عندما يكون علم فلسطين مثيرًا للفتنة
ما هو الخطر على مصر العربية من رفع شاب مصري علم فلسطين العربية في القاهرة العربية في أثناء مباراة كرة قدم بين فريقين عربيين؟ ما الذي التقطه ضبّاط الأمنية واستشعروا فيه تهديدًا للدولة المصرية، وهم ينقضّون على الشاب رافع العلم الفلسطيني في أثناء مباراة الأهلي المصري والرجاء المغربي بالقاهرة مطلع الأسبوع الفائت؟ وما الذي جعل الدم يغلي في عروق وكيل النائب العام ودفعه إلى إصدار قراره بحبس الشاب المحبّ لفلسطين 15 يومًا على ذمة قضية تمسّ أمن الدولة؟.
يقول الخبر إنّ نيابة أمن الدولة العليا المصرية، قرّرت حبس شاب مصري لرفعه علم فلسطين 15 يوماً على ذمة القضية، ووجّهت له تهمة "الانضمام إلى جماعة إرهابية الغرض منها إثارة الفتن في داخل المجتمع المصري، والسعي إلى إسقاط نظام الحكم". أين الفتنة في رفع علم فلسطين على أرض مصر؟ وأين الخطر الذي يمكن أن يؤدّي إلى إسقاط نظام الحكم في إظهار انتماء قومي وانحياز أخلاقي وإنساني تجاه دولة هي شقيقتنا، وقضية هي قضيتنا، بحكم التاريخ والجغرافيا والهوية الحضارية والقومية؟
يسيء منطوق قرار الحبس إلى المجتمع المصري، الشقيق لفلسطين، حين يصف رفع علمها بأنه من مسبّبات الفتنة، كما لو كان المجتمع المصري منقسمًا حيال قضية فلسطين، وبالتالي فإنّ رفع العلم الفلسطيني قد يسبّب الأذى أو يثير الغضب لقطاعاتٍ من المجتمع، فليقل لنا السيد صاحب قرار النيابة العامة ما هي الفئات أو الشرائح التي يخشى عليها من الفتنة لو رأت مواطنًا مصريًا يرفع العلم الفلسطيني؟!
قرار الحبس مسيء كذلك للدولة المصرية، بتعريفها الصحيح، حين يرى احتمالية خطورة على نظام الحكم فيها من ارتفاع العلم الفلسطيني في سمائها، لكنه من الناحية الأخرى يحقّق سعادة بالغة عند عدو فلسطين، والذي هو عدو مصر، وكلّ الدول العربية، حين يجد أنّ في القاهرة من يحميه من رفع علم الدولة التي يحتلها، ويدنّس مقدّساتها ويصادر جغرافيتها وتاريخها.
في الإجمال، القرار يسيء إلى القضاء المصري نفسه، حين يظهره وكأنّ دوره معاقبة التعبير بطريقة سلمية وحضارية عن مشاعر حبّ لفلسطين، في الوقت الذي يكون مسموحًا فيه برفع أعلام الكيان الصهيوني في حفلاتٍ جماعيةٍ بمنطقة الأهرامات بالجيزة، وفي مهرجانات غنائية على أراضي سيناء، من دون أن يعدّ ذلك من أشكال إثارة الفتنة داخل المجتمع المصري أو تهديد نظام الحكم.
المؤكد أنّ أصحاب القرار يدركون جيدًا أنّ علم فلسطين لا يمكن بأي حال أن يكون مصدر تهديد للمجتمع أو للدولة. وبالتالي، لا تفسير عندي لهذه الشراسة مع هذا العلم، سوى أنه بات مكروهًا بذاته عند الحكومة المصرية، وصار يسبّب حساسيةً عند هيئاتها الأمنية والقضائية، تجعلها تسعل قرارات حبس وتعطس اتهامات بالإرهاب كلما لمحته في يد مواطن مصري، إذ ليست واقعة هذا الشاب الأولى، فقد سبقتها حالاتٌ عديدة، كان فيها علم فلسطين أو "الحطة الفلسطينية" من ضمن الأحراز التي تحتويها محاضر الشرطة، عند القبض على الناشطين المعارضين، كما جرى مع محمد عادل، أحد قيادات حركة السادس من أبريل، الذي يقبع في السجن ينزف من شبابه منذ سنوات، حيث اشتمل محضر اعتقاله على فقرةٍ تقول إنه ضبط بحوزته "كوفية فلسطينية عليها شعار حماس"، والأمر ذاته حدث مع القيادي بحركة الاشتراكيين الثوريين، هيثم محمدين، والذي لم تكن تفارق كتفيه الحطّة الفلسطينية.
مخجلٌ أن تواصل مصر الرسمية حالة الاغتراب عن مصر الحقيقية، وتبقى على خصومةٍ مع تاريخها وجغرافيتها وهويتها، مبتسمة للصهيوني وتكشّر عن أنيابها أمام كلّ من يرفع علم فلسطين.