شراكة أميركية في العدوان على الشعب الفلسطيني
بعد صمود الشعب الفلسطيني في غزة، 51 يوماً أمام آلة القتل الإسرائيلية، وفرض شروط المقاومة الفلسطينية من أجل وقف إطلاق النار، برزت أسئلة عديدة عن مستوى الشراكة الأميركية الإسرائيلية في العدوان على الشعب الفلسطيني. ولتوضيح ذلك، يمكن للمتابع أن يتلمس أن ثمة مواقف من إدارة باراك أوباما إزاء المجازر التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، تؤكد مدى الشراكة الأميركية الإسرائيلية في العدوان. فمنذ اليوم الأول للعدوان على قطاع غزة المحاصر، وحتى وقف إطلاق النار، لم تتوقف وسائل الإعلام الأميركية عن دفاعها عن الموقف الإسرائيلي الذي يعتبر قصف غزة دفاعاً عن النفس. وأبعد من ذلك، قامت وسائل الإعلام الأميركية بعملية تضليل إعلامي ممنهجة، حيث سلطت الضوء على حالة الخوف بين الإسرائيليين، بسبب ردة الفعل الفلسطينية، ولم تأتِ على ذكر الضحايا الفلسطينيين، الأطفال والشيوخ والنساء منهم مثلاً، كما أن الإدارة الأميركية لم تتوقف عن تزويد آلة البطش الإسرائيلية بالأسلحة المتطورة والقذائف القاتلة.
وأكد متابعون، استناداً إلى حقائق نشرتها وسائل إعلام إسرائيلية في أثناء العدوان على غزة أن إدارة أوباما شريكة إسرائيل في العدوان، سواء في قتل أطفال غزة، أو في عملية تدمير البنى التحتية ومدارس ومراكز "أونروا" الصحية في قطاع غزة في أثناء العدوان المستمر، حيث زودت الإدارة الأميركية الجيش الإسرائيلي بأنواع من الذخائر وقذائف الهاون. ما يعتبر بمثابة مشاركة أميركية مباشرة في قتل المدنيين في القطاع. واللافت أنه تمّ تزويد الجيش الإسرائيلي بالأسلحة والعتاد العسكري الأميركي من المستودعات العسكرية الأميركية في فلسطين المحتلة.
وفضلاً عن الدعم العسكري، ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن إدارة أوباما حولت، منذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي، ملايين الدولارات لتحصين نظام القبة الفولاذية، وتمكينه من صد صواريخ المقاومة الفلسطينية، ومنعها من الوصول إلى العمق الاستيطاني الإسرائيلي، ناهيك عن الدعم الأميركي في المستوى المالي، من أجل الإبقاء على اقتصاد إسرائيلي قوي، داعم للعدوان، واستمراره على الفلسطينيين في غزة. ولم يكن التوجه الأميركي القاضي بدعم إسرائيل على المستويات الاقتصادية والسياسية والعسكرية كافة حديث العهد، حيث أسقط الفيتو مشاريع قرارات عديدة، كانت ستدين الممارسات والسياسات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، ناهيك عن الدعم العسكري والمالي الآخذ بالتطور منذ عقود.
ومعلوم أن الشراكة الأميركية الإسرائيلية في العدوان على الشعب الفلسطيني ليست حديثة العهد، فقد تجاوبت الإدارات الأميركية المتعاقبة، منذ عام 1948، مع الاستراتيجية التي تقوم على تطوير التحالف مع إسرائيل، وترسيخه في مختلف الميادين السياسية والاقتصادية والثقافية والدبلوماسية، وتجلى ذلك بالدعم الأميركي لإسرائيل في أروقة المنظمة الدولية واستخدام الفيتو ضد أي محاولة لاستصدار قرارٍ، يدين ممارسات إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، وقد اتضح التوجه الأميركي لدعم إسرائيل في فترة الانتفاضة، وقبل ذلك، الضغط الأميركي على الأمم المتحدة لإلغاء القرار الذي يماثل العنصرية بإسرائيل، بيد أن المساعدات برزت باعتبارها الأهم في إطار الدعم الأميركي لإسرائيل، فقد حلت أزمات اقتصادية إسرائيلية عديدة، أو حدت منها على الأقل، ناهيك عن أثرها المهم في تحديث الآلة العسكرية الإسرائيلية، وتجهيزها بصنوف التكنولوجيا الأميركية المتطورة. وفي هذا السياق، قدرت قيمة المساعدات الأميركية لإسرائيل من 1948- 2014 بنحو 119 مليار دولار، منها نحو 60 % قيمة المساعدات العسكرية، 40 % قيمة المساعدات الاقتصادية، ومن المقدر أن تصل قيمة المساعدات الأميركية لإسرائيل إلى نحو 122 مليار دولار، بحلول 2015.
