عن العرب وإيران .. كانوا يستطيعون

21 ديسمبر 2021
+ الخط -

تلتفّ إيران حول عدة دول عربية، تمكّنت منها في غفلة من الأنظمة العربية، أو حتى إن شئت بتواطؤ منهم، أو على الأقل من بعضهم. واليوم، الكل يصرخ بوجه هذا النفوذ المتعاظم الذي حوّل شعوبا عربية إلى أوراق ضغط، يستخدمها في مفاوضاته حول النووي وأشياء أخرى... نعم، يا سادة، تلك هي لعبة الأمم، وعلى من لا يجيد فهم تقاطيعها وتقاسيم أوتارها الاعتزال أو أن يجد له مهنة أخرى، غير إدارة الدول وتنظيم حياة شعوبها.
تمتلك اليوم إيران قرار أربع عواصم عربية. ليس سرّا ما باحت به دوائر القرار الإيراني التي باتت لا تستحي من أفعالٍ كهذه، بل إنها تجد فيها انتصارا لقدراتها وقدرات جيوشها قدسية التسمية، والتي لا تمت للقدس بصلة، لا من قريب ولا من بعيد، ولا تلك الأحزاب التي تتسمّى باسم الله العظيم، وهي أقرب ما تكون إلى ذلك الشيطان الذي تمرّد على الخالق العظيم، وتوعد بغواية ابن آدم وما زال.
لم يعد هناك من شك في أن لدى إيران استراتيجية واضحة في ما تحاول الوصول إليه سوى في سعيها الدائم إلى دخول النادي النووي، أو في سعيها إلى أن تكون حاضرة بقوة في الإقليم، ترسم وتخطط وتضع السيناريو تلو الآخر، بل لم يعد هناك من شك بأن إيران ما بعد 1979 ومجيء الخميني؛ لا تختلف عن التي كانت قبلها في ظل نظام الشاه، وكأنها لم تتغيّر الا بقدر خلع البزة العسكرية وارتداء العمامة. بقيت الطموحات نفسها، طموحات إيران الفارسية الإمبراطورية وأحلامها، فماذا يفعل العرب، أنظمتهم تحديدا، في مواجهة هذا الخطر الإيراني الداهم الذي نجح في تحويل الصراع العربي الفلسطيني، بقدرة قادر، إلى صراعٍ منسي وهامشي، بعد أن تحوّلت اهتمامات أنظمة العرب إلى ذاك العدو القادم من خلف الشرق، بل بات الحديث عن العدو الإسرائيلي ضربا من الترف، ونوعا من تخطي الواقع المرّ الذي تعيشه عواصم ودول عربية بسبب النفوذ الإيراني القاسي؟

هناك، اليوم وأكثر من أي وقت مضى؛ فرصة سانحة لمواجهة هذا النفوذ الإيراني، لتحجيمه على الأقل

ربما يعتقد بعضهم أن الوقت قد فات، ولم يعد في الإمكان أفضل مما كان، خصوصا بعد أن ساهمت أنظمة عربية في التغلغل والنفوذ الإيرانيين، أقله في عدم تدخلها مبكّرا لمواجهته، ناهيك طبعا عن أنها كانت ترى هذا النفوذ يكبر يوما بعد يوم من دون أن تحرّك ساكنة، معتقدة أن نيرانه لن تصل إليها.
صحيحٌ أن إيران متغلغلة، بل قل مسيطرة على أربع عواصم عربية، لكن هذا لا يمنع أن هناك، اليوم وأكثر من أي وقت مضى؛ فرصة سانحة لمواجهة هذا النفوذ الإيراني، لتحجيمه على الأقل إن لم نقل طرده، فالمشروع الإيراني الذي التهم أكبر من قدرته من عواصم العرب، يواجه فشلا ذريعا تمثل ذلك في العراق التي شهدت تظاهرات تشرين عام 2019، كانت مصوّبة نحو هذا النفوذ، وأيضا في لبنان الذي بات شعبه يئن تحت وطأة حزب الله وتبعيته المعروفة لإيران، ومغامراته سواء في سورية أو اليمن أو حتى في حرب المخدّرات التي شنها على دول الخليج العربي. وفي اليمن، أدرك اليمنيون، اليوم وأكثر من أي وقت مضى، أن مشروع الحوثي الذي ربما ناصره بعضهم في بداياته إيراني بامتياز. وهناك اليوم بوادر شعبية تؤكد أن اليمنيين لم يعودوا قادرين على تحمّل التكلفة الباهظة لهذا المشروع من خلال مليشيات أنصار الله الحوثية. وكذا الحال في سورية التي تعيش واقعا مؤلما ومأساويا أسهمت في إنتاجه إيران عبر ميلشياتها المسلحة، ودعمها نظام السفاح بشار الأسد، ولعلّ غضبة السوريين اليوم قادرة على أن تلفظ إيران ومليشياتها بعيدا، هي فقط تنتظر تلك الفرصة التي قد تتاح قريبا.

على الأنظمة العربية، إن كانت بالفعل تخشى من نفوذ إيران وتغلغلها، أن تتحرّك

إذن، نحن أمام مشروع إيراني آخذ بالأفول، مشروع يتراجع، يعاني من رفض شعبي كبير له. بالتالي، لابد أن تدرك الأنظمة العربية أن الوقت قد حان لتقف في وجهه، وتقف من منطلق قوة، لا من منطلق ضعف، فالشعوب التي تعيش تحت وطأة هذا النفوذ تنتظر من يساندها، وربما هي من المرّات النادرة التي تلتقي فيها مصلحة الشعوب العربية مع مصلحة أنظمتها.
نعم كانت لدى الأنظمة العربية ألف طريقة وطريقة، للوقوف بوجه التغلغل والنفوذ الإيرانيين. كانوا يستطيعون أن يقفوا بوجهه، غير أن النزعة الأنانية والفردانية والمصالح الضيقة، وعمى الاستراتيجيا التي أصابت أنظمة العرب منذ وقت طويل، منعها من أن تفعل ذلك.
على الأنظمة العربية، إن كانت بالفعل تخشى من نفوذ إيران وتغلغلها، أن تتحرّك. هناك اليوم ساحات عربية توجد فيها إيران مفتوحة، فيها مجال للتغلغل، فيها مجال لمزاحمة هذا النفوذ في ظل تضعضع إيراني كبير، وتراجع شعبي في مختلف المناطق التي توجد فيها أذرع طهران، فهل ستستغل الأنظمة العربية ذلك؟ هل ستصنع لنفسها نفوذا موازيا لهذا النفوذ الإيراني؟ نفوذا أكثر قدرةً على أن يكون قريبا من شعوب المنطقة واستجابة لمتطلباتها؟

96648A48-5D02-47EA-B995-281002868FD0
إياد الدليمي
كاتب وصحافي عراقي. حاصل على شهادة الماجستير في الأدب العربي الحديث. له عدة قصص قصيرة منشورة في مجلات أدبية عربية. وهو كاتب مقال أسبوعي في عدة صحف ومواقع عربية. يقول: أكتب لأنني أؤمن بالكتابة. أؤمن بأن طريق التغيير يبدأ بكلمة، وأن السعادة كلمة، وأن الحياة كلمة...