لبنان: حكومة ضد الشعب
ابتُلي لبنان بطبقةٍ من السياسيين والمسؤولين، مهما كانت التساؤلات والتفسيرات المقدّمة عن كيفية اختيارهم لمناصبهم يبقى هناك دائماً عجز عن إيجاد إجابة منطقية لهذا الفعل. أحد هؤلاء هكتور حجار، وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال.
كانت الأزمة الاقتصادية في بداياتها عندما خرج لينصح اللبنانيين بعدم استعمال الحفّاضات للأطفال والاستعاضة عنها بالفوط التي يمكن غسلها، مستشهداً بالصين، كما اقترح أن تستبدل أوراق المحارم بفوط مماثلة. وقبل أشهر، ظهر في تقرير على قناة الحرّة بينما كان يتجوّل في أحد مخيمات اللاجئين السوريين يفيض بالعنصرية ضدهم خلال تجواله مع المراسلة، وهو يخبرها باشمئزاز عن الظروف الحياتية للاجئين، وكأنهم اختاروا هذه الحياة بإرادتهم ولم تُفرض عليهم.
لم يكن ذلك كله كافياً للوزير، إذ ضرب من جديد قبل أيام عند تساؤله في معرض حديثه عن الأولويات عمّا إذا كان تحسين مشاركة المرأة في الحياة السياسية يحل مشكلات لبنان، وهل تتحسّن القدرة الشرائية للناس إذا لم تتزوج القاصرات، ثم خرج ليوضح موقفه متحدّثاً عن اجتزاء حديثه.
الخلفية السياسية للوزير الذي اختير في الحكومة ضمن حصة التيار العوني لا تترك مجالاً للبحث عن تبريراتٍ له، إذ يختص هذا التيار بتسفيه أزمات البلاد، وطرح مقارباتٍ لا تمت للواقع بصلة، وغالباً ما تكون نتائجها وبالاً.
ليس مبالغة القول إن هذا الوزير يبرع في امتهان الإنسان، لبنانياً كان أم لاجئاً سورياً أجبرته ظروف بلاده على الوجود في لبنان. والأخطر أنه يتولى ما يفترض أنها أهم وزارة في زمن الأزمة، إذ عليه أن يكون على تماسّ مع أوضاع الناس، وقادر على تلبية احتياجاتهم. ويصبح من الأصعب فهم كيفية تفكيره عند النظر إلى سيرته الذاتية التي تقول إنه عمل سنوات طويلة في الخدمة الاجتماعية. وحجّار، وهنا مكمن المشكلة، ليس استثناء بين الطبقة السياسية اللبنانية وطريقة تعاملها مع المقيمين في هذا البلد، وتحديداً المسؤولين في الحكومة. ... يعيش هؤلاء في فقاعة خاصة بهم، وكأنهم من كوكب آخر لا يتصلون بمشكلات الناس ومعاناتهم.
يمكن التوقف عند تجربة وزير الاقتصاد أمين سلام، الذي سمح للمتاجر الغذائية بتسعير السلع بالدولار بذريعة الحد من التلاعب بالأسعار، على أن تُجبى الفواتير بالليرة اللبنانية بسعر صرف السوق السوداء الذي يتغيّر في كل دقيقة أو بالدولار لمن يملكه. والأخطر أن الوزير نفسه الذي لا يكاد يمرّر أي تصريح أو لقاء من دون تذكير اللبنانيين بأنه يهتم بمصلحتهم ويحرص على "حمايتهم"، صرّح بأن سعر الصرف قد يصل إلى مائة ألف ليرة مقابل الدولار. كانت تجربة اليوم الأول من آلية التسعير هذه كارثية. في أقل من نصف ساعة، دفع لبنانيون ثمن الأغراض نفسها بفارق يقارب الـ15%، بسبب تقلبات سعر صرف الدولار. أما المربَح فلا داعي للتذكير بأنه ذهب إلى جيوب أصحاب المتاجر الغذائية.
وطبعا يمكن أن يضاف إلى حجّار وسلام وزير المالية يوسف الخليل، الذي رفع قبل أيام سعر صرف الدولار الجمركي بما يقارب ثلاثة أضعاف، من دون أي سند قانوني، وبالتواطؤ مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، من دون أي اعتبار لكلفة هذه الخطوة على اللبنانيين.
تُظهر هذه العينة ليس فقط مدى العشوائية في إدارة ما تبقى من هذه الدولة ومؤسساتها، بل أيضا حقيقة أن هؤلاء المسؤولين لا يضعون في اعتبارهم أي أهميةٍ لوضع من يعيشون في لبنان. وبدل تخفيف عبء الأزمة يعمدون إلى مفاقمتها بطريقةٍ أو أخرى.