في حيثيات إعلان هذا الحلف المغاربي

07 مايو 2024

قيس سعيد (وسط) ومحمد المنفي (يمين) وعبد المجيد تبون (22/4/2024 الرئاسة التونسية فيسبوك)

+ الخط -

على نحو مفاجئ، وبعد أكثر من أسبوع على انتهاء قمّة قرطاج الثلاثية بين رئيسي الجزائر وتونس ورئيس المجلس الرئاسي في ليبيا، أعلنت وكالة الأنباء الجزائرية أنّ القمة التي تُوّجت بإعلان قرطاج، عُقدت من أجل تأسيس نهج جديد انتقل فيه المغرب العربي "من الشعارات إلى الأفعال"، ومثّلت "خطوة أولى لتأسيس حلف دول شمال أفريقيا الذي ستنضمّ إليه موريتانيا في يوم ما". حرص الإعلان الجزائري على تأكيد أنّ الحلف الجديد، أو بالأحرى التكتّل الإقليمي الثلاثي الجديد، جاء كي يُعوّض "الإعلان عن الموت السريري لاتحاد المغرب العربي"، ولم يتردّد في تحميل المملكة المغربية مسؤولية وفاته، لكنّه لم يحدّد طبيعة هذا التكتّل ومقوّماته وركائزه، وسوى ذلك، بل راح يتحدّث عن أهمية وزنه الإقليمي وقوّته، إذ "لا يمكن سواء للاتحاد الأوروبي غضّ الطرف عن تطلّعات الشركاء الثلاثة نظراً للموقع الجغرافي وللموارد التي يزخرون بها، ولا للاتحاد الأفريقي نظراً لقوة هذا التكتّل المُترابط، ناهيك عن الدول التي تتدخّل في شؤون الآخرين، والتي لن تستسيغ هذا العمل الجماعي الذي يجسّد السيادة"، وذلك في إشارة واضحة إلى المغرب.
أي خطوة عربية لبناء تكتّل إقليمي حقيقي بين الدول العربية، سواء في مغربها أو مشرقها، تلقى صداها الإيجابي على المستوى العربي، شريطة أن تكون في خدمة مصالح الشعوب العربية. وهذا مستبعدّ وفق المعطيات الحالية، وحسبما ظهر من تجارب تجمّعات إقليمية عربية سابقة، وبالتالي، يصعب التعويل على أن يكون "التحالف الذي نشأ في قرطاج جديراً بكونه بديلاً إقليمياً استباقياً"، بالنظر إلى افتقاره مقوّمات ذلك وحيثياته. إضافة إلى أنّ الاجتماع، الذي ضمّ الجزائر وتونس وليبيا لا يخرج عن أنّه مناورة سياسية، تقف وراءها الجزائر، وغايتها مناكفة المغرب، بالاستناد إلى إرث العداء بين القيادات السياسية في كلّ من البلدين، والذي يعود إلى ستينيات القرن العشرين المنصرم. وعليه، لم تكن هناك استراتيجية تحالف أو حتّى تقارب واضحة، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي، لبناء تحالف إقليمي جديد بين البلدان الثلاثة، خصوصا في ظلّ الأوضاع المُتدهورة فيها على مختلف المستويات، إذ يحاول الرئيس التونسي قيس سعيّد البحث عن خلاص خارجي ينقذه من حالتي الجمود وانسداد الأفق، اللتين يعرفهما الوضع الداخلي لبلاده، فضلاً عن الأزمة الاقتصادية التي تعانيها، فيما تعيش ليبيا منذ سنوات صراعاً مُسلّحاً بين أطرافٍ عديدة مدعومة خارجياً، وباتت في وضع لا تُحسد عليه، فلا يمكنها أن تكون فاعلة في أيّ تكتّل إقليمي، طالما تعيش في حالة الانقسام التي تعصف بها منذ سنوات.

يصعب إدراج أيّ خطوة إقليمية يقوم بها المغرب أو الجزائر خارج إطار المناكفة القائمة بينهما، التي تهدف إلى محاولة طرف تضييق الخناق السياسي على الآخر