واللافت أنه، قبل عام 1967، كانت المساعدات الأميركية لإسرائيل تقتصر على المساعدات الاقتصادية، بيد أن توسع إسرائيل في الأراضي العربية عام1967 غيّر من أهمية إسرائيل في الاستراتيجية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، واعتبر العام المذكور منعطفاً تاريخياً بين المرحلة التي كانت تؤدي فيها إسرائيل دوراً مهما في إطار المصالح الأميركية، وبين المرحلة التي أصبحت فيها تؤدي الدور الرئيسي لتحقيق مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وتبعاً لذلك، أخذت نسبة المساعدات العسكرية بالتزايد، حيث بلغت ذروتها في سنة 1974، السنة القياسية للمساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل في الفترة التي تلت نكسة حزيران، لتعويضها خسارتها في حرب أكتوبر/ تشرين أول 1973 في الجبهتين المصرية والسورية، وقد ازدادت المساعدات الأميركية الحكومية لإسرائيل مع زيادة الاعتماد الأميركي على دورها في الشرق الأوسط، فوصلت قيمة المساعدات من 1975 -1982، إلى 17804 مليون دولار، منها 66.3% مساعدات عسكرية، وكان الدعم العسكري في 1979 قياسياً خلال تلك الفترة، فبلغ 83% من إجمالي المساعدات في السنة المذكورة، ومرد هذا الارتفاع في نسبة المساعدات العسكرية المحاولات الأميركية الحثيثة لتعويض إسرائيل عن انسحابها من شبه جزيرة سيناء المصرية، وإقامة قواعد عسكرية ومطارات إسرائيلية، فضلا عن رادارات لمراقبة المناطق العربية المحيطة بالدولة العبرية، بعد اتفاقات كامب ديفيد.
واستمرت الولايات المتحدة في دعمها المالي والعسكري لإسرائيل، فوصلت قيمة ذلك الدعم إلى 17879 مليون دولار من 1983 -1988، إذ قدمت الولايات المتحدة مساعدة اقتصادية طارئة لإسرائيل خلال العام 1985، بلغت قيمتها نحو 1500 مليون دولار، وذلك لإنقاذ الاقتصاد الإسرائيلي من أزمات التضخم التي بلغت أعلى معدلات في تاريخ الدولة العبرية. وتوالت المساعدات الأميركية لإسرائيل من 1989 -2014، وبالوتائر السابقة نفسها، على الرغم من حدوث حرب الخليج الثانية، وتغير دور إسرائيل الشرق أوسطي، من جهة، وانهيار الاتحاد السوفييتي السابق من جهة أخرى، وبلغت قيمة تلك المساعدات التراكمية خلال الفترة المذكورة نحو 78 مليار دولار، بواقع ثلاثة مليارات دولار سنوياً، منها مليار ومائتا مليون دولار مساعدات اقتصادية، ومليار وثمانمائة مليون دولار قيمة المساعدات العسكرية السنوية.
وقدمت الولايات المتحدة، في بداية عقد التسعينيات، مساعدات اقتصادية إضافية لاستيعاب المهاجرين اليهود من دول الاتحاد السوفييتي السابق إلى فلسطين المحتلة، والذين تجاوز مجموعهم في بداية عام 2014 مليوناً ومائتي ألف يهودي. وكانت أميركا قدمت مساعدات عسكرية طارئة، بحجة تعويض إسرائيل عما يسمى أضرار حرب الخليج الثانية. ولم تتوان إدارة أوباما، لحظة عن تقديم دعمها السياسي والمالي والعسكري والدبلوماسي والإعلامي لإسرائيل، ما اتضح جلياً في أثناء العدوان على قطاع غزة وأهله، وقد طال البشر والحجر، الأمر الذي أكد ويؤكد الشراكة الأميركية – الإسرائيلية في العدوان على الشعب الفلسطيني بأشكال مختلفة.