في تجديد السلطة التشريعية الليبية
لعلّه نافلٌ اليوم، بعد فشل الانتخابات في ليبيا في 24 الشهر الماضي (ديسمبر/ كانون الأول)، الحديث عن خريطة الطريق الماضية التي بمقدّماتها كانت هذه النتائج، إذ يجب أن يتجه الحديث نحو إيجاد خريطة طريق قابلة للفعل والتطبيق، وبرؤى واضحة وصادقة، بعيدة عن الأجسام الحالية التي تتربع على السلطة في البلاد، أقلها عمراً تسع سنوات، وهي لا تقدّم لهذا البلد إلا مزيدا من الاختناقات السياسية التي تفسد أكثر مما تصلح، وتبتعد عن التوافق كلما اقتربت منه. عملها دائما مربوط بردّة الفعل أكثر من الفعل المجرّد واللازم، بل والواجب للفعل في أحيانٍ كثيرة. ذلك هو عمل المؤسسات التشريعية وشبه التشريعية في البلاد، الأمر الذي يتطلب اليوم، وبإلحاح، أن تكون هناك خريطة طريق صحيحة وسليمة من جهة، وقابلة للتطبيق من جهة ثانية، وتحقّق قدرا من التوافق من جهة ثالثة بين أبناء الشعب للعبور به إلى أجسام تشريعية حقيقية أساسها القاعدة الشعبية، وليس الحوارات والمشاكسات، بل حتى المصالح السياسية الضيقة المحصورة بين فئة محدّدة لا تتعدّاها، في نظام مغلق يدور في دائرة ضيقة، ولا يعبر عن آمال الشعب الليبي وإرادته منذ 2014.
ما بين حوارات وملتقيات داخلية وأممية، يترقب الشعب الليبي انفراج الأزمة في بلاده، غير أن النتائج دائما ما تكون مخيبة للآمال والتوقعات، بل هي دائما على النقيض من المطلوب والمتوقع منها، فاتفاق الصخيرات مثلاً، وإن سارت عليه البلاد زمنا، بفعل القوة وليس الرضى من جميع أبناء الشعب، لم يرتق إلى أن يوحّد ليبيا، ويُرتّب لمرحلة جديدة تستقر معها البلاد، وكذلك تجديد سلطتها بطرقٍ يرتضيها الشعب، بل كان هذا الاتفاق مقدّمة لأزمات متوالية، ما تنفكّ إحداها إلا تأتي الأخرى بفعل فاعل، تكون نهايتها اتفاقاتٍ غير سليمة عادة مبنية على المصلحة وتبادل الأدوار بطريقة أو أخرى.
الخيارات الضيقة هي التي جعلت كثيرين يقبلون الأجسام الجديدة، وصولا إلى مرحلة تجديد السلطة التشريعية
لقد حاولت السلطة التشريعية (البرلمان) وشبيهها المجلس الأعلى للدولة، مرّات ومرّات، تغيير المناصب السيادية التي حدّدت بتسعة، وكان الاتفاق مبنيا على الجهوية والمحاصصة، إلا أن ذلك لم يكن. وعلى الرغم من أن ذلك غير مستساغ عند كثيرين، وسيتسبب بأزمة جديدة تضاف إلى الأزمات المتوالية والمتعاقبة، إلا أنهما كذلك لم ينجحا في ذلك، الأمر الذي يجعل فقدان الثقة هو الغالب في إيجاد خريطة طريق من قبلهما تقود البلاد إلى مرحلةٍ من الاستقرار، وحتى إلى شيء منه.
وفي الحوار الذي جرى أخيرا، وأوجد المجلس الرئاسي والسلطة التنفيذية الجديدة، كان في ملتقى سياسي أممي، اختير له 75 شخصا لم يكونوا من القاعدة الشعبية، ولم يرتضها الشعب، ولكن الخيارات الضيقة هي التي جعلت كثيرين يقبلون الأجسام الجديدة، وصولا إلى مرحلة تجديد السلطة التشريعية في البلاد في 24 ديسمبر/ كانون الأول 2021، إلا أن ذلك لم يكن، على الرغم من الزخم الشعبي الذي يدفع نحوه، بل أوجدت له قوانين وقاعدة دستورية غير توافقية، صدرت أحادية، وأريد تطبيقها وإلزام الجميع بها، وكأن ذلك كان مرسوما لإفشال تجديد السلطة التشريعية في ليبيا مبكراً.
لا يمكن اليوم القبول بسيناريو متكرّر ونسخة محدثة يصنعها ويرتضيها من كان سببا في الأزمة بطريقة أو أخرى
اليوم وبالأطراف السياسية نفسها، بل وبالمقدّمات ذاتها، تحاول بعض الأطراف تقديم خريطة طريق جديدة للمرحلة المقبلة في إعادة للسيناريو الماضي، وإن اختلفت بعض الأفعال والأقوال، وكأن اللعبة يُراد لها أن تتكرّر لسنوات أخرى، بدون النظر إلى حقيقة الأزمة، وكون هذه الأجسام جزءا منها، بل أثقلت كاهل الدولة والمواطن، وجعلت منها دولةً تسير نحو الفشل، بدل أن تنهض وترتقي.
لا يمكن اليوم القبول بسيناريو متكرّر ونسخة محدثة يصنعها ويرتضيها من كان سببا في الأزمة بطريقة أو أخرى، اليوم لا بد من العمل على إيجاد مشروع وطني يجمع النخب والشعب، يجمع ولا يفرّق، يؤسّس لدولة الاستقرار والقانون، يبتعد عن المحاصصة والجهوية، يرسم خريطة طريق واضحة المعالم نحو تجديد السلطة التشريعية في أقرب الآجال، وإن كان يوم 24 ديسمبر/ كانون الأول قد مضى بدون تجديدها، إلا أنه سيبقى ناقوسا يكرّر هذا المطلب في قابل الأيام والشهور.