يصعب إدراج أيّ خطوة إقليمية يقوم بها المغرب أو الجزائر خارج إطار المناكفة القائمة بينهما، التي تهدف إلى محاولة طرف تضييق الخناق السياسي على الآخر، وإنهاكه وعزله عن محيطه العربي والأفريقي، وتحميله تبعات تردّي العلاقات بين البلدين. وقد وصل الأمر بينهما إلى الرياضة، فاستبشرنا خيراً حين سافر أخيراً فريق نهضة بركان المغربي لكرة القدم إلى الجزائر لخوض مباراة مع فريق اتحاد العاصمة الجزائري، في إطار الدور النصف نهائي لمسابقة كأس الاتحاد الأفريقي لكرة القدم، لكنّ المباراة لم تُلعَبْ، لأنّ الفريق المغربي كان ينوي ارتداء قصمان رسمت عليها خريطة المغرب تضمّ الصحراء التي تعتبرها الجزائر جمهورية مُستقلّة، الأمر الذي قابلته السلطات الجزائرية باحتجاز القمصان في المطار، ما تسبّب بعدم إقامة المباراة.
ومنذ قطعت الجزائر علاقاتها الديبلوماسية مع المغرب، في 24 أغسطس/ آب 2021، وأغلقت أجواءها أمام الطائرات المغربية، أصبحت الجزائر تتحدّث عن "استفزازات يقوم بها المغرب"، فيما يشتكي المغرب من "روح تصعيدية غير مبرّرة" من القيادة الجزائرية، في ظلّ تزايد وتيرة التراشق الإعلامي بينهما، الذي يجري فيه سوق شتّى التهم، ويُحمّل كلّ طرفٍ منهما الآخر، وبشكل حصري، المسؤولية عن توتّر العلاقات بينهما، لذلك يرى الساسة في المغرب أنّ أضرابهم في الجزائر يريدون تعويض العُزلة التي أصابت بلادهم، بعد تردّي علاقاتها مع دول جوارها في منطقة الساحل الأفريقي والصحراء، وخصوصاً مع مالي والنيجر، التي حرصت المملكة المغربية، في المقابل، على الانفتاح والتقارب مع الأنظمة الجديدة فيها. وبالتالي، يمكن النظر إلى التكتّل الثلاثي الجديد بوصفه ردّ فعل جزائري على المبادرة الأطلسية المغربية، التي رعاها المغرب منذ أواخر العام الماضي (2023)، وضمّت مجموعةً من دول الساحل الأفريقي، ممثّلة بكلّ من مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد، وغايتها تشكيل تكتّل أفريقي جديد من أجل بناء شراكات اقتصادية، وتحقيق مشاريع تنموية، فضلاً عن التفاهم على مشروع أنبوب الغاز بين نيجيريا والمغرب، الذي ينظر إليه تعويضاً عن قطع خط الغاز الجزائري الواصل إلى إسبانيا عبر المغرب.

المشكلة تكمن في طبيعة الأنظمة السياسية العربية، فقد عانى النظام الإقليمي العربي من اختلالات بين مُسوّغات سيادة الأنظمة والدول التي تحكمها وموجبات التكتّلات الإقليمية العربية

ليس من المبالغة القول إنّ التكتلات العربية، سواء في المغرب العربي أو في مشرقه، والتي مات بعضها سريرياً في بداياته، تُمثّل مفارقة كبيرة لدى مقارنتها بالتكتلات الإقليمية الأخرى في العالم، إذ إنّ هناك عوامل وحيثيات عديدة تدفع باتجاه التكامل والاتحاد بين الدول المُشكّلة لها، فيما لا يوجد ما يذكر على مستوى الأداء والإنجاز الذي تحقق خلال مسيرتها. وقد لا توجد مجموعات أخرى من الدول المتجاورة جمعت بينها عناصر مشتركة مثل الاقتصاد والتاريخ والثقافة واللغة، بقدر ما توافر للدول العربية، لكنّ ذلك لم ينعكس على الإنجاز الذي كان تحقيقه مطلوباً في مستوى التكامل السياسي أو التعاون الاقتصادي والتجاري، بينما حقّق الاتحاد الأوروبي مثلاً، طوال مسيرته، إنجازات كبيرة في مختلف الصعد، رغم عدم توفّر عناصر التكامل نفسها لجميع أعضائه.
المشكلة تكمن في طبيعة الأنظمة السياسية العربية، فقد عانى النظام الإقليمي العربي من اختلالات بين مُسوّغات سيادة الأنظمة والدول التي تحكمها، وموجبات التكتّلات الإقليمية العربية. وتعود جذور هذا الاختلال إلى طبيعة الأنظمة التي تركّز على مصالح قادتها الضيّقة، وذلك على حساب مصالح الشعوب، إلى جانب أنّها تعيش حالةً مُستعصيَة من انعدام الثقة بينها، وبما ينعكس سلباً على الدول العربية، إضافة إلى أنّها لم تقبل بالإقرار بأيّ قيد على سياساتها ومواقفها وأدوارها لمصلحة التكتلات والاتحادات، بذريعة الحفاظ على سيادتها.

5BB650EA-E08F-4F79-8739-D0B95F96F3E1
عمر كوش

كاتب وباحث سوري، من مؤلفاته "أقلمة المفاهيم: تحولات المفهوم في ارتحاله"، "الامبراطورية الجديدة: تغاير المفاهيم واختلاف الحقوق".