غزّة لا تحجب حرب الأسد على إدلب

غزّة لا تحجب حرب الأسد على إدلب

10 نوفمبر 2023

سوريات أمام جثامين أقارب لهن ضحايا قصف روسي في قرية غرب إدلب (24/10/2023/فرانس برس)

+ الخط -

لا تزال إسرائيل ماضية في ارتكاب أبشع المجازر في حرب الإبادة الجماعية التي تشنّها ضد الفلسطينيين في قطاع غزّة، حيث تتواصل فصولها وسط اهتمام عالمي كبير من معظم ساسة العالم والمنظمات الأممية والدولية، وانخراط أميركي وغربي في دعم إسرائيل بشكلٍ مطلق، ومحاولة تبرير جرائمها بحجّة الرد على عملية طوفان الأقصى التي قامت بها حركة حماس في السابع من الشهر الماضي (أكتوبر/ تشرين الأول)

اللافت أنه في ظل الانشغال العربي والدولي بهذه الحرب الوحشية، وخروج تظاهراتٍ شعبيةٍ حاشدة في مختلف بلدان العالم، والبلدان العربية منها، فإن نظام بشار الأسد لم يسمح بخروج أي تظاهرة تضامن مع أهل غزّة في سورية، بل وفرض على الفصائل الفلسطينية حصولها على "موافقة أمنية" مسبقة قبل تنظيم أي فعالية تضامنية، واستخدمها من أجل رفض كل الطلبات المقدّمة من جميع الجهات الفلسطينية. وعلى الرغم من تشدّقه بمقولة وحدة ساحات المقاومة، اتّبع النظام سياسة الابتعاد عن الأحداث وعدم الانخراط بما يجري، ما عدا إطلاق بعض المليشيات قذائف على إقليم الجولان المحتل، ولم تصدُر منه سوى تصريحات خجولة بعد مجزرة المستشفى المعمداني، وصف فيها الاستهداف بأنه إحدى أبشع المجازر ضد الإنسانية، متناسياً عمليات القصف الوحشية التي قامت بها قوات النظام والقوات الروسية، ودمّرت خلالها عشرات المستشفيات والمراكز الصحية في مناطق سيطرة المعارضة، خلال الحرب المستمرّة التي يشنّها على غالبية السوريين منذ 2011.

أفضى تواصل فصول الحرب الإسرائيلية على أهالي قطاع غزّة إلى التغطية على أحداث كثيرة في العالم، وخصوصا الوضع في سورية، حيث تشهد منطقة السويداء منذ عدة أشهر حراكاً شعبياً يومياً، يطالب بإسقاط النظام، وتحقيق الانتقال السياسي وفق قرار مجلس الأمن 2254، ومنطقة إدلب وجوارها في ريفي محافظتي حلب واللاذقية، التي لم يتوقّف نظام الأسد، ومعه القوات الروسية والمليشيات الإيرانية، عن استهدافها، عبر شنّ هجماتٍ شبه يوميةٍ عليها، ازدادت وتيرتها منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزّة، مستغلاً الانشغال الدولي بهذه الحرب من أجل التغطية على حربه عليها، بغرض قتل مزيد من السوريين وتشريدهم، وقضم منطقة "خفض التصعيد الرابعة"، تحقيقاً لمسعاه في فرض سيطرته على إدلب وجوارها، وخصوصا منطقة جبل الزاوية وسهل الغاب ومدينتي أريحا وجسر الشغور.

المستغرب أن تصعيد نظام الأسد لم يقابله أي تحرّك تركي، بل ساد الصمت حيال الهجمات المستمرّة منذ ما يقارب أربعة أسابيع على مناطق إدلب وما حولها

يتّبع نظام الأسد هجماتٍ ممنهجة ومتعمدة، غرضها قتل الحياة في ما تبقى من مناطق خارج سيطرته في الشمال الغربي من سورية، بغية تدمير جميع المرافق الحيوية فيها، الأمر الذي يهدّد بموجة نزوح غير مسبوقة منذ عام 2011، خصوصا أن هذه المناطق تضمّ تجمعاً كبيراً للنازحين داخلياً والمهجّرين قسرياً من مناطق سيطرة النظام السوري، الذين نزحوا إليها على إثر حملات عسكرية سابقة، شنّها على مناطق سيطرة الفصائل المعارضة، ويبلغ عدد سكانها، وفقاً لإحصاءات الأمم المتحدة، 4.5 ملايين شخص، بينهم 2.9 مليون من المهجّرين والنازحين، ونحو مليونين منهم يعيشون في المخيمات. ولذلك باتت هذه المناطق مصدراً للخوف والموت، وهي تتميز بوضع إنساني مأساوي، حيث لا مكان فيها آمناً، وتستهدف قوات النظام والقوات الروسية المراكز الصحية والمدارس، والجوامع، والأسواق، والأفران، ومراكز تابعة للدفاع المدني، وفرق الإسعاف، ومخيّمات للنازحين، ومرافق عامة. ولذلك جرى تعليق العمل في العيادات غير الإسعافية، وعُلق أيضاً الدوام المدرسي، واضطرّ مدنيون كثر إلى مغادرة المدن والبلدات وتجمّعاتها، وساروا نحو المناطق الزراعية الخالية، وبقي بعضهم في العراء.

