صورة على المعبر
انقضت سبعة أسابيع على العدوان الصهيوني على غزّة، هي كذلك كانت أسابيع ثمانية من الخذلان الرسمي العربي للشعب الفلسطيني الذي يتعرّض كل يوم لهولوكوست بالمعني الحرفي والكامل لكلمة الهولوكوست، فيما يتزايد اشتعال الغضب في صدور الشعوب العربية، من دون قدرةٍ على تحويل هذا الغضب النبيل إلى قوّة ضغط على صانع القرار الرسمي.
يواصل الاحتلال حربه الوجودية ضد الشعب الفلسطيني في غزّة، وسط بيئةٍ عربيةٍ تمنحه الاطمئنان والأمان الكاملين، وهو ينفّذ أعمال التطهير العرقي في غزّة، ملوّحًا بأن المرحلة المقبلة ستكون الضفّة الغربية، بعد أن يكمل جريمته فيما تبقى من مناطق القطاع، ولم لا وهو يشعر بأنه آمن من أي ردّة فعل عربية أو حتى محاولة للردع؟
بعد عشرة أيام كاملة من عقد مؤتمر الرياض بحضور 57 دولة عربية وإسلامية، من محوري التطبيع والممانعة، والمنزلة بين المنزلتين، تذكّر الذين توافقوا على البيان الختامي موضوع تشكيل لجنة ثمانية تطرق أبواب العالم لتشكو إسرائيل للمجتمع الدولي، معتبرين انبثاق اللجنة حدثًا عظيمًا لنصرة الشعب الفلسطيني.
في الأثناء، تتكدّس الشاحنات عند معبر رفح وعليها صور الزعماء والدول من دون أن تستطيع أن تعبر إلى داخل غزّة التي باتت بلا مستشفيات وبلا مدارس، وأيضًا بلا مقابر تستوعب العدد اليومي الهائل من جثامين الشهداء، وكأن المسألة عند المعبر هي تسجيل المواقف، أو بالأحرى اللا مواقف، والتقاط الصور التي تُستخدم من أدوات الدعاية الانتخابية والتسويق السياسي في الداخل، كما في حالة مصر، إذ تتحوّل المأساة الفلسطينية بقتامتها وفداحتها إلى مادّة إعلامية وإعلانية في ملهاة الانتخابات الرئاسية.
وكما تتكدّس الشاحنات الاستعراضية عند المعبر، تتكدّس التصريحات النارية الزاعقة على أفواه الزعماء الناشطين في تعريف الاحتلال بالاحتلال، وتعريف حرب الإبادة بأنها حربُ إبادة، والإعلان عن رفض تهجير الشعب الفلسطيني، من دون فعلٍ سياسيٍّ واحد لإيقاف الإبادة والتهجير، وهي أنشطةٌ تليق بالمتفرّجين، الذين يتابعون يوميًا التقدّم الإسرائيلي في مخطط إفراغ غزّة من الفلسطينيين بتكثيف الضربات الوحشية على كل مظاهر الحياة المدنية في مناطق القطاع، الأمر الذي يمكن تلخيصُه في كلمة الخذلان الذي يتشارك فيه. وهنا لن تجد اختلافات جوهرية بين السيسي وأردوغان وإيران، في هذا السباق العبثي على من يندّد أكثر ويشجب ويدين.
على أن بعضهم لم يكتف بالخذلان، بل تجاوزه إلى مرحلة الإعراب عن العداء الصريح لمشروع المقاومة الفلسطينية، على نحو ما فعل ولي عهد البحرين، وهو يصف ما أقدمت عليه المقاومة في 7 أكتوبر بالفعل الهمجي، وهو ما يكرّره مدير الاستخبارات السعودية السابق تركي الفيصل، في توقيتٍ صادم وخادش لأية قيمة إنسانية أو قومية، بالتزامن مع انتقال الكيان الصهيوني إلى مرحلة حرق الصغار والكبار في المدارس التي تؤوي النازحين من القصف. وفي اليوم ذاته الذي يغرّد فيه نائب رئيس الكنيست الصهيوني نيسيم فاتوري: احرقوا غزّة الآن، وليس أقلّ من ذلك بوضوح أقوى تنديد وأشدّ عبارات الإدانة.
المسألة، إذن، ليست عجزًا عربيًا، وإسلاميًا، بمواجهة جنون العدوان الصهيوني، إذ إن أحدًا لم يحاول من الأساس تجربة ما لديه من أدواتٍ وأوراق ضغط. وبالتالي، فالموقف أقرب إلى التماهي مع المنطق الإسرائيلي، ولا أقول الأميركي، بالنظر إلى أن رئيس الولايات المتحدة يبدو في هذا العدوان كأنه موظف صغير في إدارة حكومة نتنياهو، ملتزمٌ بما يقرّره جنرالات الكابينيت، ويناضل من أجل تسويقه في العواصم العربية، التي لا تزال رهينة تصوّرات واشنطن لأوضاع المنطقة.
كل المطروح أميركيًا وإسرائيليًا الآن هو غزّة منزوعة المقاومة، بلا "حماس" وفصائل فلسطينية مؤمنة بالتحرير ومتمسّكة بحقّ الكفاح ضد الاحتلال، باختصار يريدون غزّة بلا فلسطينيين حقيقيين، لتتحوّل إلى ما يشبه المقاطعة في رام الله، يوضع فيها شخصٌ بمواصفات محمود عبّاس يعتنق التنسيق الأمني، ويخلص له أكثر من اعتناقه حلم التحرير. ومن أسفٍ أن هذا الموقف يجد قبولًا عربيًا صامتًا. أو بمعنى آخر، لا يجد صوتًا عربيًا رافضًا للرغبة الإسرائيلية الأميركية، التي تلوح مبكرًا بأن القادم هو تكرار التجربة في الضفّة الغربية، فلا يتورّع الصهيوني عن إعلانها: ارحلوا إلى الأردن قبل فوات الأوان.
والوضع كذلك، يصبح قبول القوى الحزبية وممثلي المعارضة الداجنة بشحنها مع السلع والمساعدات إلى معبر رفح لالتقاط الصور، يصبح نوعًا من المشاركة في عملية نصبٍ سياسي، والإسهام في التغطية على جريمة خذلان الشعب الفلسطيني.