عن تعليق الاعتراف بإسرائيل

عن تعليق الاعتراف بإسرائيل

15 فبراير 2022

(عبد عابدي)

+ الخط -

من بين 14 قراراً اتخذها المجلس المركزي الفلسطيني في دورة انعقاده أخيرا، شملت مختلف المسائل المدرجة على جدول أعماله، وأجابت عن أسئلة داخلية وتنظيمية راهنة عديدة، بما فيها سؤال انتقال مقاليد السلطة بسلاسة، وبحكم تدافع الأجيال، كان لافتاً قرار المجلس تعليق الاعتراف بإسرائيل، القائم منذ اتفاق أوسلو قبل نحو ثلاثين عاما، في خطوةٍ قد لا تكون الأهم، إلا أنها الأولى من نوعها، سيما وأنها كانت محلّ مطالباتٍ فصائلية ملحّة طوال السنوات القليلة الماضية، إلى أن أقرّها "المركزي" أخيرا، ردّاً على تحلل سلطات الاحتلال من التزاماتها المنصوص عليها في اتفاق إعلان المبادئ، وتنصّلها من استحقاقات المرحلة الانتقالية.
ولعل تعليق الاعتراف هذا، موضوع هذه المقاربة، كان القرار الوحيد النافذ بمجرّد صدوره، والناجز في حد ذاته، بلا إجراءاتٍ تنفيذيةٍ لاحقة، كونه قراراً سياسياً متاحاً من جانب واحد، بحسب اتفاقية فيينا المنظمة لقانون عقد المعاهدات وفسخها، حيث يفيد البند الأول من المادة 60 بأن "الإخلال الجوهري بالمعاهدة الثنائية من أحد أطرافها يخوّل الطرف الآخر الاحتجاج به كسبب لانقضائها أو وقف العمل بها جزئياً أو كلياً"، الأمر الذي يجعل من قرار التعليق هذا خطوةً ممهدة لقرار الإلغاء عند وجوبه تالياً. وبالتالي، يصبح التعليق أمراً واقعاً، كسحب السفراء مثلاً، من دون الحاجة لإبلاغ الأمم المتحدة أو أي مرجعيةٍ أخرى. وعليه، يُعتبر قرار تعليق الاعتراف هذا من القرارات الاستباقية المهمة للمجلس المركزي، الذي انعقد بنصاب (عددي وسياسي) كافٍ لتحصين الوضع التمثيلي أمام أي مفاجآت محتملة في المدى المنظور، بما في ذلك درء خطر الفراغ على مستوى رئاسة كل من منظمة التحرير والسلطة الوطنية وحركة فتح، كما يعتبر هذا القرار (تعليق الاعتراف) الذي لن يغيّر شيئاً ملموساً على أرض الواقع خطوة هجومية نادرة في إدارة الصراع، واستجابةً ذات مغزى سياسي فوق رمزي، في واقع مختلٍّ على كل صعيد، إن لم نقل إنها بادرة تحدٍّ بدت ممكنة، وغير مكلفة، كلفة وقف التنسيق الأمني على سبيل المثال.
غير أن السؤال المبدئي هنا: هل كانت منظمة التحرير أو السلطة الفلسطينية، معترفة حقاً بإسرائيل؟ إذا لم يكن الأمر كذلك، فما هو هذا الاعتراف الذي تم تعليقه للتو؟ بالعودة إلى المدوّنات والوثائق ذات الصلة، نجد أن المجلس الوطني المنعقد في الجزائر عام 1988 اعتمد لأول مرة، وسط الهتاف وتبادل التهاني والعناق الحارّ بين قادة الفصائل المؤسسين كافة (بمن فيهم جورج حبش)، قرار إعلان الدولة الفلسطينية. وأعلن، في الوقت ذاته، قبول قرار مجلس الامن الدولي رقم 242 الذي تنصّ الفقرة ب من البند الأول فيه على "إنهاء احتلال العام 1967، والتوصل إلى حلٍّ عن طريق التفاوض، وإنهاء جميع ادّعاءات وحالات الحرب، واحترام واعتراف بسيادة ووحدة جميع الدول في المنطقة واستقلالها السياسي، وحقها في العيش بسلامٍ ضمن حدودٍ آمنة ومعترف بها وحرّة من التهديد وأعمال العنف".
على قاعدة ذلك الاعتراف الضمني بإسرائيل، من خلال القبول بقرار مجلس الأمن آنف الذكر، جاء الاعتراف المتبادل، عبر اتفاق أوسلو، بالحقوق السياسية المشروعة للشعب الفلسطيني، وبحق إسرائيل في العيش بسلام، أي بنص مكتوبٍ على الورق، مقابل استعادة حقوق وانتزاع مكتسباتٍ ملموسةٍ على الأرض، تمثلت بانسحاباتٍ عسكريةٍ من المدن، وعودة نحو ربع مليون مواطن، ناهيك عن إقامة أول كيان فلسطيني معترف به دولياً، لديه ولاية سياسية وقضائية وأمنية وتشريعية وإقليمية على منطقتين غير متصلتين جغرافياً، بما في ذلك المجال الجوي والكهرومغناطيسي، مع سيطرة على الاقتصاد والثقافة والإعلام والاتصالات والمواصلات والتخطيط والصحة والتعليم وغيره.
ومع أن إسرائيل تجاهلت الإعلان الفلسطيني عن سحب الاعتراف بها، وبدت كأنها غير مخاطبة به، إلا أن ذلك لا يمثل حقيقة موقف دولةٍ كانت تُنكر وجود شعبٍ بكامله، ثم أخذت تعمل على انتزاع اعترافه بوجودها هي، حيث كان هذا الاعتراف أحد أهم النقاط التي تفاخرت علناً بالحصول عليه في أوسلو. وبعد ذلك سعت لاحقاً، ولا تزال تسعى، من دون نجاح، إلى انتزاع اعتراف فلسطيني بأنها دولة يهودية، وهو مطلبٌ لم تطالب بمثله في معاهدات سلام أخرى مع الدول العربية، الأمر الذي يؤكّد ليس فقط على أهمية قرار تعليق الاعتراف، وإنما أيضاً على مركزية بند الاعتراف هذا في علاقات الاحتلال مع أصحاب الأرض، ومع كيانهم السياسي القائم.