30 مارس 2020
حكومة عبد المهدي وشهر العسل
رافد جبوري
كاتب وصحفي عراقي، مراسل تلفزيون العربي في واشنطن، له مقالات وبحوث منشورة باللغتين العربية والانكليزية، ماجستير في التاريخ المعاصر والسياسة من جامعة لندن.
جاءت حكومة رئيس الوزراء العراقي الجديد، عادل عبد المهدي، في أعقاب أزمة سياسية واقتصادية، أدت إلى اندلاع مظاهرات صاخبة معادية للطبقة السياسية برمتها. وبعد انتخاباتٍ احتار الناس في فهم نتائجها ومآلاتها وطبيعة التحالفات التي نجمت عنها، جاء اختيار عبد المهدي رئيسا للوزراء، وهو سياسي من الطبقة السياسية نفسها، تقع عليه مهمة إصلاحٍ فشل عمره خمسة عشر عاما، كان شاهدا على كل يوم منها ومشاركا فيه. لم يكن هناك شهر عسل واضح لحكومة عبد المهدي، بل مجموعة من إشارات التفاؤل، صدرت عن شخصيات إعلامية وناشطين ارتبطوا بالحكومة الجديدة، أو عقدوا اتفاقات أولية للعمل معها، أو تلقي الدعم منها. وعلى الرغم من أن التفاؤل هو شعور ومبدأ رائع، لا تتقدم الحياة بدونه، إلا أنه كان من اللافت أن المتفائلين في العراق كانوا عموما متوترين عصبيا في مساجلاتهم مع غير المتفائلين، فالتفاؤل يرتبط عادة بالاسترخاء وهدوء الأعصاب والأمل، لكنه في حالة حكومة العراق الجديدة تحول إلى جدالٍ مر، بشأن وجود أي إمكانية في إصلاح الأوضاع من عدمه.
لا تقتصر مؤشرات التوتر في التعامل مع الحكومة في مجال السجال الإعلامي التقليدي، أو على وسائل التواصل الاجتماعي، فالواضح أن هناك عسر ولادة سياسيا أيضا، فعلى الرغم من أن عبد المهدي جاء إلى المنصب، بعد دعم واضح، كاد يكون علنيا من المرجعية الأكثر تأثيرا، وهي مرجعية السيد علي السيستاني. وعلى الرغم من أن هذا الدعم قد تعزّز باتفاق سياسي مع زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، قدمت فيه كتلة سائرون، التابعة للصدر، عادل عبد المهدي رئيسا للوزراء، ودعمته باقي الكتل السياسية، فإن هذا الدعم لم يمتد إلى تأييد كل القائمة الوزارية التي قدمها رئيس الوزراء.
لا يبدو عبد المهدي مدركا تماما وضعه مع الرأي العام، والتوقعات المبنية عليه، والمنتظرة منه، ومن حكومته، فهو يتحرّك ببطء، مكتفيا بما قدّمه في برنامجه الحكومي مضمونا لخطابه. شاهد العراقيون، وسمعوا بيانات وبرامج حكومية عديدة في الماضي، وما ينتظرونه هو الفعل. وقد راجت مقولة أن العراق بحاجة لرئيس وزراء حازم وشجاع، وهي المقولة التي صدرت عن المرجعية الشيعية التي أتت بعبد المهدي رئيسا للوزراء، وهو من حصة الشيعة في عراق ما بعد العام 2003، فعلى الرغم من أن فترة حكم رئيس الوزراء السابق، حيدر العبادي، شهدت استعادة العراق السيطرة العسكرية على كل المناطق التي احتلها تنظيم داعش، فإن عدم تحقيق العبادي لتقدّم مقنع في مجال مكافحة الفساد المستشري، أو توفير الخدمات، أو التعامل مع مشكلة الفقر، أدّى إلى انصراف كثيرين عن تأييده وفشله، في النهاية، في الحصول على ولايةٍ ثانيةٍ، على الرغم من الدعم الأميركي الكبير والمستمر الذي حظي به من أجل ذلك.
