ضجيج بلا طحن في جدل الانتخابات الرئاسية المصرية
يتزايد الجدل مجدّدا على الساحة السياسية المصرية بشأن الانتخابات الرئاسية، المقرّر فتح باب الترشح لها في نهاية العام الحالي (2023)، وهو ما انعكس أيضا على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل لافت أخيرا.
وتوالت قائمة المرشّحين المحتملين التي جاءت في أغلبها من المقرّبين للنظام، ودخل بورصة المرشّحين رئيس حزب الوفد عبد السند يمامة، ورئيس حزب الشعب الجمهوري حازم عمر، ورئيس حزب السلام الديمقراطي أحمد الفضالي، وقبلهم النائب السابق ورئيس حزب الكرامة المستقيل أحمد طنطاوي، الذي أعلن ترشّحه في حال وجود ضمانات تؤكّد نزاهة الانتخابات. وهناك آخرون من الشخصيات العامة لم يعلنوا نيتهم بعد، ولكن أسماءهم تُطرح في كل انتخابات، أبرزهم وزير الخارجية الأسبق المرشّح السابق في انتخابات 2012، عمرو موسى، وجمال مبارك نجل الرئيس الأسبق. وهناك أنباء عن مرشّح من قلب المؤسّسة العسكرية في حال تراجع عبد الفتاح السيسي عن الترشّح.
وتحظى تلك الانتخابات باهتمام كبير، وسط مطالب متزايدة من قطاع من الرأي العام بعدم ترشّح السيسي تحت شعار "مدتين كفاية"، وتؤيد هذا الاتجاه قياداتٌ في الحركة المدنية. وتسببت تلك الانتخابات في انقسامات داخل بعض الأحزاب، كما حدث في "الوفد"، برفض إعلان رئيسه عن ترشّحه لتجاهل رأي الهيئة الوفدية.
المهم أن هذا الضجيج يشبه كثيرا ما حدث من جدل في جلسات "الحوار الوطني" المعزولة عن الواقع، والتي لم تؤدِّ إلى إحداث تغيرات جوهرية على الجانبين، السياسي والاقتصادي، لسبب أساسي أن مؤسّسة الرئاسة لم تتخلّ عن قناعاتها وأسلوبها في الانفراد بالقرار. ورفض أي مساحة لمشاركة الأخرين، وتقييد الحريات العامة والخاصة، وهو ما ينطبق على مشهد الانتخابات أيضا. كما أن هذا الحديث يأتي في ظلّ فشلٍ سياسي على كل المستويات الاقتصادية والاجتماعية ورفض السياسات الحالية للنظام من قطاعات كبيرة من النخبتين، السياسية والشعبية.
لن يسمح النظام بانتخابات تنافسية، خصوصا في حال ترشّح السيسي مرّة أخرى
في ضوء ذلك، هناك عدة ملاحظات، أهمها: أولا، أن مصر لم تمرّ بانتخابات رئاسية تعدّدية إلا عام 2005 نظريا، وانتخابات 2012 التي تعدّ أبرزها تنافسية، والتي انتهت بالإعادة بين الفريق أحمد شفيق ومرشّح جماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي، وتنافس فيها 13 مرشّحا، كان من بينهم نخبة من الرموز وممثلي التيارات السياسية. ومع ذلك لم تنج تلك الانتخابات من شائعاتٍ عن تغيير النتيجة الحقيقية لها في جولتيها. وينبغي تأكيد أن ضمانات النزاهة هي أم المعارك في تلك الانتخابات، في غياب ضمانات حقيقية تؤشّر إلى إمكانية حدوث انتخابات نزيهة بسبب استمرار الوضع السياسي الحالي والتشريعات القانونية المقيّدة لحرية التعبير والإعلام وتحرّك الأحزاب لدعم مرشّحيها.
ورغم تقديم الحركة المدنية مطالب تخصّ توفير عدة ضمانات، أبرزها حرية وسائل الإعلام وإتاحة فرص متكافئة لجميع المرشّحين، وحياد مؤسّسات الدولة من كل المرشّحين طوال العملية الانتخابية، وتوفير رقابة دولية، إلا أنه لا يبدو أن هناك ارادة رسمية للسير في هذا الاتجاه. وحسب التجربتين السابقتين في 2014 و2018، لن يسمح النظام بانتخابات تنافسية، خصوصا في حال ترشّح السيسي مرّة أخرى، ورغم وجود تكهنات بسعي مختلف للنظام هذه المرّة في اخراج تلك المعركة على المستوى الشكلي، وقد يتخلّى عن نسبة النجاح المعهودة التي تتجاوز الـ 95%، لتتراوح بين الـ 60% و70%، وحصول بعض المرشّحين على ما يتبقى من أصوات، مع نجاح السيسي ليكمل حتى عام 2030.
