فرنسا... إسبانيان ومغربية

03 يونيو 2016

مريم الخمري وفيليب مارتينيز ومانويل فالس (Getty)

+ الخط -
في لحظة هامة من تاريخ فرنسا، يبرز على مسرح الأحداث ثلاثة أشخاص، يحوزون على القسط الأكبر من اهتمام وسائل الإعلام منذ عدة أشهر، وسيبقون كذلك عدة أشهر أخرى. هم رئيس الوزراء مانويل فالس، ورئيس نقابات "سي جي تي" فيليب مارتينيز ووزيرة العمل مريم الخمري.
رجلان وامرأة يلعبون دوراً على قدر كبير من الأهمية، في ما يخص قانون العمل الذي تنقسم من حوله فرنسا منذ بداية العام الحالي، وتضع الحكومة كل ثقلها من أجل إقراره تحت بند إصلاح الوضع الاقتصادي، بينما تقف له النقابة بالمرصاد، وتحشد كل قواها في معركةٍ تعتبر أنها مفصلية في تاريخ النضال النقابي الفرنسي، وتتهم الحكومة بالعمل على ترويض الحركة النقابية التي تشكل مركز الثقل الاجتماعي المعارض، في بلدٍ باتت المعارضة السياسية فيه لعبة تتداولها أحزاب اليمين واليسار في السباق على الحكم، على أساس برنامج واحد، لا يختلف من حيث المضمون.
وفي المواجهة الدائرة، رجل وامرأة من طرف ورجل في الطرف الآخر. الرجلان من أصول إسبانية والمرأة من أصل مغربي. الرجل الأول هو رئيس الحكومة المولود في برشلونة عام 1962، والذي حصل على الجنسية الفرنسية عام 1982، وقد واتته الظروف، بعد عام حين تم وقف العمل بالقانون الذي كان يمنع على المجنسّين الترشح لأي موقع انتخابي قبل مضي عشرة أعوام، وبذلك انخرط في العمل السياسي في مسارٍ سريع، وأخذ يبرز حين بات عمدة بلدية ضاحية إيفري الباريسية عام 2001، ومن ثم نائباً في 2012. وفي هذا العام، أصبح وزير داخلية في أول حكومة اشتراكية للرئيس فرانسوا هولاند، ثم رئيس حكومة عام 2014، بعد أن شهد الحزب الاشتراكي معركةً داخلية بين جناحين، يساري ويميني ليبرالي، وانحاز هولاند للجناح الأخير، وتوج بذلك فالس على رأس الحكومة، وتؤكد مواقف فالس أنه لا يحمل من الاشتراكية غير الاسم، ذلك أن قراءة ما يصدر عنه من تصريحاتٍ تكشف عن خلفيةٍ ثقافيةٍ مغرقة في اليمينية، وثمّة إجماع في أوساط النخبة السياسية على أن مثاله الأعلى هو الرئيس الفرنسي السابق، نيكولا ساركوزي، الذي وصل إلى رئاسة فرنسا عام 2007، وهو ابن مهاجر قدم حديثاً إلى هذا البلد، وركب موجة اليمين، لكي يصل إلى الحكم. وهناك تصريح شهير لساركوزي يشكل مثار سخرية دائمة "من لم يتملك ساعة روليكس في الخمسين عليه أن يعتبر أن حياته ذهبت هباء". وقبل أيام، وقف فالس أمام تجمع عمالي، وقال "من يريد أن يلبس مثل هذه البدلة التي ألبسها عليه أن يعمل". وكخلفية بعيدة، فإن جذور فالس العائلية أقرب إلى اليمين، وعلى الرغم من أن والده كان رساماً، وعاش في الخمسينات فترة نهوض الحركة الفنية في فرنسا، ذات الطابع اليساري، فإنه لم يقترب منها، أما جدّه فقد كان يدير صحيفة أغلقها الجمهوريون، لأنها كانت مواليةً لفرانكو.
في مقابل فالس، يقف الإسباني الآخر مارتينيز، ابن المقاتل في صفوف الجمهوريين ضد فرانكو، وسواء أراد التاريخ أن يكرّر نفسه أم لا، فالمعركة بين الرجلين تحمل جزءاً من ارتدادات الماضي الإسباني الذي لا يزال حياً، ويلعب دور العنصر الإضافي ضمن قواعد لعبة المبارزة، وربما قفز إلى الصدارة ليتحكّم بمصير المواجهة.
أما السيدة المغربية، فهي وزيرة العمل، مريم الخمري، التي صار مشروع العمل الجديد يحمل اسمها، فقد وجدت نفسها في المكان الخطأ. وهناك من لا يبرئ فالس الذي أقحمها في اللعبة، بوصفها ابنة مهاجر لتمرير قانونٍ ليس في صالح العمال، على المنوال نفسه الذي زجّ فيه ساركوزي المغربية رشيدة داتي في معركةٍ مع القضاة.
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد
بشير البكر
شاعر وكاتب سوري.
بشير البكر