26 أكتوبر 2024
سورية... حروب الخاسرين
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
لا تبدو هناك نهاية وشيكة للحروب الدائرة على الأرض السورية. حروب وقودها الرئيسي من السوريين الأبرياء الذين يتساقطون كل يوم، ولا أحد يحفل بالأرقام، سواء كانوا بالعشرات أو المئات، لا فرق، يمرّ الرقم في وسائل الإعلام على نحو مضجر، حتى أنه لم يعد يحرّك رد فعل من العالم الخارجي، ويمكن الجزم بأن فئة محدودة من السوريين لا تزال معنيةً بتساقط الأبرياء، وهي تشعر بحرج ضمير تجاه ذلك، لكن لا حول لها ولا قوة.
من الصعب ألا يشعر المراقب من الخارج بالضياع، وهو يتابع المأساة السورية التي تتسّع دهاليزها كل يوم بين مفاوضاتٍ عبثيةٍ وحربٍ لا تقل عنها عبثاً، وصارت تراجيديا القتال الدائر على الأرض معبراً صادقاً عن المسار السياسي المتعثر، فمنذ اندلع القتال، لم تتغيّر موازين القوى بين الأطراف الرئيسية المتحاربة، على نحو يصبح فيها طرف قادراً على الحسم، بل إنها مثل غالبية الحروب الأهلية في التاريخ، هناك من يغذّي المتحاربين، ليظلوا على قيد القتال. لا منتصر ولا مهزوم، قتال يتواصل على الرغم من الاستنزاف والخسائر البشرية والمادية. وقد تبين، في الأسابيع الأخيرة، مدى فداحة هذا المصير، فحتى النظام الذي وقفت معه إيران، بكل ثقلها، وجهزت له الجيوش من أفغانستان والعراق ولبنان، وأرسلت له عسكرها أخيراً، لم يحقق أي إنجاز في الميدان، وظهر، في النهاية، مهلهلا على نحو بائس. وبدورها، القوى التي تقاتله باتت غير قادرة على إحداث فارق نوعي في المعادلة، وكما في مباراة ملاكمةٍ داميةٍ، استنفد الخصمان طاقتهما، وما عادا يقويان حتى على الوقوف.
وتبدو معارك العام الأخير في هذه الحرب على قدرٍ كبير من العبثية، ومثال ذلك الصارخ معركة خان طومان المشتعلة منذ أكثر من شهرين في ريف حلب، ولم تحسم حتى اليوم. حرب خسرت فيها إيران عدة جنرالات، ولم تفلح في نصر، وعلى الرغم من أن الهدف معلن من هذه الحرب، وهو الوصول إلى بلدتي نبل والزاهراء الشيعيتين اللتين تحاصرهما المعارضة منذ سنوات، إلا أن الثمن الذي تم دفعه من الأرواح البشرية بين الطرفين لا يرقى إلى الهدف المنشود. وبدوره، لا يزال التدخل العسكري الروسي وغارات الطيران الحربي على مدار الوقت منذ عدة أشهر، من دون حصيلةٍ غير حصد أرواح المدنيين، ولم يغير موازين القوى. ولذا، قرّرت روسيا أن تبني لنفسها مليشياتٍ، لكي تجرّب حظها في القتال على الأرض، غير متعظة بدروس خسارات إيران وحزب الله.
حروب تفقد كل معنى وقيمة في كل يوم، ويرافق ذلك عبث سياسي، يجري في جنيف وفيينا وموسكو ووشنطن وباريس والرياض، وعلى الرغم من أن الاجتماعات لا تتوقف، لم يصدر عنها أي صدى أو مردود. يسمع السوريون بياناتها ولا يكترثون، لأنهم يعرفون أنها مجرد كلام عابر، وأن لا حل للمسألة السورية، وربما لن يكون هناك حل أبداً. وهذا لا يعني أن الحرب سوف تستمر إلى ما لا نهاية، بل ستتوقف ذات يوم من جرّاء تعب المتحاربين، لكن ذلك لا يعني أن نهايتها هي الحل، فيمكن للوضع أن يستمرّ كما هو من دون حل، وفي الجار لبنان أكبر مثال. فلبنان، على الرغم من المظاهر، بلد يعيش بدولة عرجاء، لا رئيس جمهورية، وحكومة من دون سلطة قرار، ومع ذلك، ليس هناك قلق من أن يصل الوضع إلى أكثر مما هو عليه من رداءة.
