"حقّ الدفاع عن النفس" مسوّغَ إبادة
يحتار المتتبع سيرة الكفاح التحرّري الفلسطيني الصعبة والطويلة في اعتماد فصل أو منعطف بعينه، ليكون الأكثر قسوة وبشاعة والأشد إجراما وترويعا بحقهم في حرب الإبادة الصهيونية المستمرّة ضد الفلسطينيين منذ النكبة. ربما تتوارى هذه الحيرة قليلا عند التمعّن بتفاصيل الحرب الاستئصالية - الإبادية التي تشنها دولة الاحتلال على قطاع غزّة، مقترفة أبشع المجازر المريعة بحقّ المدنيين ومدمّرة مقوّمات الوجود الإنساني برمته إلى حدٍّ يصعُب معه تمييزها، درجة ونوعا، عن الفظاعات التي اقترفتها ألمانيا النازية قبل ثمانية عقود، فقد قطعت دولة الاحتلال عن الناس أبسط مقوّمات الحياة من ماء وغذاء ووقود، ومارست قتلا وحشيا ضد الأطفال والنساء وكبار السن، مستخدمةً أضخم القنابل، بما فيها المحرّمة دوليا، وبلغت تلك الوحشية المجبولة بحقد مطلق حدّ إعادة قتل الجثامين والأشلاء. هذا إضافة إلى تدمير المساكن والمدارس والمعابد والطرقات، ما تسبّب في تهجير مئات الآلاف من مناطقهم وتشريدهم وملاحقتهم جوا وبرّا وبحرا لإجبارهم على النزوح خارج قطاع غزّة. ورغم حنق البشرية واشمئزازها من بشاعة هذا القتل المريع والمرفوض في السنن الآدمية والعقائد والمواثيق، إلا أن إصرار دولة الاحتلال على المضي بهذا القتل يضيف لمفردة "الشر" وحشية إضافية، ستنتظر البشرية طويلا لترى ما هو أبشع منه. لا يقلّ هذا التقتيل المروّع ضد الفلسطينيين بشاعة عن شرور النازيّة لكن على يد ضحيتها هذه المرّة وعلى مرأى العالم وسمعه ما يجعل تلك الأفعال ترتقي إلى أن تكون إبادة جماعية.
الإبادة الجماعية مصطلح صاغه رافائيل ليمكين (يهودي بولندي)، في 1944 لوصف المذابح النازية ضد اليهود. يجمع كلمتين "geno" باليونانية وتعني العرق أو القبيلة و"cide" باللاتينية وتعني القتل. وفي 9 ديسمبر/ كانون الأول 1948 اعتمدت الأمم المتحدة اتفاقية منع الإبادة الجماعية واعتبرتها جريمة دولية تتعهد الدول الموقعة عليها بمنعها والمعاقبة عليها. بذلك، أصبحت الإبادة الجماعية جريمة معترف بها دوليا حين تُرتكب بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لمجموعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية. ويأخذ فعل التدمير أربعة صيغ يكفي توفر أحدها لوصف ما يحدث بالإبادة: قتل أفراد مجموعة بشرية؛ التسبّب في ضرر جسدي أو عقلي خطير لأعضاء تلك المجموعة؛ إخضاع المجموعة عمداً لظروف معيشية يُقصد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً؛ فرض إجراءات تهدف إلى منع الولادات داخل المجموعة؛ نقل أطفال المجموعة قسراً إلى مجموعة أخرى. بالطبع، هناك جرائم عنيفة خطيرة أخرى، لكنها لا تندرج تحت هذا التعريف المحدّد للإبادة الجماعية مثل الجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، والتطهير العرقي، والقتل الجماعي.
