سورية... التوجّه عربياً أم دولياً؟

05 يناير 2025

وزيرا الخارجية السعودي (يمين) والسوري في مباحثاتهما في الرياض (2/1/205 واس)

+ الخط -

استمع إلى المقال:

ضمّت الزيارة الخارجية الأولى للسلطات الجديدة في سورية، وفداً رفيعاً يتألّف من وزيري الخارجية والدفاع ورئيس جهاز المخابرات العامّة، ويحمل بنوداً سياسيةً وأمنيةً. كانت الوجهة هي السعودية، وشهدت دمشق (قبلها) زيارتَين متتاليتَين لوزير الخارجية التركي. وبعد زيارات جسّ النبض لوفود عربية خليجية، ومكالمات هاتفية متضامنة، جاء الانطلاق إلى السعودية، بما يمثّله هذا البلد من ثقل عربي كبير، وتعكس نوعية الوفد اهتماماً استثنائياً من دمشق، وقد تكون زيارة الرياض قبل زيارة أنقرة تحديداً لبعض الأولويات الأساسية لحكومة أحمد الشرع الانتقالية، ورغبةً في ترميم العلاقات التي كانت مشوبة بالقلق، وكان الشرع قد شدّد، في مقابلة في شاشة "العربية"، على الأهمية الكبيرة للسعودية بالنسبة لسورية.
سورية في هذه المرحلة بحاجة إلى دعمٍ مالي ضخم لقضايا إعادة الإعمار، وتأمين الخدمات الأساسية، كما هي بحاجة إلى غطاء سياسي كبير، وفي السياق السياسي تأتي، في جانب من الأهمية، زيارة وزيرَة الخارجية الألمانية ونظيرها الفرنسي دمشق قبل يومين، وتعتبر الزيارة الأولى رفيعة المستوى يقوم بها وزراء من الاتحاد الأوروبي إلى سورية منذ سقوط نظام الأسد في الثامن من الشهر الماضي (ديسمبر/كانون الأول 2024)، وأشارت زيارتهما إلى "بداية جديدة" محتملة في العلاقة بين أوروبا وسورية، إذ أعرب الضيفان عن رغبتهما في انتقال سلمي وشامل في سورية، وتبدي كلّ من برلين وباريس تفاؤلاً حذراً تجاه التعامل مع القيادة السورية الجديدة، بهدف تحقيق الاستقرار وإعادة الإعمار، مع حثّهما على الاعتدال وحماية حقوق الأقلّيات، وقد أوضح الوزيران أن دعم دولتيهما مشروط بطبيعة الإجراءات التي ستتّخذها السلطات الجديدة.
لم ترفع الدول الغربية العقوبات المفروضة على سورية بعد، ولم تزل هيئة تحرير الشام في قائمة المنظّمات الإرهابية، على الرغم من رفع الولايات المتحدة المكافأة المالية لتسليم أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع). ويمكن أن تؤمّن الدول العربية طيفاً دبلوماسياً واسعاً قد يساعد سورية في العودة إلى الباحات السياسية الدولية بعضوية كاملة، بعيداً عن وجه الأسد البغيض، وقد يشكّل الحضور العربي في الساحة السورية مقابلاً إقليمياً للوجود التركي، الذي سيكون قوياً، نظراً إلى الموقف الذي اتخذته تركيا منذ بداية الثورة، وحدودها الجغرافية الطويلة مع سورية، وخبراتها الاقتصادية والفنّية، ودورها في دعم العملية العسكرية التي انطلقت من إدلب بقيادة هيئة تحرير الشام.
من الضروري أن تلعب السلطات الجديدة بقيادة الشرع دوراً في ضبط العلاقات العربية والتركية في سورية، لتكون علاقات تعاون وتكامل، بما يفيد الوضع السوري المتدهور في المجالات كافّة، وألا يتحوّل هذا الحضور إلى علاقاتِ تنافس وشدّ وجذب واستقطاب، وكانت قد سادت في سورية إبّان عهد الأسد حالةُ تنافرٍ بين الجميع، ما خلّف فوضى كثيرة، وجعل البلاد ساحةَ حرب مفتوحةٍ استغلّتها ماكينات الفساد المغذّية للنظام في تنسيق تجارة المخدّرات وتهريبها خارج البلاد.
رغم جرح السنوات الماضية، التي تقارب فيها العرب مع نظام بشّار الأسد، يبقى احتمال أن يكون التوجّه نحو هذه الدول خياراً مفيداً، ويفتح الأبواب نحو وجود دوليٍّ أكبر، ولكن هناك تحدٍّ داخليٍّ هو توحيد الفصائل المسلّحة وحصر السلاح في يد وزارة الدفاع الوليدة، وتمكينها من أخذ دور في إحلال الأمن، الذي يشكّل العامل الحاسم في الاستقرار، ويُؤمّن البنية الأساسية في عملية البناء السياسي والاقتصادي، ومن الضروري توسيع هامش المشاركة، وعدم الاقتصار على بلدان بعينه. وقد أطلق الشرع إشارات إيجابية في عدّة اتجاهات، وهناك معطيات عن ميل بعض الجهات الفاعلة الدولية إلى منح الأولوية للاستقرار والمصالح الاستراتيجية والقفز فوق الماضي، إذ تشير تصريحاتهم إلى أن الضرورات الجيوسياسية قد تؤدّي إلى قبول عملي لقيادي مثل الشرع، خاصة إذا كان بوسعه خلق نظام بديل معقول، أو العمل على تحجيم تهديدات قوى مثل "داعش"، أو النفوذ الإيراني.

فاطمة ياسين
فاطمة ياسين
كاتبة سورية، صحفية ومعدة ومنتجة برامج سياسية وثقافية