رابعة.. المذبحة مستمرة
لم تكن مذبحة رابعة العدوية مأساة إنسانية وجريمة فاشية، بدأت فجر الرابع عشر من أغسطس/ آب 2013، وانتهت مساء اليوم نفسه.
الجريمة مستمرة، والمذبحة قائمة إلى الآن، حتى وإن انخفض منسوب الدماء، وهبطت وتيرة المقتلة، فالحاصل أن القيم المؤسسة للجريمة لا تزال، بعد أربع سنوات على يوم المجزرة، سائدة ومتحكمة في سلوكيات النظام الحاكم، وما تبقى له من جمهور. والأخطر أن الدوافع المجنونة لتكرارها لا تزال موجودة ومستعرة، وتتفاقم كلما استشعرت السلطة الحاكمة خطراً يهدّد وجودها غير الشرعي وغير الأخلاقي.
كانت مقدمات المذبحة تقوم على عمليات النهش اليومية فى سمعة معتصمى ميداني رابعة العدوية والنهضة، بطريقة أقرب إلى اعتبارهم كائنات مستباحة، فى إطار المشروع القومي لتشويه الاعتصام، وتصوير المعتصمين وكأنهم مجموعة من مصّاصى الدماء.
وفي مقابل ذلك، أو بموازاته، يتحدثون عن مخازن أسلحة ومقابر جماعية ومضاجع لنكاح الجهاد، ومزارع للبط، وميادين رماية في شقق سكنية، لا تزيد مساحتها عن مائة متر للتدريب على العمليات المسلحة، بالإضافة إلى استدعاء كل تجار الرداءة والبذاءة، لينهالوا على أولئك الثائرين بكل عبوات القبح. ومن عجبٍ أن من أهل يناير من كان يتماهى مع ذلك السلوك الإعلامي الإجرامي ضد اعتصامات رافضي الانقلاب، وكأنه اعتصام أبناء البطة السوداء، كما وصفته في ذلك الوقت.
هل اختفت استراتيجية "البطة السوداء" من فكر السلطة الحاكمة الآن؟ لم يتغير شيء، فالفاشية باقية وتتمدّد، وخطاب ما قبل الاعتداء الغاشم على "رابعة العدوية" لا يزال مسيطراً، وقد تابعناه بمضمونه ومنطوقه في مناسبات عدة، آخرها اعتصام سكان جزيرة الوراق ضد محاولة إخراجهم من بيوتهم، وهدمها فوق رؤوسهم، وهو الخطاب ذاته الذي لم يتوقف بشأن جرائم قصف أهالي سيناء وتهجيرهم واقتلاعهم من أراضيهم ومساكنهم، وأيضاً تجد مضمون الخطاب، وإن بمنطوقٍ أقل حدة، مع كل بادرة معارضة جادّة لبقاء هذا النظام في حكم مصر.
تقول أحدث نشرة لأنباء الفاشية المصرية إن ناشطاً انقلابياً من صغار"تمرّد" أطلق حملة جديدة تحت شعار "نزع حضانة أطفال الإخوان". وبحسب ما نشر عنها، تهدف الحملة إلى سحب حضانة الأطفال من أي أسرةٍ إخوانية، تتورّط في أعمال عنف وإرهاب ضد الدولة؛ بحيث يتم انتزاع الطفل من والدته، وتربيته في أحد الملاجئ، أو دور الأيتام بعيدًا عن المناخ المتطرّف الذي قد يؤثر عليه بالسلب.
وبالتوازي، يطلق نائب في برلمان سلطة الانقلاب حملة أخرى لاجتثاث "الإخوان" وأسرهم من المجتمع، من خلال تشريع جديد، يستعد مجلس النواب لصياغته، لفصل الموظفين المنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين من مناصبهم ومعاقبة ذويهم، وبنص عبارات النائب الفاشي، فالهدف هو "حتى لا يكون لهذا الكيان وجود من الأساس، وليس فقط محاكمة المتورطين منه في أعمال العنف والإرهاب، أو تلوثت أيديهم بدماء المصريين".
ولا يقتصر الأمر على نواب ونشطاء مصابين بلوثة العنصرية وفيروسات الإبادة والإقصاء، فقد سبقهم أكاديميون يزعمون أنهم دائما مع الرصين، من نوعية معتز بالله عبد الفتاح الذي أطلق منذ عدة أشهر حملةً أكثر فظاعة، عنوانها" أرسلوهم إلى الله"، وشعارها" قطاع الأمن الوطني" ويدشّنها على النحو التالي "معاقبة الإرهابي يوم القيامة دي حاجة بينه وبين ربنا، أما وظيفتنا إحنا فهي أننا نبعته إلى ربنا، هو واللي بيدعمه ويموله أو يتستر عليه".
من المفترض وسط هذا الجنون أن تتجه الأنظار إلى آليات حقوقية، تتصدّى لاستشراس السلطة، فيأتيك خبر إقرار تشريع برلماني يجعل من المجلس القومي لحقوق الإنسان مصلحةً حكومية، تماماً، تخضع لرقابة تامة في عملها من مجلس النواب، ورقابة مالية من الجهاز المركزي للمحاسبات.
ولو وضعت بجوار كل ما سبق إحكام الهيمنة السلطوية على الإعلام، عن طريق إعادة نقابة الصحافيين إلى حظيرة النظام، وإنشاء مجلس أعلى وهيئة وطنية للإعلام، لا تختلفان كثيراً عن إدارة الإعلام الأمني، التابعة لوزارة الداخلية، في سنوات حكم حسني مبارك، وإغلاق مواقع عشرات الصحف والمنظمات الحقوقية المستقلة وحجبها، وكذلك إخضاع السلطة القضائية بالكامل لرغبات الحاكم الفرد. وقبل ذلك، الإجهاز على منظمات المجتمع المدني، بشكل مبرم، فإنك تكون بصدد عملية فقأ وحشية لكل عيون المجتمع التي من الممكن أن تنهض، ولو بقدر يسير، بمهمة الدفاع عن المظلومين، وكبح جماح العنصرية التي تجتاح البلاد.
باختصار، لا يزال فكر "رابعة" يحكم ويتغوّل، ولا تزال ممارسات إبادة "رابعة" أيضاً مستمرة.