حروب الخاسرين في سورية باتت تعني أمرين، الأول أن لا حل عسكرياً أو سياسياً في الأفق. والثاني في مواجهة الدعم العسكري الذي يحظى به النظام، هناك خزّان لا ينضب من الكراهية في الطرف الآخر.
من الصعب ألا يشعر المراقب من الخارج بالضياع، وهو يتابع المأساة السورية التي تتسّع دهاليزها كل يوم بين مفاوضاتٍ عبثيةٍ وحربٍ لا تقل عنها عبثاً، وصارت تراجيديا القتال الدائر على الأرض معبراً صادقاً عن المسار السياسي المتعثر، فمنذ اندلع القتال، لم تتغيّر موازين القوى بين الأطراف الرئيسية المتحاربة، على نحو يصبح فيها طرف قادراً على الحسم، بل إنها مثل غالبية الحروب الأهلية في التاريخ، هناك من يغذّي المتحاربين، ليظلوا على قيد القتال. لا منتصر ولا مهزوم، قتال يتواصل على الرغم من الاستنزاف والخسائر البشرية والمادية. وقد تبين، في الأسابيع الأخيرة، مدى فداحة هذا المصير، فحتى النظام الذي وقفت معه إيران، بكل ثقلها، وجهزت له الجيوش من أفغانستان والعراق ولبنان، وأرسلت له عسكرها أخيراً، لم يحقق أي إنجاز في الميدان، وظهر، في النهاية، مهلهلا على نحو بائس. وبدورها، القوى التي تقاتله باتت غير قادرة على إحداث فارق نوعي في المعادلة، وكما في مباراة ملاكمةٍ داميةٍ، استنفد الخصمان طاقتهما، وما عادا يقويان حتى على الوقوف.
وتبدو معارك العام الأخير في هذه الحرب على قدرٍ كبير من العبثية، ومثال ذلك الصارخ معركة خان طومان المشتعلة منذ أكثر من شهرين في ريف حلب، ولم تحسم حتى اليوم. حرب خسرت فيها إيران عدة جنرالات، ولم تفلح في نصر، وعلى الرغم من أن الهدف معلن من هذه الحرب، وهو الوصول إلى بلدتي نبل والزاهراء الشيعيتين اللتين تحاصرهما المعارضة منذ سنوات، إلا أن الثمن الذي تم دفعه من الأرواح البشرية بين الطرفين لا يرقى إلى الهدف المنشود. وبدوره، لا يزال التدخل العسكري الروسي وغارات الطيران الحربي على مدار الوقت منذ عدة أشهر، من دون حصيلةٍ غير حصد أرواح المدنيين، ولم يغير موازين القوى. ولذا، قرّرت روسيا أن تبني لنفسها مليشياتٍ، لكي تجرّب حظها في القتال على الأرض، غير متعظة بدروس خسارات إيران وحزب الله.
حروب تفقد كل معنى وقيمة في كل يوم، ويرافق ذلك عبث سياسي، يجري في جنيف وفيينا وموسكو ووشنطن وباريس والرياض، وعلى الرغم من أن الاجتماعات لا تتوقف، لم يصدر عنها أي صدى أو مردود. يسمع السوريون بياناتها ولا يكترثون، لأنهم يعرفون أنها مجرد كلام عابر، وأن لا حل للمسألة السورية، وربما لن يكون هناك حل أبداً. وهذا لا يعني أن الحرب سوف تستمر إلى ما لا نهاية، بل ستتوقف ذات يوم من جرّاء تعب المتحاربين، لكن ذلك لا يعني أن نهايتها هي الحل، فيمكن للوضع أن يستمرّ كما هو من دون حل، وفي الجار لبنان أكبر مثال. فلبنان، على الرغم من المظاهر، بلد يعيش بدولة عرجاء، لا رئيس جمهورية، وحكومة من دون سلطة قرار، ومع ذلك، ليس هناك قلق من أن يصل الوضع إلى أكثر مما هو عليه من رداءة.
حروب الخاسرين في سورية باتت تعني أمرين، الأول أن لا حل عسكرياً أو سياسياً في الأفق. والثاني في مواجهة الدعم العسكري الذي يحظى به النظام، هناك خزّان لا ينضب من الكراهية في الطرف الآخر.
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
بشير البكر