هل تدين ميلانشون؟
العنوان الأبرز في الحدث الفرنسي اليوم هو التلاقي بين اليمين الفرنسي المُتطرّف واليمين الاسرائيلي الحاكم. وقد سبق لذلك أن تجلّى بقوّة، من خلال المواقف وردّات الفعل تجاه هجوم حركة حماس في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وحرب اسرائيل على غزّة. وشكّلت الانتخابات التشريعية في فرنسا مناسبةً مثاليةً لتعزيز العلاقات بينها، وبلورتها أكثر، بالنظر إلى الخصوصية الفرنسية، التي تتمثّل في حضور الجالية اليهودية في السياسة والاقتصاد والثقافة ووسائل الإعلام، ووجود جالية عربية إسلامية يتجاوز تعدادها ستّة ملايين، مساندة للقضية الفلسطينية، وذات توجّه انتخابي نحو أحزاب اليسار، وخاصّة حزب فرنسا الأبية، الذي رفض زعيمه جان لوك ميلانشون إدانة هجمات حماس وتصنيفها حركة إرهابية. ولذلك، تُوجَّه إليه تهمة معاداة الساميّة.
ازدادت الحملة الإعلامية ضدّ ميلانشون شراسة مساء الأحد الماضي، بعد إعلان نتائج الدورة الأولى من الانتخبات التشريعية، لأنّه وجّه رسالةً سياسيةً صريحةً للتضامن مع فلسطين، من خلال وقوف الحقوقية الفلسطينية ريما حسن إلى جانبه على منصّة الاحتفال بالفوز وهي ترتدي الكوفيّة الفلسطينية. وقد تحدّى ميلانشون بذلك أنصار إسرائيل، الذين يعدّونها ناطقة رسمية باسم حركة حماس بسبب تصريحاتها خلال الانتخابات الأوروبية، وفوزها بعضوية البرلمان الأوروبي. وكان تقديم ميلانشون لها للانتخابات، وفوزها، استفتاءً على مساندة حقوق الشعب الفلسطيني، ورسالةً ضدّ المجازر الاسرائيلية في غزّة. ومن الواضح أن خلفية فرط الحساسية من إبراز الرمز الفلسطيني في حدثَين أوروبي وفرنسي سببها الانزعاج من حزب فرنسي له حضور شعبي مُهمّ، يعمل على كسر الحصار السياسي والإعلامي عن صورة فلسطين. وهنا يجدر الوقوف عند نقطتَين مُهمّتَين. الأولى، أنّ القضية الفلسطينية هي الشأن الدولي الوحيد الحاضر بقوّة خلال حملة الانتخابات التشريعية الفرنسية، حتّى إنّها باتت في الصدارة تسبق العناوين الانتخابية المحلّية. والنقطة الثانية، أنّ ميلانشون اكتشف معادلة جديدة، وهي أنّ الهجرة والقضية الفلسطينية متلازمتان، وتشكّلان رصيداً سياسياً كبيراً، وفي ضوء ذلك مُرشحّتان للتحكّم بالمرحلة المُقبلة، ومن حولهما ستدور الحياة السياسية، بين يسار مع الهجرة وضدّ العنصرية والإسلاموفوبيا ومُؤيّد لقضية فلسطين، وبين يمين مُتطرّف عنصري مُتحالف مع اليمين الإسرائيلي الاستيطاني صاحب مشروع تهجير الفلسطينيين ورفض إقامة الدولة الفلسطينية. وبغضّ النظر عن نتيجة الانتخابات، فإنّ هذا التجاذب سوف يتصاعد أكثر.
من بين مآخذ اليمين المُتطرّف على ميلانشون أنّه يعترف بدولة فلسطين، كما جاء على لسان إيريك سيوتي، مُرشّح أحد جناحَي اليمين التقليدي المُتحالف مع اليمين المُتطرّف، الذي وصف الزعيم اليساري بـ"الطاعون"، يجب تحريم الاقتراب منه بوصفه معادياً للساميّة، وبدلاً من سؤال "هل تدين حركة حماس؟" صار السؤال الدارج على لسان هؤلاء "هل تدين ميلانشون؟"، وهذا يعني أنّ الحملة ضدّه ذاهبه نحو تصعيد أكبر. والهدف المنظور هو قطع الطريق على وصول مُرشّح حزبه إلى رئاسة الوزارة في حال فوزه بالأكثرية البرلمانية، وفي مدى أبعد؛ تدمير مشروعه السياسي الخاص بفرنسا ومواقفها من الهجرة والقضايا العربية، وخاصّة قضية فلسطين، وهذا ما يُفسّر التلاقي بين اليمين الاسرائيلي واليمين المُتطرّف ضدّ الهجرة، باعتبارها تتظاهر وتشكّل رأيّاً عامّاً مع فلسطين. وهناك مخاوف فعلية من تلاقي تيارَي ميلانشون والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عند هدف قطع الطريق على حصول اليمين المُتطرّف على أكثرية نيابية تؤهّله للوصول إلى رئاسة الوزارة، وقد ظهر ذلك صراحةً من خلال التوجيهات التي صدرت عن كلّ منهما بشأن توجيه الأصوات في معسكريهما كي تصبّ ضدّ مُرشّحَي اليمين المُتطرّف في الجولة الثانية غداً، وثمّة قلق واضح من أن يتطوّر ذلك تحالفاً نيابياً من أجل أكثرية توصل أحد أعضاء حزب ميلانشون إلى رئاسة الحكومة، وهذا كابوس حقيقي لأنصار إسرائيل.