حق الشهيد أم راحة السائح الإسرائيلي؟
هل هي المصادفة التي تجعل أجهزة عبد الفتاح السيسي الرسمية تستبق ذهابه إلى نيويورك، بإعلان زيادة هائلة في أعداد السياح الإسرائيليين إلى سيناء، تزامناً مع جريمة الإبادة التي ينفذها النظام ضد سكان سيناء الأصليين؟
يقول الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إن إجمالي عدد السياح الإسرائيليين الذين زاروا مصر، في النصف الأول من العام الحالي 2015، بلغ نحو 85 ألف سائح، مقابل 72 ألفاً في الفترة المناظرة من العام الماضي، بزيادة قدرها نحو 13 ألف سائح. وتوضح النشرة الصادرة عن الجهاز أن شهر يوليو/تموز جاء فى المرتبة الأولى، من حيث عدد السياح الإسرائيليين الوافدين إلى مصر، حيث بلغوا 21 ألفاً، وفي المرتبة الثانية شهر يونيو/حزيران وبلغوا 15 ألفاً، وشهر مايو/أيار فى المرتبة الثالثة وبلغوا 11 ألفاً، فيما جاء شهر أبريل/نيسان في المرتبة الأخيرة، حيث زار مصر ألفا سائح فقط.
تنطق هذه الأرقام بأن تزايد أعداد السياح الإسرائيليين يتناسب طرديا مع تزايد عمليات القصف والإبادة، التي تتم فيما يسمى "عملية حق الشهيد"، وهذه مفارقة مثيرة، كون النشاط السياحي يتراجع، أو هكذا يفترض، في المناطق التي تشهد أعمال عنف وقتال، أو ما يطلق عليه إعلام السيسي"الحرب على الإرهاب".
يعرف السيسي، الذي هو السلطة التنفيذية والتشريعية والرقابية في آن واحد، من أين تؤكل الكتف، ويدرك أن الجهة الوحيدة في العالم، التي إن نال رضاها عن أدائه، كسب رضا المجتمع الدولي، هي إسرائيل.. لذا، يسلك، وفي ذهنه أنها السلطة الرقابية الوحيدة التي يخضع لها، ويقدم لها كشف الحساب.
كتبت، في مقال سابق، أن السيسي يمارس في السياسة لعبة الثلاث ورقات، فيلبس أقنعة ثلاثة، الناصري والساداتي والمباركي، على أن يستخدم القناع الناصري في مناسبة ذكرى ثورة يوليو/ تموز 1952 فقط. والآن، يتخلص عبد الفتاح السيسي تماماً من كل الأصباغ الناصرية، ويعلن، بوضوح، أنه الجنرال الصغير، الابن المخلص لعملية السلام، وفق الكتالوغ الإسرائيلي، وربيب العقيدة الأميركية الخاصة بالشرق الأوسط، على مذهب هنري كيسنجر، الذي ما كان يمكن للسيسي أن يذهب إلى نيويورك، من دون أن يزوره، ويخرج من عنده، وقد تم تعميده، خادما مطيعا للمشروع الصهيوني.
كان حسني مبارك دائماً يستخدم كلمة "العملية"، يقصد عملية السلام كما صاغتها واشنطن لتطبيع العلاقات العربية مع الكيان الصهيوني، وكان يقتات على ما يتحصل عليه من أجر، لقاء استخدامه كجسر علوي ظاهر، أو نفق في باطن الأرض، لضبط الإيقاع بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. أما عبد الفتاح السيسي فقد قرر تجاوز مساحة الدور، الذي كان يؤديه مبارك، فالجنرال الصغير خرج من عند الثعلب كيسنجر، وقد حفظ ما تلي عليه من نصوص تلمود التطبيع، كما وضعته واشنطن في زمن أنور السادات، فتوهم أنه قادر على أن يكون "سادات" صغيراً، أو حتى عبوة مقلدة منه، أو نسخة منخفضة التكلفة، رديئة الصنع منه، فراح يهرف بكلام ردده السادات أيام "كامب ديفيد"، ورد عليه ضباط من أبناء الشعب المصري في حادث المنصة الشهير.
عاش السادات، أو جعله الأميركيون والإسرائيليون يعيش، وهمَ بطل الحرب والسلام، والنبي المرسل إلى الشرق الأوسط، على الشريعة الكيسنجرية، لتحقيق السلام بين العرب والصهاينة، وها هو السيسي يرتدي جلباب السادات، ويكاد يتعلم تدخين غليونه الشهير، ويثرثر بكلام من أرشيف نهاية سبعينيات القرن الماضي، عن توسيع عملية السلام بين مصر وإسرائيل، لتشمل كل الدول العربية.
هنا أنت أمام رجل يدير دولة بعقلية مندوبات الترويج السياحي، وباعة الـ"time share" منطلقاً من تلك المعادلة القديمة، التي أبقت حسني مبارك حاكماً أكثر من ثلاثين عاماً، بمسوغ وحيد، هو إجادة وظيفة سمسار التسويات، وضابط إيقاع التطبيع، غير أن مبارك لم يكن يلعبها بهذا الابتذال المشين.
اقرأ أيضا للكاتب: هيا نصطف فوق جثة "الإخوان"