في سيناريوهات الأزمة الليبية
كلما اقترب الموعد المحدّد لإجراء الانتخابات في 24 ديسمبر/ كانون الأول الحالي 2021، كلما ارتفعت وتيرة الأزمة بين الأطراف الليبية، بين من يراها، أي: الانتخابات، أنها تقود إلى عبث ومزيد من الاختلاف، باعتبارها بُنيت على غير أساسٍ من الدستور والقانون من جانب، وتَرشح الشخصيات الجدلية من جانب آخر، وبين من يراها حلاّ للأزمة الحالية وتجديدا للشرعية، وإن كان هناك قصور في القانون الانتخابي، الأمر الذي يجعل من يريد فهم الحالة الليبية وإسقاطها على الواقع لا بد له أن يقف على المحطّات الفارقة فيها دستوريا وحواريا، ومن ثم قراءة الواقع والمآلات المتوقعة لما بعد 24 ديسمبر/ كانون الأول المقبل:
أولاً: الإعلان الدستوري: منذ أشهر، في 3 أغسطس/ آب 2011، المجلس الوطني الانتقالي الحاكم آنذاك في البلاد، واتخاذه وثيقة دستورية تسير عليها ليبيا إلى مرحلةٍ مؤقتةٍ إلى حين اعتماد دستور دائم للبلاد، طرأت عليه تغيراتٌ وتعديلاتٌ كثيرة، بعضها فني، وبعضها الآخر حل لأزمات سياسية متوالية طرأت على البلاد، كان الحوار السياسي عمودها الفقري. وبالتالي، تبعا لذلك يكون "الاتفاق السياسي" وثيقة دستورية أخرى تسير عليها البلاد.
ثانيا: الحوار السياسي: نتجت عن الحوارات السياسية الليبية وثيقة مُلزمة، عرفت باتفاق الصخيرات، أو الاتفاق السياسي الليبي في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2015، مخرجاً لحل الأزمة التي نتجت بُعيد انتخاب البرلمان الليبي في 2014، وحكم الدائرة الدستورية ببطلان انتخابه، بناءً على إسقاط مخرجات "لجنة فبراير" المشكّلة من المؤتمر الوطني العام، الأمر الذي أنتج حوارا رعته البعثة الأممية للدعم في ليبيا، وأنتج "اتفاق الصخيرات" بناء عليه، ثمَّ تقاسم السلطة الشرعية بين البرلمان في طبرق، والمجلس الأعلى للدولة في طرابلس، وكذلك إحداث المجلس الرئاسي.
إذا كانت "القوانين" غير سليمة وغير صحيحة، ناهيك عن التوافق عليها، فإن النتائج لا بد أن تكون مشوّهة وستقود البلاد إلى مزيد من الاختلاف والأزمات
ثالتاً: القوانين الانتخابية الحالية. تفرّد البرلمان في طبرق بإصدار قوانين انتخابية "رئاسية وبرلمانية" دون التوافق عليها مع المجلس الأعلى للدولة، الأمر الذي أدى إلى حالة من عدم التوافق على إجراء الانتخابات في إطار هذه القوانين التي اعتبرت غير دستورية، وأنها تخالف الاتفاق السياسي في إصدارها، الذي تسير عليه البلاد، كما أن أعضاء من برلمان طبرق اعتبروا صدور هذه القوانين مخالفةً لآليات عمل البرلمان، باعتبارها لم تُطرح في جلسة علنية، ولم يتم التصويت عليها داخل قبّة البرلمان. وبالتالي، كانت الأزمة الحالية الانتخابية التي توسع مداها إلى المطالبة شعبيا بعدم إجرائها وفق هذه القوانين المعيبة، ناهيك عن الجدل المصاحب في ترشّح أسماء جدلية للانتخابات الرئاسية.
كان ذلك كله مصاحبا لما سارت عليه المفوضية العليا للانتخابات، باعتمادها تلك القوانين والسير عليها، الأمر الذي يرى كثيرون أنه كان سببا في زيادة تأزيم الأزمة الحالية. وبالتالي، لن تكون المآلات والسيناريوهات المتوقعة لهذه الانتخابات، والتي بدأ يلوح أنها لن تكون في حالة سليمةٍ ومرضيةٍ من الأطراف الليبية إن تمَّ إجراؤها، الأمر الذي سيقود تبعا لذلك إلى أزمة في الاعتراف بنتائجها، باعتبار أنه بالمقدمات تُعرف النتائج، فإذا كانت المقدّمات وهي: "القوانين" غير سليمة وغير صحيحة، ناهيك عن التوافق عليها، فإن النتائج لا بد أن تكون مشوّهة وستقود البلاد إلى مزيد من الاختلاف والأزمات، وخير مثال على ذلك "لجنة فبراير" في 2014، والتي كانت بمقدّمات خاطئة في الاختيار والتكوين والمسار، الأمر الذي أنتج أجساما أدخلت البلاد في الفوضى والأزمات المتتالية.
السيناريو المتوقع، خصوصا بعد تأجيل إعلان القائمة النهائية للمترشّحين للرئاسة، هو العمل على وجود حالةٍ من التوافق بين الأطراف الليبية المختلفة، سواء برعايةٍ أممية، أو حتى حوارات داخلية أخرى، تؤسّس لعمليةٍ انتخابيةٍ يكون فيها الحد المقبول من التوافق، وإن استدعى الأمر دخول مرحلةٍ أخرى تمهيدية، قبل إجراء هذه الانتخابات، ناهيك عن تأجيلها، والأيام القلية المقبلة حُبلى بجديد مسارات العملية السياسية في البلاد.