بلغ تواطؤ العواصم الغربية مع شرور دولة الاحتلال حد تسويغ القول إن هجوم 7 أكتوبر يبرّر لدولة الاحتلال شنّ الحرب على غزّة
لا يتعارض قول كارل فون كلاوزفيتز إن الحرب امتداد للسياسة مع مقولة إن السياسة والحرب معا هما أيضا ترجمة وامتدادٌ للأيديولوجيا، وهذا نراه في حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على غزة. فمنذ هجوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول، والذي لا يجوز فهمه أو بترُه عن سياق حرب الإبادة منذ 1948 وعن 17 عاما من الحصار القاتل على قطاع غزّة، اتخذت العواصم الغربية مواقف حادّة إزاء ذلك الهجوم مجسِّدة حميمية علاقتها العضوية ماديا ووجدانيا مع دولة الاحتلال، ومعلنة قدرا كبيرا من التعاطف والتضامن معها، بما في ذلك الدعم المطلق لما يسمّى "حقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها". فقد توافقت رؤى العواصم الاستعمارية مع الخطاب الإسرائيلي الفاشي الذي يصور الفلسطينيين إرهابيين قتلة يتشابهون مع النازيين وتنظيم داعش، وإن سحقهم ضرورة تقتضيها معركة الحقّ ضد الباطل، والخير ضد الشر، والحضارة ضد التوحّش، والأخلاق ضد الهمجية التي يقودها أبناء النور ضد أهل الظلام. وكترجمة عينية لهذا الخطاب، وما يسوّغه من مواقف، انخرطت الحكومات الغربية (بقيادة كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا) منذ اليوم الأول في تفاصيل تنفيذ حرب الإبادة على غزّة عسكريا وسياسيا وديبلوماسيا، حين تقاطر قادتها لدولة الاحتلال معبرين عن دعمهم اللامحدود "حقّ دولة الاحتلال في الدفاع عن نفسها"، ومتنكّرين تماما ليس فقط لحق الفلسطينيين في المقاومة والكفاح، وإنما أيضا لحقّهم في أن يبقوا أحياء أمام ماكينة القتل الإسرائيلية المروّعة.
وقد بلغ تواطؤ العواصم الغربية مع شرور دولة الاحتلال حد تسويغ القول إن هجوم 7 أكتوبر يبرّر لدولة الاحتلال شنّ الحرب على غزّة، تمامًا كما فعلت الولايات المتحدة في أعقاب هجوم بيرل هاربر في 7 ديسمبر/ كانون الأول 1941. (وبالتالي اندلاع الحرب العالمية الثانية)، وفي أعقاب هجمات 11 سبتمبر/ أيلول (2001)، التي دفعت واشنطن إلى إعلان حربها العالمية على الإرهاب وغزو كل من أفغانستان والعراق وقتل الملايين. بذلك جاهرت الدول الغربية بمواقفها الفاشية ضد الفلسطينيين، وتتناولهم كما لو أنهم فائض بشري لا يمتهن إلا القتل والإرهاب، وليس كشعب مُستعمَر يكابد منذ عقود لانتزاع حريته واستعادة كرامته من مستعمِرٍ مجرم أوغل في بطشهم. وقد عارض هذه المواقف المتواطئة ملايين الأحرار والشرفاء وأصحاب الضمائر من شعوب المعمورة، حيث ظهر ذلك جليا في المظاهرات العارمة في واشنطن ولندن وبرلين وباريس وسيئول وطوكيو ومدن أخرى، تطالب ليس فقط بوقف حرب الإبادة على قطاع غزّة، وإنما أيضا بالاستجابة الجادة والفورية ليس فقط لحقّ الفلسطينيين في المقاومة للدفاع عن النفس، وإنما أيضا إلى حقهم الثابت والمشروع في التحرّر والانعتاق.
الماهية المُحدّدة لأفعال دولة الاحتلال تميل الى التضليل والكذب والافْتِئَات أكثر من أي شيءٍ آخر، ما يحول دون مسوّغ إدراجها في خانة حقّ الدفاع عن النفس
بالعودة إلى مقولة "حقّ اسرائيل بالدفاع عن النفس"، هي مقولةٌ جدليةٌ في الحالة الإسرائيلية، ليس فقط لسهولة توظيفها سياسيا وأيديولوجيا، وإنما أيضا لارتباطها بمفردة "النفس" التي يصعب حصرها وتحديد معناها وحدودها وبنيتها التاريخية والمعنوية بدقّة. تعريف مفردة "النفس" على أنه "الماهية التي تُحدد أفعال الكائن الحي، وتسيطر على حركته" كما تفيدنا بعض التعريفات، يكشف الخواء الأخلاقي لمقولة "حقّ إسرائيل بالدفاع عن النفس"، لأن الماهية المُحدّدة لأفعال دولة الاحتلال تميل الى التضليل والكذب والافْتِئَات أكثر من أي شيءٍ آخر، ما يحول دون مسوّغ إدراجها في خانة حقّ الدفاع عن النفس (يعني تبرير الجرائم بحقّ الفلسطينيين)، فالماهية التي تحدد وتُجيز أفعال دولة الاحتلال، أو التي تُؤثّر بها بقوّة، يمكن إيجازها بما يلي:
أولا: انفصام الأفعال. حيث تتعارض أفعال دولة الاحتلال أخلاقيا مع ماضي الجماعة التي تمثلها (اليهود) التي كانت ضحية الجرائم الفظيعة والوحشية التي ارتكبها النازيون، فالأفعال الإجرامية الراهنة لدولة الاحتلال وما يتخللها من قتل وبطش وقسوة ضد الفلسطينيين، والإصرار على التنكّر لحقوقهم، لا تأتي فقط متضادّة مع حقيقة أن تلك الجماعة (اليهود) كانت ضحية للبطش النازي، وإنما أيضا متناقضة تماما مع التوقّعات المنطقية بأن تكون تلك الجماعة أقلّ تسامحا من سواها مع الألم والمعاناة، وأكثر ميلا إلى مقت الظلم والتصدّي له. في ظل هذا الانفصام، تتشظّى المعرفة والشعور وتتناثر الأفعال، كما تفيدنا نظرية ليون فيستنجر عن "اضطراب المعرفة"، فينوب الشر عن الخير وينطق باسمه أو يُستدرج الأخير ليلبس عباءة نقيضه. وقتئذ، يُخرِج قتل الفلسطينيين من دائرة الشر ويصير فضيلة يقتضيها إعمال الخير. ولتعميم ذاك، يُمعَن بقتل مزيد من الأشرار بمختلف فئاتهم من أطفال ونساء وشيوخ ورضّع، وصولا إلى إبادتهم كجماعة، فقتلها خير أعظم والإخفاق في ذلك هو شر الشرور.