المستغرب أن تصعيد نظام الأسد لم يقابله أي تحرّك تركي، بل ساد الصمت حيال الهجمات المستمرّة منذ ما يقارب أربعة أسابيع على مناطق إدلب وما حولها، بالرغم من وجود قوات ونقاط عسكرية تركية في الشمال السوري، ومن كون تركيا ضامناً لمناطق خفض التصعيد إلى جانب روسيا وإيران، وحتى وسائل الإعلام التركية لا تتحدّث عن ارتكابات النظام والقوات الروسية، ربما يعود الأمر إلى ما حاولت تركيا تسويقه عن أن مناطق الشمال باتت آمنة، من أجل إعادة أكثر من مليون لاجئ سوري إليها.

واظب المحتجّون في السويداء والمتظاهرون في إدلب على رفع العلم الفلسطيني، ولافتات تضامنٍ مع أهالي غزّة

إذاً، ما يحدُث في غزة من قتل وتدمير وتهجير يحدث أيضاً في الشمال السوري، وبالتالي، لا حاجة لتأكيد الترابط بين الحربين، الإسرائيلية على غزّة والأسدية على إدلب، فضلاً عن أن الروابط عميقة بين القضيتين الفلسطينية والسورية، خصوصا في ما يتعلق بأساس الممارسات والسياسات بين الاحتلال والاستبداد، الهادفة إلى القتل والتدمير، والسيطرة على الأرض وتهجير ساكنيها قسرا. وهو أمر لا يخفيه ساسة الاحتلال الإسرائيلي، إذ تحدّث وزير الطاقة يسرائيل كاتس (مثلا) عن العمل على تهجير أهالي قطاع غزّة إلى سيناء، وربط بعضهم ذلك بأن تبني لهم إسرائيل مدن لجوء مؤقتة، واستشهد باللاجئين السوريين في تركيا، التي استقبلت أعداداً كبيرة من اللاجئين السوريين. غير أن شراسة استهداف نظام الأسد إدلب ومناطق الشمال الغربي في سورية بالتزامن مع حرب الإبادة الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني، وتشابه السياسات والممارسات، تشي بأن قضايا الخلاص من الطغيان والتحرّر من الاحتلال لا تفترق بعضها عن بعض، وأن دم الضحايا واحد، وكذلك فإن حقّ الناس في الحياة والعيش بحرية وكرامة لا يمكن تجزئته.

يبدو أن نظام الأسد استفاد من الحرب على غزّة، واستغلها من أجل حجب حربه على إدلب وجوارها، والتغطية على حراك أهالي السويداء، وقد كان التضامن الذي أظهره أهالي إدلب والسويداء مع أهالي غزّة معبّراً جداً، وله أكثر من دلالة، فقد واظب المحتجّون في السويداء والمتظاهرون في إدلب على رفع العلم الفلسطيني، ولافتات تضامنٍ مع أهالي غزّة، على الرغم من انشغال ساسة الدول والحكومات بالمصائب والمجازر التي تخلفها الحرب الإسرائيلية على غزّة. لذا على المجتمع الدولي ألا يغفل عن جميع جرائم الحرب، وألا يدّخر وسعاً من أجل إيقافها، سواء في غزّة أم في إدلب.

المأمول سورياً ألا يعني الوقوف ضد الحرب الإسرائيلية على غزّة عدم تسليط الضوء على حرب نظام الأسد على إدلب، والسعي إلى وقف الحرب عليها أيضاً، وحثّ قوى المجتمع الدولي من أجل إيجاد حلّ سياسي للقضية السورية، وفق القرارات الأممية، وخصوصا قرار مجلس الأمن 2254.

5BB650EA-E08F-4F79-8739-D0B95F96F3E1
عمر كوش

كاتب وباحث سوري، من مؤلفاته "أقلمة المفاهيم: تحولات المفهوم في ارتحاله"، "الامبراطورية الجديدة: تغاير المفاهيم واختلاف الحقوق".