يأتي عبد المهدي، ليرث ذلك كله وأكثر، فما زال العراق، منذ سنوات، يصنف دوليا واحدا من أكثر الدول فسادا. وهذا الفساد يعرفه العراقيون جميعا، لكنهم لا يعرفون كيف سينتهي. ينتج العراق أكثر من أربعة ملايين ونصف مليون برميل يوميا، ما يجعله رابع أكبر منتج في العالم بعد أميركا وروسيا والسعودية، لكن الفساد يلتهم جزءا كبيرا من عائدات العراق وموارده، فيما أدّى سوء توزيع الثروة والحروب والنزاعات، قبل صعود تنظيم داعش وبعده، إلى أن يعيش ربع العراقيين تحت خط الفقر. حتى غير الفقراء من العراقيين مستاؤون من واقع الخدمات الأساسية التي دائما يعانون من أزماتها، وخصوصا الكهرباء.
على عكس حيدر العبادي الذي بدأ من القاع مع محافظاتٍ كاملة محتلة من "داعش" وأزمة اقتصادية أتت مع انهيار أسعار النفط العالمية، فإن عبد المهدي استلم وضعا أمنيا مستقرا نسبيا بالمعايير العراقية. وإذا كان العبادي قد تمتع بدعم كبير من أميركا وإيران في إطار المواجهة مع "داعش"، فإن على رئيس الوزراء الجديد أن يواجه مشكلته الاقتصادية وحده. يتحدث عبد المهدي عن القطاع الخاص، وضرورة أن ينشط ويوفر الوظائف، كما ينتقد الدولة الريعية التي شكلت أساس العلاقة بين أحزاب السلطة في العراق، وبين العراقيين، على أساس توفير الوظائف الحكومية، وغيرها من سبل الدعم الحكومي المباشر في مقابل التأييد السياسي.
عبد المهدي محقٌّ في أن ذلك النظام غير جيد، ويجب أن يتغير، لكن عملية التغيير والإصلاح الاقتصادي صعبة جدا، وهي أصعب من المعارك العسكرية. والجانب الدولي الذي كان حليفا داعما للعراق في المواجهة العسكرية مع تنظيم داعش سيكون عنصرا ضاغطا في أي عملية إصلاح أو إعادة هيكلة اقتصادية. ينتظر العراقيون، من ضمن ما ينتظرونه، ما سيفعله عبد المهدي مثلا بالعشرين مليار دولار من فائض الواردات المتوقع مع نهاية العام، بسبب زيادة أسعار النفط. كان شهر عسل حكومة عبد المهدي مضطربا، فليس هناك مشاعر ود وتأييد ودعم جماهيري واضحة. أقصى ما يمكن أن يتوقعه الرئيس الجديد هو فترة هدوء، حتى مطلع الصيف المقبل، حينما ترتفع درجات الحرارة، لتتجاوز الأربعين درجة مئوية، وتبدأ انقطاعات التيار الكهربائي، مؤذنة على الأرجح بأولى المواجهات مع الجمهور الغاضب.
لا تقتصر مؤشرات التوتر في التعامل مع الحكومة في مجال السجال الإعلامي التقليدي، أو على وسائل التواصل الاجتماعي، فالواضح أن هناك عسر ولادة سياسيا أيضا، فعلى الرغم من أن عبد المهدي جاء إلى المنصب، بعد دعم واضح، كاد يكون علنيا من المرجعية الأكثر تأثيرا، وهي مرجعية السيد علي السيستاني. وعلى الرغم من أن هذا الدعم قد تعزّز باتفاق سياسي مع زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، قدمت فيه كتلة سائرون، التابعة للصدر، عادل عبد المهدي رئيسا للوزراء، ودعمته باقي الكتل السياسية، فإن هذا الدعم لم يمتد إلى تأييد كل القائمة الوزارية التي قدمها رئيس الوزراء.
