قانون الكبتاغون ضد الأسد
بعد اكتشاف الانفجار المروّع في حركة المخدرات في منطقة الشرق الأوسط، وضبط كميات كبيرة على حدود الدول، واستمرار الحركة الكثيفة رغم عمليات الضبط، وجد المحقّقون أن سورية هي المصدر الرئيسي لهذه المخدّرات، وأن صناعتها وتعبئتها وتصديرها تجري برعاية رسمية! وأن عائدات هذه التجارة تشكّل مصدر حياة النظام وتموّل وجوده وطريقة حياته. وبحسب تصريحات مسؤولين غربيين، تقدَّر قيمة هذه التجارة بحوالى خمسة مليارات دولار، وهي أكثر من حجم التجارة الفعلية التي يقوم بها النظام بشكل رسمي وعبر منافذه الحدودية المعتمدة. يعكس هذا الرقم مقدار اعتماد النظام على هذه المادّة في بقائه على قيد الحياة، ما حدا جهات أميركية إلى وضع سورية ضمن دول المخدّرات، ثم إصدار الرئيس الأميركي جو بايدن قانون الكبتاغون الذي أُدرج في ميزانية العام الحالي. ويطالب القانون الولايات المتحدة بمحاربة هذه التجارة في المنطقة. ويشكّل تصنيع المخدرات وتوزيعها حافزاً مضافاً لإدارة بايدن لتصرّ على إبعاد الأسد عن خطط مستقبلية للمنطقة، وتعمل على إحباط كل محاولة لإعادة استيعابه فيها بشكل واضح وحاسم.
ضمن إطار القانون ذاته، أصدرت الولايات المتحدة، بالمشاركة مع بريطانيا، عقوبات على عدة شخصيات، من ضمنهم اثنان من أبناء عمومة بشار الأسد، وواحد من بارونات الكبتاغون المشهورين في لبنان. ويرتبط هذا المعاقَب، المدعو نوح زعيتر، بحزب الله، ما يجعل النظام والمليشيا الشيعية حليفين وثيقين في الإنتاج واقتسام الأرباح. تلعب الظروف التي خلقها النظام ومعه حزب الله في المنطقة الدور الأكبر في تسهيل عمليات التصنيع والإنتاج والتغليف، بعد أن أوجد النظام مناطق الفوضى الخالية من الرقابة. وقد تكون اللاذقية، مسقط رأس الأسد، إحدى أهم قواعد إنتاج المخدرات، لوجود أقرباء كثر له فيها، لا يطاولهم القانون، ويتصرفون في المنطقة بطريقة القبضايات الخارجين عن نطاق أي سيطرة، ولوقوعها على شاطئ البحر، حيث تكثر الموانئ غير الشرعية التي تنطلق منها الشحنات إلى الخارج، وتشتغل في ذلك أيضاً المناطق الحدودية بين لبنان وسورية، التي تكاد تخلو من أي رقابة، وتقع بالكامل تحت سيطرة حزب الله، فهناك تنتعش الصناعة والتغليف من دون أي محاسبة.
يرزح السوريون في الداخل تحت ضغوط اقتصادية هائلة، لعدم توافر مصادر للطاقة والكهرباء، وتبيع الدولة كلّ ما يلزم للحياة من طريق التقنين وبالنداء الإلكتروني، وهو وضعٌ مفروض من النظام على المواطن، بغضّ النظر عن مواقفه السياسية، وهذه وسيلة أخرى لإبقائه تحت السيطرة وإلقاء اللوم على الضغوط الاقتصادية التي يطبّقها العالم على سورية، فيما تنتعش تجارة المخدّرات، وتسيل الثروات لصالح آل الأسد وبعض المحسوبين عليهم. ومن دون أفق لأي حل، الاستعصاء قائم ودائم، ويكاد يشكل منذ ثلاث سنوات، بعد انحسار رقعة الحرب، خبزاً يومياً لسوريي الداخل.
اكتسب النظام خبرته في تصنيع الحبوب المخدّرة عبر السنوات العشر التي قضاها محارباً على الجبهات، وتحول فيها جيشه النظامي إلى مليشيات وقطاعات خاصة تحارب لصالحه، مع تخليق مجاميع أخرى جاءت من العراق وغيرها شكّلوا مليشيات جديدة، في ظلّ مناخٍ حربي مشحون ومنفلت يكون مناسباً لكلّ مغامرٍ ليسلك هذا الطريق، حتى تحوّل إلى أسلوب النظام الرسمي. وقد يكون وضع الفرقة الرابعة في سورية، حالة عسكرية خاصة لا تتبع أي جهة، ولا تؤمن بأي هدف سوى "قائدها الحصري"، تعتمد في ريعها وما تقوم به لتمويل نفسها وتسليح أفرادها على إنتاج هذه المادّة، بالإضافة إلى تحصيل الإتاوات مباشرةً من الحواجز المنتشرة في سورية، ومن دون تدخل رقابي من أجهزة الدولة الرسمية. وعند نقطة الانفلات هذه، إذ لا مرجع أمنياً ثابتاً، تتحوّل سورية إلى دولة مخدّرات تنتج وتتاجر وتصدِّر، ثم يركُض رئيسها يمنة ويسرة لتسويق نفسه مرّة أخرى.