إنقاذ لبنان
الوضع الصعب جرّاء العدوان الإسرائيلي على لبنان غير مسبوق، ويتجاوز في أضراره الراهنة واللاحقة كلّ ما واجهه هذا البلد المُنهَك من أزمات وكوارث، على نحو يهدّد بسقوط الدولة الهشّة أمام وحشية الآلة الحربية الإسرائيلية، وما تقوم به من قصف وتدمير، من دون أن تستثني مدينةً، أو تراعي مجمّعات سكنية، وبذلك تتفاقم المأساة الناجمة عن الأعداد الكبيرة من الضحايا التي تفوق بأضعاف طاقة الكادر الطبي والبنى التحتية الصحّية، ومن نزوح قرابة مليون من بيوتهم إلى أمد غير معروف، في ظلّ ضعف الإمكانات الرسمية، وعدم قدرة المنظّمات الإنسانية المحلّية والدولية، على تلبية الاحتياجات الضرورية، كالإيواء وتوفير الطعام والماء والدواء.
لن تغيّر إسرائيل في لبنان الاستراتيجية التي عملت بها في غزّة، طالما أنّه ليس هناك موقف دولي يردعها، وعلى هذا يواجه اللبنانيون مصيرهم الصعب وحدهم، وعليهم قبل غيرهم تقع مسؤولية الحدّ من الأضرار، وقد عكست ردّات الفعل تجاه العدوان حالةً من التضامن، وتشكّلت حالة من التكاتف والوعي بالمخاطر، التي تهدّد البلد، يمكن البناء عليها من أجل الوقوف في وجه التوحش الإسرائيلي، الذي يهدف إلى تدمير لبنان، وتمزيق وحدته الوطنية لتسهيل السيطرة على البلد، وتركيعه عسكرياً وسياسياً. ويشكل ردُّ الفعل الشعبي والرسمي صمام أمان في وجه مشروع إسرائيل لاختراق لبنان، ولإشعال فتيل حرب أهلية، كما يقطع الطريق على رهانها، ومن يساند حربها لتوفير غطاء سياسي داخلي للعدوان. وهذه نقطة مهمّة جدّاً يجب التمسّك بها، مهما واجه البلد من تداعيات سلبية في الفترة المُقبلة. ويتطلّب ذلك قبل كلّ شيء إبداء أكبر قدر من المساندة والمساعدة المعنوية والمادّية للأشقاء، الذين هجّرهم العدوان، الذي لا يميّز بين الطوائف، ويتصرّف على أساس أنّ لبنان كلّه هدف واحد، ويشهد على هذا دروس الحرب على غزّة، وتقدّم حالة الدمار الواسع، والعدد الكبير من الإصابات في صفوف المدنيين، براهينَ على وحشية إسرائيل، وعدم احترامها حقوق المدنيين في ظلّ الحروب، ورفضها الامتثال للقانون الدولي، لجهة تحريم استهداف المدارس والمشافي ودور العبادة.
المسألة الملّحة اليوم أن يبتعد اللبنانيون عن الثارات، وتصفية الحسابات الداخلية المتراكمة من العهود السابقة، وهي كثيرة، وأن تبادر القوى السياسية، التي فشلت سابقاً في تجاوز خلافاتها، إلى تقديم تنازلاتٍ متبادلة من أجل مصلحة الوطن، وأن تكون مسألة تفعيل مؤسّسات الدولة محلّ إجماعٍ قبل أيّ قضية أخرى، لأنّ عودة الدولة إلى ممارسة دورها هي التي تمنع العدو من التمادي في عدوانه الذي يعمل على تسويقه حرباً ضدّ حزب الله ذراع إيران العسكري في المنطقة، وما لم ينهض جناحا الدولة، الحكومة ومجلس النواب، بمهمة الحفاظ على وحدة اللبنانيين، فإنّ البلد مُهدَّد بمصير سيئ جداً، إذ تعمل إسرائيل لتوسيع الحرب نحو مناطق أخرى لإثارة فتنة طائفية.
هناك سلسلة من التصريحات والمواقف التي صدرت عن رئيسَي الحكومة ومجلس النواب، نجيب ميقاتي ونبيه بري، وشخصيات وطنية، تدعو إلى مواجهة الظرف الدقيق والصعب بالمسارعة إلى انتخاب رئيس جمهورية، وملء هذا الموقع الشاغر منذ عامين بسبب المماحكات السياسية، وذلك في طريق استعادة ثقة المجتمع الدولي بالدولة اللبنانية، التي يتوجّب حصر المساعي كلّها فيها، من أجل وقف العدوان والتدخّلات الخارجية في الشأن الداخلي اللبناني من أيّ جهة، ولأيّ سبب، وتحت أيّ مبرر، وخاصّةً إيران التي لا يهمّها من شأن لبنان غير ما يخدم مصالحها ومشاريعها، ومن دون أن يكون هذا الموقف محلّ إجماع، فلن يتم الخروج من الوضع الراهن. وهذا يستوجب من العرب أن ينهضوا بمسؤوليتهم، وألّا يتركوا لبنان كما فعلوا في غزّة.