهد إلى إطلاق نار متبادل بين أهالي البلدة وعناصر كانت تحمي الشاحنة أدّى إلى سقوط قتيلين من الطرفين، وكاد المشهد يشعل فتنة بين حزب الله والبيئة المسيحية، لولا تدارك الموقف وتدخّل الجيش وإنقاذ الوضع عبر استلام الشاحنة، وسوق عناصر الجيش لها إلى مركز عسكري لم يُكشف عنه.
تزامنت أحداث عين الحلوة والكحالة وغيرهما مع انسداد أفق الحلول السياسية لأزمة انتخاب رئيس جديد للجمهورية
تزامنت أحداث عين الحلوة والكحالة وغيرهما مع انسداد أفق الحلول السياسية لأزمة انتخاب رئيس جديد للجمهورية، حيث يتمسّك كل طرفٍ بموقفه من دون أن يتزحزح عنه. ويترافق ذلك أيضاً مع جمود على مسارات المنطقة المختلفة، بما يوحي بأنّ أيّة تسوية أو صفقة قريبة بين الأطراف الفاعلة في المشهد الإقليمي لن تكون قريبة، وهو ما يرفع من منسوب القلق في لبنان لناحية استخدامه ساحة لتنفيس الاحتقان الإقليمي والدولي، أو بما يمكن أنّ يشكّل وسائل ضغط متبادلة بين الأطراف المعنية لدفع بعضها إلى التنازل، أو لحشر بعضها في الزاوية. وفي هذا السياق، يجرى الحديث عن محاولة لتعميم الفوضى المنظّمة والمحدودة في لبنان، والتي يمكن أن تكون كفيلة بشغل بعض القوى اللبنانية عن الاهتمامات الخارجية واستنزافها في الرمال اللبنانية، وهو ما يمكن أن يجعلها تراجع حساباتها وتتخلّى عن بعض مواقفها الداخلية لصالح إنتاج تسوية معيّنة، ولو ظرفية أو مؤقّتة، كما يمكن أن يحسّن من شروط التفاوض الإقليمي لإنتاج تسوياتٍ لا يشعر معها أي طرف بالخسارة. غير أنّ هذه الحسابات ليس من الضروري أو المؤكّد أن تتطابق مع حسابات البيدر، كما يُقال، بل ربّما تتدحرج الفوضى والأمور إلى ما هو أصعب وأعقد، بما ينشر ظلالاً من الفوضى على لبنان، تكون شكلاً جديداً من أشكال المراوحة التي يكون فيها الجميع مشغولاً وضعيفاً في الوقت ذاته، وبما لا يسمح لأيّ طرفٍ داخلي فرض معادلات جديدة في السياسة والأمن والاقتصاد.
لكلّ هذه الأسباب ولغيرها، يعيش لبنان هذه الأيام ولأشهر مقبلة على فوّهة بركان الأزمات الذي يمكن أن ينفجر في أيّة لحظة في ظلّ واقع اقتصادي هشّ، وفراغ سياسي قاتل، وجمود في مسارات العمل للخروج من الأزمة، فهل تستدرك القوى المعنيّة هذه الرسائل وتحول دون انفجار البركان؟ أم ترى القراءات غير الواقعية والخاطئة ستأخذ البلد إلى مجهول جديد؟