حواء بين الانكسار ورفع الرأس
تمر حواء المعاصرة بحالة غير مسبوقة من دعاوى "تتنازعها" لتحاول الهيمنة عليها والتحكم بعقلها، من خلال الإلحاح بادّعاءات "لزرعها" في قلب حواء، احتياجها لحماية آدم؛ فبدونه ستفتقد السند. ومع الاعتزاز والتقدير لدور آدم في حياة حواء؛ أبًا وأخًا وزوجًا؛ فحواء ليست كائنًا ناقصًا يفتقر للرشد، ويخلو من القوة النفسية، ويفتقد الصلابة، ويخاصم حسن التصرّف في الأزمات، ولذا تحتاج السند.
المؤكد أن من يحاولون "إيهام" حواء بذلك يرتدون أثواب المحبة والرغبة بمنحها الرعاية، ويخفون "ازدراءً" كبيرا لحواء، نرفضه ونحذر كل البنات والنساء من الوقوع في هذا الفخ، ونطالبهن برفض الخداع بدعمٍ لم تطلبه ولا تحتاجه، بغية السيطرة عليها.
من "إهانة" حواء أيضا الزعم أنها مخلوق سهل التعرّض للانكسار، وأن أقل كلمة سيئة تحطمها، ويصعب عليها النجاة من توابعها المدمرة، وأي كلمة طيبة ستصعد بها إلى السماء، وتمدّها بقوة استثنائية. وهذا مرفوض وممجوج؛ فحواء الحقيقية تستمد قوتها من الداخل، وهي قوة بحد ذاتها، ولا تحتاج فتات الآخرين لتنهض بحياتها. ودوما من ينتظر دعم الخارج يرهن مصيره له، ومن تتحمّل مشقة الحمل ثم الولادة، وهي معاناة مؤلمة، لا تحتاج من "يمنحها" القوة. وهناك ملايين من المطلقات والأرامل والنساء اللائي يتحملن إعالة الأسرة لمرض الزوج أو لغيابه، ويواجهن أصعب المواقف وحدهن، ويحققن نجاحًا باهرًا في دوري الأم والأب (بلا دعم من الأسرة أو بمساعدة محدودة). ويفعلن ذلك في صمت، ولا يفكرن في إعلان مقدار الجهد الذي يبذلنه للتوازن بين أدوارهن المتعدّدة في الحياة؛ لأنهن يفعلن ذلك احترامًا لأعمارهن، واقتناعًا بأهمية وجودهن في أسرهن، وحبًا لأولادهن وحماية لهم.
حواء مطالبةٌ بتذكّر أنها قوة عظمى، وأن لا شيء في الكون يكسرها؛ لا وفاة الأب ولا تخلي الأهل أو أزمة عاطفية ولا الطلاق أو خيانة الزوج ولا مشكلات العمل
لتنتبه بعض بنات حواء إلى ضرورة فك الارتباط "المرفوض" بين الرّقة (أو الأنوثة) والضعف الذي لا يليق بحواء؛ لأنه يورثها قلة الحيلة وتراجع الثقة بالنفس وانسحاب تقدير الذات الإيجابي. ويؤثر ذلك كله بالسلب على فرصها التي "تستحقها" في صنع حياةٍ ناجحةٍ وسعيدة تليق بها. مرفوضٌ تسليع حواء، وجعلها شيئا للاستخدام أو للمتعة أو تابعة لأي آدم؛ فهي مخلوقةٌ مستقلةٌ ومميزة ورائعة، ويُشجب كل ما "يقترب" من التفكير بالتقليل من تقدير حواء أو "يزرع" ذلك داخلها. والتحذير هنا، في الوقت نفسه، لحواء من التشبه بالرجال "وإجهاض" أنوثتها نفسيًا وبالمظهر، سعيًا إلى التنافس مع آدم، وإثبات أنها لا تقل عنه أو لتحدّيه. والثابت أن من يفكّر بتحدّي أحد أو منافسته يضع نفسه أسيرًا له، ولو بعد حين؛ فالتحدّي أو التنافس يبعد حوّاء عن مشروعها الخاص، ويجعلها تندفع وراء مشروعٍ لا يخصّها؛ كمن يجري في الشارع وراء أحد فيقوده إلى وجهته ويبعده عن هدفه.
لا تحتاج حواء للانتصار على آدم وتحدّيه، "ولتتفرغ" لتنمية مواطن قوتها. ولتمنع الغيرة من آدم، أو من أي حواء، فالغيرة ضعف لا يليق بها، وتضيف لنفسها ما تراه يناسبها، وليس ما تجده عند غيرها فقط؛ فالأذكى أن تتنافس مع نفسها، ليكون كل يوم أفضل مما سبقه، وألا تسمح بالتراجع ولا تبرّره، وتسارع بتعويض نفسها عنه أولا بأول، ومنع أن يصبح عادة.
حواء مطالبةٌ بتذكّر أنها قوة عظمى، وأن لا شيء في الكون يكسرها؛ لا وفاة الأب ولا تخلي الأهل أو أزمة عاطفية ولا الطلاق أو خيانة الزوج ولا مشكلات العمل أو أي أزمات. هذه كلها تجارب مؤلمة، ونحترم الألم الإنساني الذي يعقبه بعضٌ من الضعف "المؤقت"، ونتعاطف معه ولا ننكره، ونرفض بشدّة السماح بإقامته، ونطالب بسرعة طرده، واستعادة القوة النفسية، ولو بتمثيل؛ فالضعف كالرمال المتحرّكة إن لم نسارع بالقفز خارجها ابتلعتنا.
