غابت الثورة والدولة في ذكرى فبراير الليبية
تمرّ على ليبيا في هذه الأيام الذكرى الثالثة عشرة لثورة 17 من فبراير/ شباط، وما زالت الدولة غائبة عنها، وكذلك الثورة بمفهومها الذي انطلقت من أجله، فالدولة غائبة عنها المؤسّسات الحقيقية الفاعلة فيها، التشريعية منها والتنفيذية، حيث إن السلطات التشريعية فيها لا تمثل الشعب حقيقة ولا فعلا، حقيقة بسقوط شرعيتها منذ سنوات، إن كان لها شرعيّة بحكم الواقع لا القانون، وساقطة أفعالا باعتبار أن كل ما يصدُر عنها بعيد عن آمال الليبيين وطموحاتهم في تحقيق التداول السلمي على السلطة تشريعيا وتنفيذيا، وبالتالي لا يستساغ عقلاً أن يستمر برلمانٌ كان الخلاف القانوني حول شرعيته إلى ما يقارب من العقد من دون أن ينجح ولو مرّة واحدة في إصدار قوانين تجمع ولا تفرّق، تؤسّس لدولة العدل والقانون.
أما غياب الثورة فهو واضح للجميع، فالثورة عند انطلاقها كانت لها أسبابها ومبرّراتها كما هو الحال في جلّ الأوطان العربية، من إقامة العدل، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وبناء الإنسان والعمران، بعيدا عن الاستبداد والطغيان، دولة تحكمها القوانين، وينظم عملها دستورُها، ومبادئها الحاكمة فيها، بعيدا عن عسكرتها أو حتى تسلّط القوّة الأمنية فيها على الإرادة السياسية لأبناء شعبها، ولكن هذا كله بعد مرور 13 عاما لم يتحقّق منه إلا القليل، فلا المؤسّسات وُضعت في إطارها ونطاقها الذي يجب أن تكون فيه، ولا القوى الفاعلة على الأرض استطاعت أن تجعل من أهداف الثورة التي انطلقت بها واقعاً يعيشه المواطن في البلاد.
يتطلّب العمل القفز على كل معرقل لتجديد العملية السياسية في البلاد، تشريعياً وتنفيذياً، وخصوصاً أن القاعدة الشعبية تسعى إلى ذلك بكل قوة
اليوم، وبعد هذه السنوات الطوال، يمرّ على الأزمة الليبية ثمانية مبعوثين دوليين لحل الأزمات المتتالية فيها، إلا أن الفشل هو المسار الذي يتقدّم في كل مرّة، تارّة عن حكومة موحّدة، وتارة عن قوانين انتخابية، وتارة أخرى عن اتفاق سياسي جديد يمهد لعملية سياسية جديدة تنهي المراحل الانتقالية المتعاقبة والمتتالية، إلا أن جميع هذه الاقتراحات، في الغالب، تدور في دائرة مغلقة، وتعاود الكرّة مرّة أخرى إلى ما كانت عليه، هكذا دواليك سنوات وسنوات. فمثلاً، في إحاطتها في 16 فبراير/ شباط الحالي، لم تقدّم البعثة الأممية في ليبيا لمجلس الأمن شيئا يذكر في الاتجاه نحو حلّ الأزمة من جذورها، بل ردّدت الواقع وسردته وفصّلت فيه، من دون أن تضع النقاط على الحروف بشأن المعرقل والمؤزِّم لأي تقدّم في حلّ الإشكال.
جاء في الإحاطة: "حتى الآن، لم يتّخذ أي منهم خطوة حاسمة بعيداً عن موقفه الأولي، مع استمرار كلٍّ منهم في وضع الشروط المسبقة لمشاركته في الحوار وسيلة للحفاظ على الوضع القائم، وهو ما يبدو أنه يناسبهم"، وهذه الفقرة لبّ الحل، إذ ذكرت صراحةً أن "الجميع" يحاولون المحافظة على الوضع القائم، بل وذلك مبتغاهم عندما وصفته بأنه "يناسبهم". وبالتالي، يتطلّب العمل القفز عليهم، وعلى كل معرقل لتجديد العملية السياسية في البلاد، تشريعياً وتنفيذياً، وخصوصاً أن القاعدة الشعبية تسعى إلى ذلك بكل قوة، وأن وما يحول بينها وبين اختيار من يمثلها هو هذه الأجسام التي تُحافظ على هذا الوضع منذ سنوات قدر الإمكان. وبالتالي، لا يمكن تحديد الأزمة وحصرها فيهم، وهو ما سارت عليه البعثة في مبادرتها أخيراً التي حصرت الأطراف في "الخمسة الكبار" إلا أنها تعاود، مرّة أخرى، في هذه الإحاطة وصف الوضع الحالي بأنه يناسبهم، الأمر الذي يشير صراحة إلى سقوط المبادرة بالوصف والتحديد.
وبعد مرور هذه السنوات من عمر الثورة الليبية التي لم تستطع أن تَتَقدّم بخطوات ولو معدودة وضئيلة نحو بناء الدولة المأمولة، فإن الحل يكمن في إيجاد توافق داخلي محض بالدرجة الأولى نحو إنهاء المراحل الانتقالية قدر الإمكان، والعمل على تجديد الأجسام الداخلية التي أعلنت فشلها مراراً وتكراراً. وذلك كله يجب أن يكون بمعيِّة نخبة شعبية لها القدرة على التغيير أولاً، وأن تسير البعثة الأممية على ذلك ثانياً، وإلا فإنها ترحّل الأزمة والزمن إلى سنوات أخرى لا غير.