صورة بالألوان مع جنوب أفريقيا
ما هو وجه الدعم الذي يمكن الادّعاء أن دولًا عربية قدّمته إلى جنوب أفريقيا في الدعوى التي أقامتها ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية تتهمها فيها بارتكاب جريمة إبادة جماعية بحقّ الشعب الفلسطيني في غزّة؟
الدعوى التي تحدّد يوم أمس للنظر فيها أمام محكمة لاهاي، وقدمت فيها جنوب أفريقيا 96 صفحة من الأدلة والوثائق التي تسند اتهامها للكيان الصهيوني بتنفيذ إبادة جماعية ضد الفلسطينيين، وترافع فيها محامون عن الشقيقة الأفريقية، استعدّوا وتكبّدوا مشقّة مواجهة الابتزاز الصهيوني الأميركي طوال أسبوعين سبقا جلسة المحاكمة، فأين كان العرب التسعة الموقّعون على اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية؟
كانوا هناك مختبئين في أحراج الصمت، لم يسمع لهم أحدٌ صوتًا إلا في الساعات الأخيرة قبل نظر الدعوى، ولمّا نطقوا قال بعضهم إنهم يدعمون جنوب أفريقيا في دعواها، فيما كان المطلوب، منذ اليوم الأول لرفع الدعوى، انضمام دولة أو دول عربية للشقيقة الأفريقية في دعواها، وشتان بين الدعم من بعيد والدخول طرفًا في النزاع القضائي المنظور من المحكمة الدولية.
ولا يصحّ هنا التذرع بأنّ انضمام طرف عربي للدعوى يُضعفها، هذا هراءٌ لا يدخل عقل طفل، فالعرب لو أنهم عربٌ حقًا كان ينبغي أن يكونوا المبادرين، فيما جنوب أفريقيا هي الطرف المتضامن.
مرّة أخرى، ما هو الدعم الذي قدّمته الدول العربية؟ يجيب الأمين العام لما تسمّى جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، في ثلاث تغريدات على موقع "X" عشية بدء جلسة المحكمة، فيعلن عن اكتشاف خطير صاغه كالتالي: من الطبيعي والمنطقي أن تؤيد جامعة الدول العربية بشكل كامل الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية. ونتطلع إلى حكم عادل جريء يوقف هذه الحرب العدوانية ويضع حدّاً لنزيف الدم الفلسطيني. ثم قال أبو الغيط "أشكر جنوب أفريقيا وحكومتها على اتخاذ هذا الموقف المبدئي الذي يضع القيم الإنسانية فوق أي اعتبار، وكنّا نود أن تتمكّن الجامعة من الانضمام إلى الدعوى، لكنها كمنظمة ليست ضمن الأطراف المصرح لها بذلك".
حسناً، ماذا كانت تفعل الجامعة على مدى أسبوعين، قبل أن تحضر، فجأة، قبل نظر دعوى جنوب أفريقيا بساعات لتقول إنها تؤيدها، وكانت تتمنى أن تكون معها، لكن الظروف لم تسمح لأنها منظمّة وليست دولة؟ لماذا لم يوجّه أحمد أبو الغيط الدعوة لأعضاء المنظمة (الجامعة) للتداول في انضمام عضو أو أعضاء منها لدعوى جنوب أفريقيا، وتنسيق الجهود العربية بما يضمن نجاح الدعوى في استصدار قرار أممي يدين العدوان الصهيوني، ويُلزمه بالتوقف عن أعمال الإبادة الجماعية؟ لماذا لم يستعمل الأمين العام صلاحياته وفق النظام الأساسي للجامعة، بتوجيه نظر المجلس أو الدول الأعضاء في الجامعة إلى مسألة يقدّر الأمين العام أهميتها، فضلًا عن تمثيل الجامعة لدى المنظمّات الدولية والتحدّث باسمها؟
الأسئلة ذاتها يمكن، بل يجب، توجيهها إلى الدول العربية التي حضرت في اللقطة الأخيرة قبل افتتاح جلسة المحكمة، لتقول إنها تدعم جهود جنوب أفريقيا، من دون أن توضح لنا ماهية هذا الدعم وحدوده، وهل يتجاوز الهتافات من مقاعد الجمهور لتحيّة اللاعب الوحيد في الصراع؟ أم أنه يبقى مجرّد تمنيّات طيبة ودعوات بالتوفيق للدولة الأفريقية التي قرّرت ألا تكتفي بمشاهدة الجريمة من بعيد، فحشدت كلّ قوتها الأخلاقية والقانونية والإنسانية، ووقفت في وجه مجرمي الحرب دفاعًا عن فلسطين؟
أين كان العرب حين كانت جنوب أفريقيا تلفّ حول خصرها حزامًا من قيم الفروسية والمروءة والشهامة العربية الآتية من الزمن العربي القديم، زمن عنترة وامرئ القيس والمعتصم، وتخطو، بثباتٍ وإصرار، في الطريق إلى لاهاي، بمحاولة لاستنقاذ الشعب الفلسطيني من الفناء والإبادة؟
كانوا هناك مشغولين باستقبال أنتوني بلينكن، الصهيوني باعترافه، القادم من واشنطن حاملًا قضية محورية ومركزية، فارضًا على الحكومات العربية القتال من أجلها، قضية عنوانُها تحرير بضع عشرات من أسرى العدو الصهيوني في غزّة، التي يقتل فيها الاحتلال الصهيوني مائتي فلسطيني على الأقل كلّ يوم، من دون أن يثني ذلك أحدا عن النضال من أجل تحقيق رغبات السيد بلينكن والبيت الأبيض.
بأي وجه، وأيّ صفة، يتزاحم هؤلاء لالتقاط صورة مع جنوب أفريقيا في اللحظات الأخيرة من معركتها النبيلة ضد الصهيوني الذي يسلك وهو ممتلئ باليقين بأنّ أحدًا من الذين يزعمون أنهم أشقاء فلسطين وشقيقاتها لن يوقفه عن استباحة أرضها وشعبها؟