رمضان في القدس: هدوء أم انفجار؟
يسود غموض في المدينة المقدسة وفي أرجاء فلسطين بشأن ما قد يحدُث مع حلول شهر رمضان المبارك في 11 من الشهر المقبل (مارس/ آذار)، رغم التركيز الكبير، ومنذ بدء عملية طوفان الأقصى، في الشهور الأربعة الماضية بالأساس، على العدوان على قطاع غزّة، إلا أن الأنظار تتحوّل إلى بقية الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبالذات القدس الشريف مع بداية الشهر الفضيل.
من الصعب التكهن بماذا سيحدث في فلسطين في رمضان، إن لم يتم التوصل قبل ذلك إلى اتفاق وقف شامل لإطلاق النار، أو على الأقل هدنة طويلة المدى. تحاول المفاوضات المستمرّة في القاهرة، المتوقع أن يشارك فيها رئيس وكالة الاستخبارات الأميركية، وليم بيرنز، إنقاذ اتفاق الإطار الذي أشرف عليه بيرنز ومسؤولون من قطر ومصر وإسرائيل في باريس أخيراً.
وستتم هذه المفاوضات في ظل تهديدات إسرائيل بشن مجازر جديدة في مدينة رفح الحدودية، رغم الدعوات الدولية المعارضة، بما في ذلك من الحليف الأميركي في واشنطن ورسائل الطيران المصري على مسار فيلادلفيا المهدّد بإمكانية تدخل مصر في حال نتج عن الهجوم المقرّر على رفح نزوح فلسطيني إلى سيناء.
القدس وباقي الأراضي المحتلة في ترقب شديد، وفي وضع ما بين الهدوء الذي قد يجلبه اتفاق والانفجار الذي سيتم إذا لم يجر التوصل إلى أي اتفاق، واستمرت آلة القتل الإسرائيلية بشن غارات جوية واجتياح أرضي لمحافظة رفح الفلسطينية.
ومعروف أن المشاعر في رمضان، وهو شهر صوم وعبادة، ترتفع، وكذا وتيرة الغضب والاحتقان، خصوصاً في حال رفض الاحتلال وصول المصلين إلى باحات المسجد الأقصى. وكان الاحتلال قد تعامل، في الماضي، ببعض من الليونة بتوفير تسهيلات لسكان باقي مدن الضفة الغربية للسماح لهم بالوصول إلى القدس الشريف، ولكن خلافاً دائماً بقي بشأن الاعتكاف والذي يرتفع في الأيام العشرة الأخيرة من الشهر الفضيل، لا سيما في يشمل ليلة القدر.
لا الاحتلال ولا حسين الشيخ يستطيعان السيطرة على أفواج المصلين الصائمين في الشهر الفضيل
وقد أفادت أنباء صحافية بأن لقاء عالي المستوى مع عسكريين إسرائيليين وأمين سر منظمة التحرير الفلسطينية، حسين الشيخ، عقد في تل أبيب للتفاهم وتوفير أجواء هادئة خلال رمضان، ولكن لا الاحتلال ولا حسين الشيخ يستطيعان السيطرة على أفواج المصلين الصائمين في الشهر الفضيل، في حال ظلّ العدوان الإسرائيلي مستمرّاً على قطاع غزة، واعتداءات المستوطنين العنصريين والجنود المتحرّرين من أي انضباط في الأراضي المحتلة.
عندما وافقت المقاومة في غزّة على اقتراح باريس لصفقة تبادل أسرى وهدوء في غزّة وقدّمت تصوّراً مفصلاً لرؤيتها جن جنون رئيس حكومة الاحتلال، نتنياهو، وعاد إلى تكرار الأسطوانة المشروخة عن قرب الانتصار الشامل على حركة حماس، وكأن العدوان والقتل الجماعي للشعب الفلسطيني وللمقاومة سينهيان حركة متجذرّة في فلسطين، وهو ما يؤكّده حلفاء إسرائيل الأميركان وغيرهم. ولكن ما بقي غامضاً في الموقف الإسرائيلي قدرتهم على الاستمرار في احتلال وعدوان مكلف على كل الأصعدة، ويوسّع الفجوة مع الحليف الأميركي ويعمّق الأزمات الداخلية الإسرائيلية كما يزيد من الخسائر اليومية في الجنود والضباط، إضافة إلى إضعاف إمكانية استرجاع الإسرائيليين أحياء.
إضافة إلى ذلك كله، دولة الاحتلال مجبرة على أن تقدم تقريراً مفصلاً قبل 26 فبراير/ شباط الجاري، يشمل مدى تجاوبها مع أوامر محكمة العدل الدولية التي أقرت وجود ما يكفي من أدلة من احتمالية ارتكاب إسرائيل حرب إبادة ضد الشعب الفلسطيني.
يبقى الوضع في القدس بالذات كثير الحساسية مع إمكانية انفجار ضخم ستشهده الأراضي المحتلة في الضفة تضامناً مع غزّة، ورفضاً للعدوان، والاحتلال، والاستيطان. الفارق بين الهدوء والانفجار في القدس وباقي الضفة الغربية في يد المحتل، فإن لم تتم عملية التفاوض باتفاق من الطرفين فإن كل التوقعات تفيد بأن الانفجار بدلاً من الهدوء سيكون عنوان شهر رمضان.