كيسنجر ونتنياهو يتآمران على تونس
في جديد مسلسل قضايا التآمر على أمن تونس التي لم تتوقف منذ تولي قيس سعيّد الحكم سنة 2019، تناقل الوسطان القضائي والحقوقي ورود شكايات جديدة، فأخيرا وجّهت أصابع الاتهام لرئيس وزراء الكيان المحتل بنيامين نتنياهو شريكاً في مؤامرة ضد النظام التونسي رفقة أسماء من المعارضة التونسية، منها رئيس جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي والقياديان في حركة النهضة علي العريض ونور الدين البحيري، وشخصيات أخرى، أهمها زوجة الرئيس سعيّد. وقبلها بأيام، تحدّثت هيئة الدفاع عن المساجين السياسيين في تونس عن فتح بحث جديد في التآمر على أمن الدولة إثر وشاية لأحد المساجين بأنه سمع وزيرا سابقا يتحدّث لسجين عن أن وزير الخارجية الأميركي الأسبق، كيسنجر، الذي توفي في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أعطى أموالا لأحد السياسيين لإفساد الانتخابات المحلية.
وبقدر غرابة هذه الملفات والأسماء المقحمة فيها، تطرح نقاط الاستفهام في جدوى التناول القضائي الجدّي لها وفتح أبحاث تحقيقية فيها، رغم وضوح زيفها ورخاوة طرحها وسذاجة مضامينها.
تعدّدت الملفات وتقاطعت في الطرافة وغياب النتائج والمعطيات منذ أعلنت رئاسة الجمهورية التونسية في يناير/ كانون الثاني 2021 تلقّيها طردا مشبوها في محاولة لتسميم قيس سعيّد. ورغم مضي ثلاث سنوات على القضية، لم ينكشف بعد الخيط الأبيض من الأسود، ولم يفصح القضاء عن جديد.
كان سعيّد ولا يزال المستفيد الوحيد من هذه القضايا التي استغلّها ليطلق من خلالها اتهاماته، ويعبّر منها عن تعرّضه ونظامه للتهديد الدائم والمؤامرات المستمرّة من الداخل والخارج، حتى اعتبر، أخيرا، أن مؤامرة صهيونية تُحاك ضد حكمه، وليُطبق في كل مرة يديه أكثر على السلطة، من دون أن ينتبه إلى أنها تحوّلت إلى سردية مضحكة في أوساط واسعة من الشارع التونسي، كفيلم بوليوودي من دون حبكة في السيناريو والأحداث والشخصيات.
يتوجّه قيس سعيّد إلى انتخابات رئاسية جديدة في نهاية هذه السنة خاوي الوفاض من الإنجازات أو الأرقام الإيجابية، سوى أعداد المساجين السياسيين المتزايدة وأعداد قضايا الرأي المرتفعة
لقد انبنت السلطة السياسية الجديدة في تونس على سردية المؤامرة والتخطيط في الغرف المظلمة ضد مصالح البلاد والعباد كما كان يعبر دائما قيس سعيّد، فكانت شماعة للقيام بالانقلاب ضد النظام السابق، بسبب مؤامرةٍ من البرلمان المنحلّ ضد الرئاسة، ومؤامرة من حزب النهضة ضد الرئيس، ومؤامرة من الأحزاب ضد الشعب وغير ذلك.
بعيْد الانقلاب وتفرّده بالحكم الذي قدّم نفسه من خلاله منقذا للوطن والرعية، لم يتوان الرئيس في تعليل إخفاقات سياساته وإدارته الحكم وتبريرها بوجود أياد داخلية وخارجية تُحيك المؤامرات وتعطّل مسار الإصلاح ومحاربة الفساد، إذ أكّد مرّاتٍ أن سبب شحّ المواد الغذائية الأساسية في الأسواق شبكات فساد واحتكار تقف وراءها أحزاب وشخصيات سياسية معارضة، يجب التذكير بأن أغلبها في السجون، من دون أن يكترث لأصوات المختصين الذين قدّموا تفسيرات مالية وتجارية وإدارية لهذا الشح أو الندرة في بعض المواد، والتي عجزت حكومات الرئيس عن مواجهتها بسياسات عمومية ناجعة وفعالة.
وبين التعديلات الحكومية المتتالية غير المرفقة بتقييم أو تعليل من الرئاسة التونسية وشمّاعة المؤامرات والأيادي العابثة، يحاول الرئيس تسويق صورة مغلوطة والتلاعب بالرأي العام لتثبيت موقعه والحفاظ على جزء من شعبيته القائمة على سرديات العداوة والكراهية.
يحاول الرئيس تسويق صورة مغلوطة والتلاعب بالرأي العام لتثبيت موقعه والحفاظ على جزء من شعبيته القائمة على سرديات العداوة والكراهية
يتوجّه قيس سعيّد إلى انتخابات رئاسية جديدة في نهاية هذه السنة خاوي الوفاض من الإنجازات أو الأرقام الإيجابية، سوى أعداد المساجين السياسيين المتزايدة وأعداد قضايا الرأي المرتفعة، في حين تعيش تونس أسوأ أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية. إذ ولأول مرة يدرج مجلس صندوق النقد الدولي تونس منذ انضمامها، ضمن قائمة "سلبية" تضم دولاً، مثل فنزويلا واليمن وبيلاروسيا وتشاد وهايتي وميانمار.
خطوة تأتي بسبب تأخّر استكمال تونس وممثلي الصندوق المشاورات بموجب المادة الرابعة المتعلقة بمراجعة الأداء الاقتصادي التونسي، حيث تأخّر ذلك مدّة تجاوزت الـ18 شهرا، بالإضافة إلى الفترة العادية الممنوحة وهي 15 شهرا. ويضع الصندوق هذا التصنيف السلبي بناء على تأخر المناقشات مع سلطات الدول المختلفة بشأن الأمور الاقتصادية والسياسات المعتمدة أو بسبب الوضع السياسي أو الأمني أو لتغيير سياسات بعض الدول.