مخيم اليرموك الشاهد والشهيد
احتوى المخطط التنظيمي لمخيم اليرموك الذي أصدرته محافظة دمشق، الشهر الماضي (يونيو/ حزيران) أهدافا خطيرة، ستطاول ملكيات سكانه اللاجئين الفلسطينيين وتطيح إمكانية عودتهم إليه، فبعد كل الوعود التي قطعت لعودتهم إلى مخيمهم، بعد تهجيرهم منه، وتدمير القسم الأكبر منه، خلال عام 2012 وبعده؛ يعلن مدير الدراسات الفنية في محافظة دمشق، معمر دكاك، أخيراً أن سكان اليرموك لن يحصلوا على سكن بديل، نتيجة تنظيم المخيم وفق المرسوم التشريعي رقم 5 لعام 1982، بينما سيكون لهم أسهم تنظيمية فقط. وبرّر ذلك بعدم قدرة المحافظة على تأمين التمويل اللازم لتشييد السكن البديل. في الجانب السياسي، يمكن الجزم بأن المخطط التنظيمي الجديد سيجرد اليرموك من طابعه، وصفته مخيما للاجئين الفلسطينيين، وشاهدا على النكبة التي حلت بهم عام 1948، فضلاً عن تقسيمه إلى مناطق عقارية، تبعاً لنسبة الأضرار التي أصابت أحياءه وشوارعه وبناه التحتية. وفي ذلك تحايل على وحدة المنطقة العقارية للمخيم، كما حدّدها سابقاً المخطط التنظيمي للمخيم الذي تمت المصادقة عليه خلال عام 2004. وقد كان يقطن المخيم ثلاثمائة ألف نسمة في نهاية عام 2012، منهم 151 ألف لاجئ فلسطيني، حسب وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
واللافت أن محافظة دمشق تستغل تخوف الأهالي من خسارة أماكن سكنهم في المناطق التي طُرحت أخيرا للتنظيم، لتفتح الباب أمام الراغبين بالاعتراض على المخطط بعد دفع مبلغ ألف ليرة سورية، ثمن طلب وطوابع ورسوم إضافية، وهو ما يشكل عبئاً مالياً على العائلات الفلسطينية، في ظل التهجير المستمر والفقر المدقع الذي ضربهم. وكانت محافظة دمشق قد فتحت، قبل أشهر، باب العودة إلى المنازل الصالحة للسكن، من خلال تقديم طلبات، قدرت تكاليف كل طلب منها بحوالي ألف ليرة سورية، ووصل عدد الطلبات وقتها إلى نحو تسعة آلاف، من دون السماح بعودة أحد من الأهالي، وليخرج بعدها المخطط التنظيمي، وينسف كل الآمال بالعودة.
المخطط التنظيمي الجديد سيجرد مخيم اليرموك من طابعه، وصفته مخيما للاجئين الفلسطينيين، وشاهدا على النكبة التي حلت بهم عام 1948
وتعتبر عملية قبول محافظة دمشق طلبات الاعتراض على المخطط متناقضة مع ما أعلنته، في وقت سابق، أن الفلسطيني كان يملك ما على الأرض، ولا يملك الأرض. وبالتالي آلت هذه الأراضي مجدّداً للدولة التي لها حق التصرف فيها، ولا يحق لأصحابها أي نوع من التعويض بحكم القانون. في مقابل ذلك، يرى قانونيون أنه يُفترض في عملية استملاك حيٍّ من أحياء المخيم وغيره، في حال الضرورة لمخطط تنظيمي أو غيره، التعويض من الجهات المتخصصة. وبعد أن دمجت محافظة دمشق التنظيم المطروح بالقانون رقم 10، والمرسوم رقم 5، يمكن الاستيلاء على أملاك الغائبين المهجّرين إلى دول الجوار، وكذلك أملاك غير مثبتي ملكيتهم وفقا للأول. في مقابل ذلك، يعتبر المرسوم منفذا لمنع التعويض للمتضرّرين مالياً؛ بل تعويضهم أسهما تنظيمية بدلا من القديم المُزال، وتحتسب الأسهم التنظيمية على الأرض، وليس على البناء.
ومن الأهمية الإشارة في هذا السياق إلى أن المنطقة التي لا تخضع للتنظيم هي فقط 40% من إجمالي مساحة المخيم؛ أي سيسمح بإعادة 40% من اللاجئين الفلسطينيين فقط، في حين تقدر المساحة الخاضعة للتنظيم بـ60%. وتبعاً لذلك، سيمنع القسم الأكبر من اللاجئين من العودة إلى المخيم وفق تلك التقديرات. وحسب المخطط التنظيمي الجديد، يقسم المخيم إلى ثلاثة قطاعات، ومساحاتها بالهكتار، ما يجعل عملية الترميم مكلفةً أكثر من البناء الجديد، بالتزامن مع أن الأسهم التنظيمية التي ستعوّض الأهالي لن تتجاوز 5% من قيمة العقار الفعلية. وكان المخيم يقسم، حسب الملكية، إلى ثلاثة نماذج، هي الطابو وتشكل 6% فقط من مساحة المخيم، وهو ما يعرف بقرار المحكمة، فضلاً عن ملكية كاتب العدل وأرض مؤسسة اللاجئين، وهي أذونات السكن للهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين، مساحتها 30% من مساحة المخيم؛ حيث تعود ملكية الأرض إلى الدولة قانونيا، فضلا عن مناطق وعقارات وأراضي عقود البيع القطعية المصدّقة من دوائر المالية. ويمكن الجزم بأن الفئتين الأخيرتين، المؤسسة وعقود البيع القطعية، هما الأكثر تضرّرا من القرار التنظيمي المطروح أخيراً بشأن مخيم اليرموك، على اعتبار أنهما أضعف في الجانب القانوني.
ثمة أسئلة وإشارات استفهام تطرح بصدد المخطط التنظيمي لمخيم اليرموك، بعد قراءة مضمونه، في المقدمة منها: هل هناك أغراض سياسية بعيدة للمخطط، تستهدف مخيم اليرموك بوصفه كيانا مؤقتا للاجئين الفلسطينيين إلى حين عودتهم، والسؤال الآخر بشأن توقيت المخطط، في وقت تتعرّض فيه القضية الفلسطينية لتحدّيات هي الأخطر منذ عام 1948. فهل بات اليرموك شهيداً بعد أن كان شاهداً مادياً على النكبة الكبرى؟ سؤال برسم منظمة التحرير والفصائل الفلسطينية القابعة في دمشق، والتي تحدثت مراتٍ عن عودة اللاجئين قريبا إلى مخيمهم، اليرموك.