لبنان وخطاب شدّ العصب قبيل الانتخابات
كلّما اقترب موعد إجراء الانتخابات النيابية في لبنان ارتفعت نبرة الخطاب الذي يشدّ العصب حول القوى السياسية المتنافسة للوصول إلى الندوة النيابية. فبعد أن أصدر وزير الداخلية، بسّام المولوي، مرسوم دعوة الهيئة الناخبة، وحدّد موعد إجراء الانتخابات النيابية يوم 15 مايو/ أيّار المقبل، باتت كل الاهتمامات منصبّة عند معظم الأطراف على الاستحقاق الانتخابي، خصوصا أنّ كثيرين ينظرون إليه أنّه مفصليّ، وبالتالي فإنّ كلّ "الأسلحة" المتوفّرة يمكن أن تكون متاحة الاستخدام في هذا الاستحقاق من أجل الفوز به، بدءاً من محاولة تعطيل الانتخابات أو تأجيلها، كما يحلو لبعض القوى، وصولاً إلى استخدام كلّ ما هو ممكن ومتاح من أجل الفوز بالنتيجة.
لقد بات للقوى السياسية المشاركة في العملية السياسية والانتخابية في لبنان خبرة واسعة في كيفية مقاربة الاستحقاقات الانتخابية، فهي قارئة جيّدة لعقلية الناخبين، وتفهم بشكل كبير كيف يفكّرون وماذا يريدون، وما هي الأمور التي تحرّكهم والأمور التي لا تحرّك فيهم ساكناً. ولذلك وجدت هذه القوى الخبيرة أنّ أهمّ مادة يمكن أن تُستخدم في عملية كسب المعركة الانتخابية هي في اللجوء إلى شدّ العصب الطائفي والمذهبي والسياسي، في ظل نظام سياسي وقانون انتخابي يقومان أصلاً على التوزيع الطائفي والمذهبي والسياسي للمواقع السياسية في الدولة.
وجّه حسن نصر الله سهام الاتهامات للسعودية وردّ على كل ما اتهمته به وبوتيرة عالية النبرة
لجأ قبل أيام التيار الوطني الحرّ إلى هذا الأمر، عندما شنّ رئيسه، جبران باسيل، هجوماً لاذعاً وقويّاً بكل الاتجاهات، ولم يوفّر أحداً على الإطلاق، حتى بلغ مبلغاً كاد أن يتحدّث فيه عن حرب كونية عليه وعلى تياره، في موازاة محاولة إقناع قاعدته الشعبية والبيئة التي كانت حاضنة له أنّه هو الوحيد الذي يدافع عنها، ويقوم بالواجب تجاهها، ويستقتل من أجل الحفاظ على دورها وحضورها بل ووجودها. يريد باسيل أن يشدّ العصب حوله ليس أكثر من ذلك، ثمّ يعود لتقاسم الجبنة مع بقية الأطراف والشركاء.
ثمّ رأينا كيف جاء الردّ عليه من حركة أمل، ومن العيار ذاته ومن الوتيرة ذاتها، وقد تولّى هذا الأمر المعاون السياسي لرئيس البرلمان نبيه برّي، النائب علي حسن خليل. إنّها محاولة مقابلة لشدّ العصب أيضاً حول الحركة وقيادتها من جديد عن طريق صدّ الهجوم الذي بدأه النائب جبران باسيل، وكأنّ المسألة هي توزيع أدوار بين لاعبين، علماً أنّ الحركة لا تواجِه تحدّيات مصيرية ووجودية كغيرها.
خطابات عالية السقف ومعارك إعلامية تثير النزعات الطائفية والمذهبية والسياسية والعرقية
ثمّ رأينا أيضاً كيف شنّ الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، هجوماً عنيفاً على السعودية، ردّاً على مطالبة الملك سلمان اللبنانيين بإنهاء ما سمّاها هيمنة حزب الله على الحياة في بلدهم، بعد أن وصف الحزب بالإرهاب. لقد وجد فيها نصرالله فرصة لشدّ العصب حول الحزب من جديد، في وقت يشعر فيه أنّ هناك هجمة شرسة من كل الأطراف، داخلية وخارجية، تستهدفه. لقد وجّه سهام الاتهامات للسعودية وردّ على كل ما اتهمته به وبوتيرة عالية النبرة. لقد شدّ عصب جمهوره من ناحية، وأعطى فرصة مقابلة للطرف المقابل كي يشد هو الآخر عصب جمهوره.
ثمّ تلقف الرئيس سعد الحريري الغائب عن البلد وعن جمهوره منذ ما يقارب الأربعة أشهر الفرصة، وراح يردّ أيضاً على نصرالله، وعلى حزب الله، دفاعاً عن المملكة التي لم تعطه بعد بطاقة خضراء للدخول إليها. هو يريد أن يشدّ عصب الجمهور الذي بات يشعر بالخيبة، ويبحث عن أية فرصة لالتقاط الأنفاس واستعادة الثقة والدور والحضور. وقد جارى الحريري أو نافسه في محاولة التقاط هذه الفرصة منافسوه ممن كانوا جزءاً من فريقه، علّهم بذلك يكسبون ثقة الشارع السنّي تحديداً، ويمسكون من بعد الحريري دفّة القيادة لهذا الشارع، وعلى قاعدة شدّ العصب ليس إلاَ. .. وهكذا يجري كل شيء في البلد قبيل الانتخابات.
مسكين هذا الشعب اللبناني بكل فئاته وطوائفه ومذاهبه وأحزابه ومكوّناته. خطابات عالية السقف ومعارك إعلامية تثير النزعات الطائفية والمذهبية والسياسية والعرقية وغيرها على أبواب الانتخابات النيابية، ثمّ بعد أن يهدأ وطيس المعركة الانتخابية، ويتقاسم المدافعون عن الحياض نتائج الانتخابات يعودون لتقاسم الحصص على حساب هذا الشعب المسكين!