لا تحتاجين لمعاملة خاصة في العمل. وأيضا لا تبذلي مجهودا مضاعفا لإثبات تفوقك على الرجل، واعتدلي
وإلى كل حواء: تذكّري: لست قابلة للكسر، وجروحك، أيا كان سببها، سريعة الالتئام. عجّلي بحسن علاجها وامنحي نفسك الوقت الكافي للتعافي، "وتحملي" وجع تطهير الجرح قبل إغلاقه، ولا تكوني كمن يغطّي الرائحة السيئة بالعطور؛ فستزول الرائحة الجميلة وسيصعب محو الأخرى، وتذكري المثل الرائع: "وجع ساعة ولا كل ساعة". والمثل البديع "كبرها بتكبر صغرها بتصغر"، وامنعي نفسك من المبالغة بالتألم، ولا تُكثري من الشكوى للصديقات، واحذري التعاطف "المسموم" من الجنسين الذي يبدو كالحلوى الملوثة ذات الغلاف الجذّاب والجميل؛ فمن التعاطف ما قتل، وهو الذي يزرع الحسرة والإحساس بالمرارة بقلبك وعقلك. أما التعاطف المطلوب فهو الذي يحترم وجعك، ويساعدك على "تجاوزه" بأسرع وأفضل ما يمكنك، ونحذّرك من إطالة التوقف عند ما يؤلمك، بلا خطوات لعلاجه؛ فذلك مثل توطين مرض عابر ليصبح مرضا مزمنا يصعب التعامل معه.
لا تحتاجين لمعاملة خاصة في العمل. وأيضا لا تبذلي مجهودا مضاعفا لإثبات تفوقك على الرجل، واعتدلي، ولا تحاولي تعويض طلاقك أو تأخر زواجك بالمبالغة بالتفاني بالعمل، ولا تهملي مظهرك هربا من القيل والقال. ولا تعتمدي على جمالك لتشعري بأهميتك بالحياة؛ فهو جزءٌ من مميزاتك؛ وليس أهمها وأيضا لا تسمحي له بالذبول بعد الزواج، أو لتقدّمك بالعمر، واستمتعي بجمالك وبأناقتك، ليس بالوجه والجسد فقط؛ ولكن بالتفكير وبالتصرّفات وبالكلام أيضا. افعلي ذلك لتفوزي بإشباع نفسي لطيف يرضيك، وليس من أجل إعجاب آدم، ولا لإغاظة النساء كما تفعل بعضهن أحيانا. وارفضي أكذوبة احتياجك للتقدير من زوجك وأولادك، لتواصلي دورك في الأسرة، ولا تحوّلي نفسك موظفة أو أجيرة لديهم؛ فأنت "الملكة" في أسرتك، ولك الحب والاحترام، وتنفسي القوة والاعتزاز بالنفس دوما بلا مبالغة؛ وشجّعي أفراد أسرتك على التعاون.
ولا تتعاملي مع دورك بالأسرة كعبء، فتتألمي نفسيًا، ولا تذهبي إلى حد "لعنة" نكران الذات؛ فأنت تستحقين حياة خاصة. وكل يوم يجب أن تفعلي شيئا يفيدك ويسعدك، ويضيف إليك شخصيا، بالإضافة إلى ما ينفع أسرتك ويسعدهم.
اكتبي لنفسك خبراتك من التجارب الصعبة، لتكون مرجعا لك، وأيضا لتكون كتابا لانتصاراتك بالحياة، ولتعودي إليه كلما تناقصت عزيمتك
ارفضي فكرة الذوبان فيمن تحبين، واحتفظي باستقلالك النفسي، واحبي نفسك جيدا ودلليها، ليس بشراء ما ترغبين به فقط؛ ولكن بالكلام الطيب المحفز، وبالأمانة مع النفس، وبمراجعة أسبوعية لتصرفاتك مع نفسك ومع الآخرين، ليس لتبرير الأخطاء، وكلنا نخطئ ونصيب، أو لجلد الذات، فكلاهما ضارٌّ وسارق للعمر؛ ولكن للابتهاج بالجيد ومكافأة نفسك عليه، "والفرح" باكتشاف الخطأ وبمتعة الانتباه لمنع تكراره.
اكتبي لنفسك خبراتك من التجارب الصعبة، لتكون مرجعا لك، وأيضا لتكون كتابا لانتصاراتك بالحياة، ولتعودي إليه كلما تناقصت عزيمتك، فيكون "كأقراص" المقوّيات التي تجدّد الطاقات. تذكّري تقسيم اهتماماتك بالحياة وتنويعها، واجعلي للقراءة نصيبا منها حتى لو لم تحبيها. وأحبي عقلك وابدئي بالقراءة، ولو بملخصات للكتب وستجدينها على الإنترنت؛ فلا شيء كالقراءة ينعش العقل ويوسّعه ويجدّده، واهتمي بممارسة أي نوع من الرياضة، لتحسين مزاجك وللاستفادة الصحية، واحرصي على وقتك الخاص لتجديد احتضان أحلامك.
لا تربطي سعادتك بغيرك، حتى لا تفقدي نفسك ولو بعد حين، واجعلي لنفسك خطوطا صفراء، وليست حمراء لا تتجاوزينها، للحفاظ على تألق عقلك ونمو مهاراتك وصحتك النفسية والجسدية، كما تحرصين على رشاقتك وجمالك. وارفعي رأسك وتنفسي الرضا الجميل عن النفس الذي يفخر بما فعلته، ويخطط للأفضل وللأجمل، ويذكّرك بأنه دائما هناك فرص أمامك، ليكون غدك أفضل، وأنك تستطيعين صنعه بقوة وشموخ وراحة نفسية وابتسامة مشرقة تنير عمرك قبل وجهك، وليكن شعارك: دائما بالإمكان أفضل مما هو كائن.