لا يبدو عبد المهدي مدركا تماما وضعه مع الرأي العام، والتوقعات المبنية عليه، والمنتظرة منه، ومن حكومته، فهو يتحرّك ببطء، مكتفيا بما قدّمه في برنامجه الحكومي مضمونا لخطابه. شاهد العراقيون، وسمعوا بيانات وبرامج حكومية عديدة في الماضي، وما ينتظرونه هو الفعل. وقد راجت مقولة أن العراق بحاجة لرئيس وزراء حازم وشجاع، وهي المقولة التي صدرت عن المرجعية الشيعية التي أتت بعبد المهدي رئيسا للوزراء، وهو من حصة الشيعة في عراق ما بعد العام 2003، فعلى الرغم من أن فترة حكم رئيس الوزراء السابق، حيدر العبادي، شهدت استعادة العراق السيطرة العسكرية على كل المناطق التي احتلها تنظيم داعش، فإن عدم تحقيق العبادي لتقدّم مقنع في مجال مكافحة الفساد المستشري، أو توفير الخدمات، أو التعامل مع مشكلة الفقر، أدّى إلى انصراف كثيرين عن تأييده وفشله، في النهاية، في الحصول على ولايةٍ ثانيةٍ، على الرغم من الدعم الأميركي الكبير والمستمر الذي حظي به من أجل ذلك.
يأتي عبد المهدي، ليرث ذلك كله وأكثر، فما زال العراق، منذ سنوات، يصنف دوليا واحدا من أكثر الدول فسادا. وهذا الفساد يعرفه العراقيون جميعا، لكنهم لا يعرفون كيف سينتهي. ينتج العراق أكثر من أربعة ملايين ونصف مليون برميل يوميا، ما يجعله رابع أكبر منتج في العالم بعد أميركا وروسيا والسعودية، لكن الفساد يلتهم جزءا كبيرا من عائدات العراق وموارده، فيما أدّى سوء توزيع الثروة والحروب والنزاعات، قبل صعود تنظيم داعش وبعده، إلى أن يعيش ربع العراقيين تحت خط الفقر. حتى غير الفقراء من العراقيين مستاؤون من واقع الخدمات الأساسية التي دائما يعانون من أزماتها، وخصوصا الكهرباء.
على عكس حيدر العبادي الذي بدأ من القاع مع محافظاتٍ كاملة محتلة من "داعش" وأزمة اقتصادية أتت مع انهيار أسعار النفط العالمية، فإن عبد المهدي استلم وضعا أمنيا مستقرا نسبيا بالمعايير العراقية. وإذا كان العبادي قد تمتع بدعم كبير من أميركا وإيران في إطار المواجهة مع "داعش"، فإن على رئيس الوزراء الجديد أن يواجه مشكلته الاقتصادية وحده. يتحدث عبد المهدي عن القطاع الخاص، وضرورة أن ينشط ويوفر الوظائف، كما ينتقد الدولة الريعية التي شكلت أساس العلاقة بين أحزاب السلطة في العراق، وبين العراقيين، على أساس توفير الوظائف الحكومية، وغيرها من سبل الدعم الحكومي المباشر في مقابل التأييد السياسي.
عبد المهدي محقٌّ في أن ذلك النظام غير جيد، ويجب أن يتغير، لكن عملية التغيير والإصلاح الاقتصادي صعبة جدا، وهي أصعب من المعارك العسكرية. والجانب الدولي الذي كان حليفا داعما للعراق في المواجهة العسكرية مع تنظيم داعش سيكون عنصرا ضاغطا في أي عملية إصلاح أو إعادة هيكلة اقتصادية. ينتظر العراقيون، من ضمن ما ينتظرونه، ما سيفعله عبد المهدي مثلا بالعشرين مليار دولار من فائض الواردات المتوقع مع نهاية العام، بسبب زيادة أسعار النفط. كان شهر عسل حكومة عبد المهدي مضطربا، فليس هناك مشاعر ود وتأييد ودعم جماهيري واضحة. أقصى ما يمكن أن يتوقعه الرئيس الجديد هو فترة هدوء، حتى مطلع الصيف المقبل، حينما ترتفع درجات الحرارة، لتتجاوز الأربعين درجة مئوية، وتبدأ انقطاعات التيار الكهربائي، مؤذنة على الأرجح بأولى المواجهات مع الجمهور الغاضب.
رافد جبوري
كاتب وصحفي عراقي، مراسل تلفزيون العربي في واشنطن، له مقالات وبحوث منشورة باللغتين العربية والانكليزية، ماجستير في التاريخ المعاصر والسياسة من جامعة لندن.
رافد جبوري
مقالات أخرى
20 مارس 2020
12 مارس 2020
05 مارس 2020