قد يطرح مبدأ التصويت العقابي لمنافسٍ للسيسي نفسه بقوة على أجندة الناخبين في ضوء مسؤوليته عن الأوضاع الاقتصادية المتردّية والمؤثرة بقوة على معيشة ملايين المصريين
ثانيا: استمرار تبعيّة المؤسّسات التي تسهم في إدارة المشهد الانتخابي للسلطة التنفيذية، وعدم تمتّعها بالاستقلال الحقيقي لإدارة هذه المعركة، ومن أهمها الهيئة الوطنية للانتخابات، ولجنة الانتخابات الرئاسية في ظل التغيرات القانونية التي طرأت على ادارة الهيئات القضائية في السنوات الأخيرة. ويلاحظ أن قرارات اللجنة في خصوص إعلان النتيجة نهائية، ولا إمكانية للطعن فيها، بالإضافة إلى هيئات أخرى، مثل الشهر العقاري والمخوّلة بتوثيق التوكيلات المطلوبة للمرشّحين، وجهاز الشرطة والهيئات المحلية المعيّنة من السلطة التنفيذية. كما يأتي النصاب المطلوب للهيئات البرلمانية للترشّح (20 مرشّحا)، ليقصر الترشّح على تحالف الأحزاب الداعمة للسلطة، بينما لا تتمتّع أحزاب الحركة المدنية بوجود مؤثّر في مجلس النواب، باستثناء حزب الوفد، وليس أمامها سوى طريق التوكيلات الشعبية.
ثالثا: لا يتمتّع الإعلام الخاص والمستقل بأي هامش لعرض وجهات النظر الأخرى، إلا وفق رؤية النظام الحاكم وإشارته. ويمكن استغلال البنية التشريعية الحالية ليمكن بموجبها توجيه الاتهامات للمرشّحين وأنصارهم بانتهاك قانون التظاهر أو بنشر اخبار كاذبة أو بالتحريض على العنف، وهو ما حدث مع أنصار المرشّح أحمد طنطاوي وعائلته.
رابعا: مشكلة أخرى ستبرز بمرور الوقت تتعلق بموقف أحزاب الحركة المدنية في شأن خوض هذه الانتخابات، وإمكانية الدفع بمرشّح توافقي، أحمد طنطاوي أو غيره، مع الإشارة إلى إعلان بعض أعضائها الترشّح، ومنهم رئيسا حزبي الدستور والمحافظين، أكمل قرطام وجميلة إسماعيل. وهذا يعني تفتيت الأصوات وانقسامها لدى جمهور المعارضة والساخطين على أداء النظام طوال العشرية السابقة، هذا إذا افترضنا حل المعضلة الخاصة بنزاهة الانتخابات. وهذا يعيد الاعتبار لفكرة مرشّح المعارضة في مواجهة مرشّح الدولة، كما حدث في الانتخابات الرئاسية التركية أخيرا.
استمرار تبعيّة المؤسّسات التي تسهم في إدارة المشهد الانتخابي للسلطة التنفيذية، وعدم تمتّعها بالاستقلال الحقيقي
وقد يطرح مبدأ التصويت العقابي لمنافسٍ للسيسي نفسه بقوة على أجندة الناخبين في ضوء مسؤوليته عن الأوضاع الاقتصادية المتردّية والمؤثرة بقوة على معيشة ملايين المصريين. وهو ما يجب أن تستغله الحركة المدنية بقوة، وعليها الخروج من مقرّاتها الحزبية وترتيب قواعدها الشعبية للفوز بثقة الناخبين، والابتعاد قليلا عن جلسات الحوار الوطني الشكلية التي تخصم من رصيدها، كما تخصم من رصيد أجهزة الدولة.
خامسا: يطرح المشهد الانتخابي أيضا أسئلة أخرى تتعلق بمواقف الدول الكبرى، وخصوصا الولايات المتحدة ودول الخليج التي تملك تأثيرا على صانع القرار، سيما في الملف الاقتصادي، فهل سيكون لها موقف تجاه مرشّح بعينه؟ وهل يستمر تأييدها السيسي أم يتغيّر باتجاه مرشح آخر.
إذن، في النهاية، هناك معركتان متكاملتان، تتعلق الأولى بتحقيق ضماناتٍ كافية لخوض انتخابات تعدّدية تنافسية، يستطيع كل من يرغب ويملك برنامجا سياسيا لإخراج مصر من عثراتها. والثانية، بحدوث توافق بين أحزاب الحركة المدنية لخوض التنافس بمرشّح واحدٍ يستطيع نيل ثقة الناخبين، وحتى لا تتكرّر تجربة انتخابات 2012 التي تنافس فيها شركاء في ثورة يناير وانتهت لاحقا في استقطاب سياسي متبادل في 2013 وانقلاب عسكري أجهض التجربة الأكثر نزاهة في التاريخ السياسي المصري.