خاص بالنساء

04 فبراير 2023

(لؤي كيالي)

+ الخط -

مرّ معي في أثناء تصفحي الشبكة مقالا بالصور عن شكل بعض الأدوات الخاصة والتي لا يمكن للنساء الاستغناء عنها في أي حال، كيف كانت وما هي التطورات التي عرفتها عبر الزمن، منها الفوط الصحّية التي ربما لا يدرك الرجل أهميتها للمرأة منذ طفولتها وحتى منتصف عمرها. يوضح المقال كيف كانت سابقا قطعة من القطن مغطّاة بمادة هلامية (لم يوضح ما هي)، موضوعة ضمن قالبٍ من أسيار معدنية تحيط بمنطقة الحوض والخصر بشكلٍ محكَم، (لا يختلف شكله كثيرا عن حزام العفّة لولا أن لا مفاتيح له)، ثم يعرض ما طرأ عليه من تطوّرات حتى عصرنا الحالي، حيث تم اختراع أداة خاصة صديقة للبيئة، يسهُل على النساء استخدامها، لكنها على ما يبدو تصلح فقط لعالم الغرب، حيث لا يشكّل وجود غشاء البكارة أو عدمه أي معنى، أو للسيدات اللواتي سبق لهن الزواج أو متزوّجات ... إلخ، بسبب طريقة استخدامه الخاصة.

فكّرتُ وأنا أتابع ما يذكره المقال بكمّ الصعوبات التي ترافق حياة النساء منذ أن تتحول الفتاة من طفلة إلى امرأة يمكنها الزواج، وتستعد له لمجرّد أن حظيت بعادتها الشهرية. ويحدُث أن بعض الفتيات يبلغن ذلك وهن طفلات فعلا، لا يفقهن شيئا في شأن النساء والزواج والعلاقات الجنسية والحمل، ومع ذلك كانت تلك الطفلة تُجبر على التخلي تماما عن طفولتها، وتبدأ رحلة التحضير للزواج، بعد أن حوّلتها نقطة دم واحدة إلى امرأة ناضجة. كما لو أن الفتاة روبوتٌ مبرمج على هذا التحوّل الصادم والقاسي، والذي قلما كان ينتبه أحدٌ إلى أثره السلبي على حياة المرأة.

لا تتوقف معاناة الفتيات والنساء عند موضوع التحوّل هذا، والذي كان يتم من دون أي تحضير نفسي مسبق له، (بنات جيلي والأجيال السابقة، خصوصا في الريف من الجغرافية السورية، لم نكن نعرف شيئا عن هذا، وأصبنا بصدمةٍ وخجل من انتمائنا النسوي الذي يجعلنا نحيض، ونحن لا نعرف ما معنى عملية الحيض وما هي أهميتها، ونمنع أصلا من التحدّث علنا عنها، كما لو أنها سلوك مشين أو عادة سرّية نفعلها في الخفاء). بل تتعدّاها إلى حالة المرأة النفسية في أثناء الفترة وقبلها من مزاج متعكّر ومتبدل إلى آلام شديدة يصعب تحديد ماهيتها، إلى ردود أفعالٍ سريعة وحساسية مرتفعة، لطالما كانت وراء إنهاء علاقاتٍ متينةٍ واتخاذ قراراتٍ متسرّعة، ستدفع المرأة ثمنها لاحقا، ما لم تكن محاطة بعائلة أو شريك متفهم ومدركٍ ما يحدُث للنساء في هذه الفترة الشهرية، ومستعد نفسيا لتحمّل تقلبات شريكته. وما لم تكن المرأة تعاني بصمت من الآلام وتقلب المزاج وفرط الحساسية من دون أن يظهر ذلك على سلوكها اليومي، وهو ما فسّرته الطبيبة البرازيلية جوليا ماغالياس (أعدّت دراسة طويلة عن سلوك المرأة في أثناء فترة دورتها) بأنه السبب وراء معظم سرطانات الثدي والرحم، سيما لدى النساء اللواتي لا يملكن تاريخا عائليا بهذه الأمراض.

ولكن انقطاع الدورة والوصول إلى ما يسمّى سن اليأس لا يعني انتهاء معاناة المرأة، إذ سوف يبدأ نوع جديد من تقلّب المزاج يسبّبه التغيير الهرموني الكبير الذي يحدُث في جسد المرأة، ويترافق مع شعور كبير بالضيق والأرق وانعدام الثقة بالنفس وموجات ساخنة من القلق والتوتر والخوف والهواجس وتغيرات في شكل الجسم وترهّله، ما يزيد من سوء الحالة النفسية لدى المرأة، فتلهث وراء البحث عن الصبا المفقود، أو تهمل نفسها وشكلها، حتى تتحوّل إلى عجوز، وهي لم تتجاوز الخمسين من عمرها. وهنا أيضا تشتدّ حاجتها إلى شريك وعائلة متفهمة تساعدها في عملية التغيير الهرموني بهدوء، وهو ما جرى استبداله في العالم المتقدّم بالطب النفسي، خصوصا مع ازدياد عدد النساء الوحيدات في العالم، والناتج عن تغيير مفاهيم المجتمع والاقتصاد.

هكذا، تقضي المرأة الوقت الأطول من حياتها في معاناة طبيعة جسدها وتغيّراته وتأثير هذه التغيرات على صحتها النفسية، من دون التطرّق إلى الحمل والولادة والرضاعة والفطام، وكلها خصائص تتعلّق بجسدها فقط، وتؤثر على سلامتها النفسية هي فقط. وعليها أيضا أن تعمل أو تنتج أو تُبدع أو تتفوّق أم تتميز، وعليها أن تخضع لمعايير ظالمة بما يخصّ شكلها وتكوين جسدها الخارجي. أما الأكثر تعسّفا فهو أن عليها (في بلادنا خصوصا) احتمال ذلك كله من دون شكوى، والتعامل مع متطلّبات كل هذه المتغيرات بوصفها ترفا يمكنها ببساطة الاستغناء عنه، ومواصلة حياتها وكأن لا شيء على الإطلاق يحدُث معها.

BF005AFF-4225-4575-9176-194535668DAC
رشا عمران

شاعرة وكاتبة سورية، أصدرت 5 مجموعات شعرية ومجموعة مترجمة إلى اللغة السويدية، وأصدرت أنطولوجيا الشعر السوري من 1980 إلى عام 2008. تكتب مقالات رأي في الصحافة العربية.