في ضرورة "العربي الجديد"

02 سبتمبر 2024
+ الخط -

استمع إلى المقال:

ليس من مديح الذات في شيءٍ أن نقول، نحن العاملين في "العربي الجديد"، إن صدور صحيفتنا، في مثل هذا اليوم قبل عشر سنواتٍ، كان ضرورةً إعلاميةً عربية، الأمر الذي أكّدته، فيما بعد، قرائنُ وشواهدُ ومحكّاتٌ بلا عدد، فالعشريةُ التي أكملها منبرُنا اليوم كانت عقدَ انتعاش ردّةٍ إعلاميةٍ، مضت بعيداً في ترويج تحالفٍ مُعلنٍ بين التجهيل والاستبداد والركاكة، وقد شطّ القائمون على وسائط هذه الردّة ومنصّاتها وأذرعها وشاشاتها في تزويق التطبيع مع العدو الإسرائيلي، وفي ترويج السّفهاء الشعبويين الذين تسلّموا السلطة والمسؤوليات في غير بلدٍ عربيٍّ وأجنبي، وفي تعميم ثقافة الخرَس عن اعتقالات أصحاب الرأي وتمادي التسلّط في افتراس أرزاق الناس وحرّياتهم وحقوقهم. ضجّت العشرية التي نغادرها اليوم بما اعتبرَها أهل الثورات المضادّة، من حُماة أنظمة المستبدّين والفاسدين في غير بلدٍ عربي، انتصاراتٍ أحرزوها، وهم يروْن الثوّار والناشطين والمناضلين الذين أشعلوا الربيع العربي العابر في مصر وتونس واليمن (وغيرها) في السجون والمنافي، عدا عن الذين غيّبهم القتلُ الصريح. رأى أولئك في هذا كلّه، وكثيرٍ مثله، سبباً لمعايرتنا، نحن في "العربي الجديد"، وظنُّهم أننا صِرنا في هزيمةٍ مشهودة. وهنا، وفي لحظة احتفالنا المستحقّ بربيعنا العاشر، نُعلنها إننا، محرّرين وكتّاباً ومعلّقين ورسّامي كاريكاتير، في شؤون السياسة والاقتصاد والمجتمع والثقافة والفنون والرياضة، معتصمون بالعناوين التي أعلنّا، أمام جمهورنا وقرّائنا، في اليوم الأول، أننا لا نتبنّاها فقط، وإنما أيضاً، نعمل، بأدوات الصحافة المهنيّة الحديثة، على أن يرانا من خلالها جمهورُنا الذي عرَفنا، بالمحسوس والمشهود، أهلَ إعلامٍ صادقٍ ومسؤول، لا أهل سياسة وأيديولوجيا. وهذا هو الرّهان الذي ألزمت صحيفة العربي الجديد نفسَها به، والاختبارُ الذي خاضتْه، والتحدّي العسير الذي واجهته.
نجهر أمام الجميع، في لحظة العبور من عيدنا العاشر، بأن "العربي الجديد" اجتازَت هذا كلّه، وقد تسلّحت بكفاءة العاملين فيها، صحافيين ومراسلين، وبكتّابها ومن اختاروها فضاءً للتعبير عنهم في غير شأن. نجحْنا، في منبرنا الذي حورب واستُهدِف بالتشنيع والافتراءات والأكاذيب الصريحة، وذلك كله وغيرُه بأدواتٍ غير نظيفةٍ أبداً، دلّت على خفّة أصحابها. نعتزُّ، لا بدَّ، بالاحترام الوفير الذي استقبَل به جهدَنا الوسط الإعلامي والسياسي، المنشغلُ بقيم الحرية والتعدّدية والديمقراطية ومقاومة إسرائيل، وبدلالة التقدير الغزير الذي غمرَنا به من قرأونا، وتابعوا منتوجَنا، وآخذونا على ما صادفوها من هَناتٍ، أو ما رأوْها سوءَ تقديرٍ لدينا في هذا الأمر وذاك. ويصحُّ زعمُنا هنا إن شراكةً من نوعٍ خاصٍّ قامت، في الذي أشهرناه من مواقف وخياراتٍ، بيننا وبين جمهورٍ عريضٍ جدّاً يفتّش عن المعلومة الموثوقة، والرأي المنزّه من الغرض. ونظنّنا مشيْنا في هذا المسار، وتغلّبنا، في الأثناء، على عثراتٍ لم تتوقّف يوماً، وعلى متاعب لم تُضعِف أيّاً منا، فكان الذي عاينَه قرّاؤنا من إحاطةٍ وافيةٍ في تقارير حيّة تتوفّر على كل أبعاد موضوعاتها، عن حروبٍ ونوائب، وعن نجاحاتٍ وإنجازاتٍ أيضاً، في غير إقليم وأرض. وكان أيضاً ما لوحظ من اتّزانٍ وتوازنٍ في بسْط وجهات النظر والآراء في غير موضوعةٍ وأمر. بالإضافة إلى الإطلالات الصحافية المحضة، والنقدية والانتقادية، على الجديد من نتاجات أهل الأدب والإبداعات والفنون والمشهديات.
لا نحتفل بعيد عاشر، وإنما نحتفي بربيعٍ عاشرٍ اكتملَ في مسيرة شاقّة، ليس لأن آمال الأمّة في ربيعٍ عربيٍّ لم تتحقّق بعد، وإنما أيضاً لأن الدماء الساخنة التي تسيل في غضون حرب الإبادة التي يرتكبها الوحش الإسرائيلي في غزّة، وفي اعتداءاته اليومية في الضفة الغربية وعلى أراضي لبنان، لا تُغادر وجداننا، ولا تنصرِف عن شاشات حواسيبنا، وقد قرأ جمهور "العربي الجديد" آلاف التغطيات التي ذهبت إلى الألم الغزّي، في المشافي المستهدفَة، ومراكز الإيواء المدمّرة، ومخيّمات النزوح المستباحة، وقرأ عن كل ألمٍ في عموم فلسطين، وفي لبنان وسورية واليمن والسودان وليبيا، في تحقيقاتٍ واستطلاعاتٍ ومتابعاتٍ وتقارير، بمواكبةٍ مع الرأي الذي يضيء، والتحليل الذي يشرّح...
نعتزُّ بصنيعِنا، ويليق بنا أن نزهو به، ولذلك نقولها إننا منشغلون عن الذين يحاربوننا، ونُنجز ما ينبني على مواقف ورهاناتٍ أعلنّاها قبل عشر سنوات، وسنبقى عليها، لا لشيءٍ إلا لأن "العربي الجديد"  ضرورة.

معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.