"صندل السيسي" و"فوسفات مبارك"
تعتمد العبوات التي طرحت في الأسواق، أخيراً، والتي تسمى نفسها "ثورية"، على مقولة واحدة، تتردد على أوسع نطاق هذه الأيام، وتذهب إلى أن الخطر الداهم الذي يحيق بمصر، الآن، هو استفاقة نظام مبارك وتأهبه للانقضاض.
تنقل هذه "الحركات" اللطيفة الموضوع من صراع جاد وجذري مع مؤسسة الانقلاب العسكري، وهي الابنة الشرعية لنظام مبارك ودولته، إلى صراع مع رجال مبارك الذين يتربصون بالبلد. ولو مددت الخط على استقامته، تستطيع أن تدرك بوضوح أن المستهدف من حركاتٍ، مثل "البداية"، هو التصدي لعودة دولة مبارك، من أجل حماية نظام عبد الفتاح السيسي، وبالتالي، ليس من قبيل التجني، أو التخوين، أن يقال إن هذه الحركات خرجت من عباءة أجهزة النظام الحالي.
ويظل ترويج التناقض المفتعل بين دولة مبارك ودولة السيسي نوعاً من الحيل السينمائية، لصناعة خطر متوهَّم يتهدّد ثورة يناير، مصدره النظام القديم، ومن ثم على الجميع الاصطفاف لمواجهته، والمعنى المباشر، هنا، هو الدفاع عن نظام السيسي، لطرد نظام مبارك.
وفي سبيل الوصول إلى هذه المعادلة، يمعن أصحاب "البداية"، ومن يقف خلفهم، في إظهار خطورة جحافل دولة مبارك الواقفة على الأبواب، إيذاناً بالهجوم والغزو والسيطرة على مصر مرة أخرى، ذلك أن الخطاب الصادر عن الحركة هو خطاب "يونيوي" حتى النخاع، يتأسس على هذا المزج الفاسد بين ثورة يناير وانقلاب يونيو الذي يرتدي زي الثورة المضادة.
بل إن وجوه "البداية" لا تتورّع عن الإفصاح صراحة عن قلقها على النظام الحالي (نظام عبد الفتاح السيسي)، من هجمة النظام القديم التي تتخذ أشكالاً إعلامية، وسياسية، مثل حملات الهجوم الضارية التي تنطلق من صحف وقنوات مملوكة لرجال أعمال ما زالوا محتفظين بولائهم وانتمائهم لنظام مبارك، وكذلك تحركات جمال مبارك وأحمد عز الخجولة على الساحة السياسية.
باختصار شديد، يريدون حشد الناس للتصدي لدولة مبارك، ليس حبّاً وتدلّهاً في ثورة يناير، بقدر ما هي رغبة في الذود عن حياض الثلاثين من يونيو التي يمثلها عبد الفتاح السيسي. وبالتالي، تخلو كل بياناتهم وتصريحاتهم من كلمة واحدة تعبّر عن موقفهم من السلطة الحالية، أو تحدد مفهومهم لما جرى منذ الثالث من يوليو/ تموز 2013، وهل كان انقلاباً أم نزهة خلوية في الحدائق المفتوحة؟
وسواء صح أن رموز زمن مبارك يتربّصون بالسلطة الحالية، أم أن الأمور تجري في سياق متّفق عليه، وتتغذى على سيناريوهات محبوكة أنتجتها ورش الدولة العميقة التي يشترك في الانتساب لها، بالتساوي، السيسي ورجاله، وجمال مبارك ورجاله، فإن المحصّلة، هنا، أن الصراع كله لا يضع في الحسبان ثورة يناير، فكلاهما يناصبها الاشمئناط والعداء، ويتمنى أن تنمحي كل آثارها من الوجود، اليوم قبل الغد.
قلت في هذا المكان، وقت مسرحية الانتخابات الرئاسية، ومحاولات النفخ في حمدين صباحي وتكبيره منافساً للسيسي، إن المعركة بين وريث مبارك بالزي العسكري "السيسي" والوريث ببنوّة الدم والاسم "جمال مبارك"، بينما حمدين صباحي غير موجود من الأساس، إلا كقطعة ديكور لاستكمال الشكل السياسي.
باختصار شديد، يمكن القول إن "البداية"، وباعتراف المتحدثين باسمها، واحدة من تجليات الثلاثين من يونيو، التي تتشبّث بالمزاوجة بينها وبين الخامس والعشرين من يناير، ولو راجعت الخطاب الصادر عن عبد الفتاح السيسي، منذ استولى على الحكم، تجد الرجل يطرح نفسه باعتباره حامياً ما يسميه تدليساً "الثورتين"، ولا ينفك يتكلّم باعتباره "كريم العنصرين" الذي يمتد نسبه إلى يناير "الثورة" ويونيو "الثورة المضادة"، ولو دققت في مضامين خطاب "البداية"، تجده يعتمد الثنائية ذاتها، معلناً أن معركته هي مع رجال زمن مبارك.
وبذلك، لا تختلف كثيراً هذه الحركة عن غيرها من حركات نشأت في أيام حكم مبارك، تعبيراً عن الصراع بين الحرس القديم "عواجيز الدولة"، والفكر الجديد (جمال مبارك ومجموعاته الشبابية)، وهو الصراع الذي يبدأ وينتهي داخل حدود المشروع الواحد، والمنهج الواحد، صراع على من يقود "نظام مبارك".
مبارك هو السيسي، هو جمال مبارك، فلا تخدعنّكم محاولات انتشال "صندل السيسي" بترويج خطورة "فوسفات مبارك".