ولِلَجم تنافر "الأنا" واستعادة جزءٍ من انسجامها (harmony)، يُصار إلى ترحيل ذلك التنافر إلى فضاء الزمن لِيُعزَل الماضي عن الحاضر تماما، ليتسنّى القول إن لا شبه بين ما تعرّضت له ضحية الفظائع النازية وما تقوم به الضحية نفسها من إبادة للفلسطينيين. وقد تجلّى هذا البتر الذرائعي بأوضح صوره في 7 أكتوبر، حين سلخت دولة الاحتلال ذلك الهجوم عما قبله من ظروفٍ تتمثل بالحصار والتجويع الذي خضع له قطاع غزّة 17 سنة، ومن مجازر وتهجير وقتل وتصفية ما زالت تتوالى فصولها على الفلسطينيين.
يتضح عنف دولة الاحتلال أيضا في أنها من أكثر الدول احتفاءً واستهلاكا وتصنيعا للأسلحة، حيث بلغت قيمة صادراتها منها 12.5 مليار دولار عام 2022
ثانيا: عنف الأفعال. ويمكن تتبّع المضامين العنيفة منذ اختلاق المقولة الإحلالية القديمة الكاذبة والمضلّلة للحركة الصهيونية، والتي صوّرت فلسطين أرضا خالية وخاوية، جيء بالصهاينة اليهود لاستيطانها، وأن ذلك حقّ حصري لهم، كما قال إسرائيل زانجويل وثيودور هرتزل. وقد تبنّت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ 1948، بدءا ببن غوريون ومرورا بغولدا مائير وبيغن وشامير وشارون وانتهاءً بنتنياهو ووزراء حكومته بن غفير وسموتريتش، صيغا متنوعة لترجمة توجّهاتها الفاشية ماديّا، منها صيغ وأفعال تنطبق عليها مفردة إبادة (خصوصا الصيغ الثلاث الأولى في التعريف المذكور)، المشار إليها سابقا. أما العنف البنيوي فيأخذ شكل اقتراف المجازر والقتل المريع منذ النكبة، كمجازر دير ياسين، وكفر قاسم، وصبرا وشاتيلا وحرب الإبادة على غزّة، فالأدلة على ذلك كثيرة، بما فيها "المقابر الجماعية" وإفادات الجنود الإسرائيليين الذين شاركوا في تلك الجرائم (كما أفاد مجرمو مذبحة الطنطورة) رغم محاولات إخفائها وإنكار حدوثها سابقا وحاليا. وإضافة إلى حروبها العدوانية ضد الجيوش العربية، وحربها الاقتلاعية المسعورة والمستمرّة على الفلسطيني وأرضه وموارده عبر مصادرة الأرض والاستيطان والإلحاق والضم والتهويد منذ 1967، لاحقت دولة الاحتلال الفلسطينيين في لبنان (1982)، واقترفت مجزرة صبرا وشاتيلا بغرض تصفيتهم ماديا وسياسيا، ونكّلت بهم بأبشع الوسائل في انتفاضتي (1987 و2000)، وكذلك حروبها الإجرامية المتتالية على غزّة منذ 2008، 2012، 2014، 2021، وقد جاء ذلك لتركيع الفلسطينيين وكسر شوكة مقاومتهم المسلحة، تمهيدا لـ"تحييدهم" والتخلص منهم جميعا. كما يتضح عنف دولة الاحتلال أيضا في أنها من أكثر الدول احتفاءً واستهلاكا وتصنيعا للأسلحة، حيث بلغت قيمة صادراتها منها 12.5 مليار دولار عام 2022.
أجازت إسرائيل لنفسها "حقّ" الرد الإجرامي المدمّر على هجمات 7 أكتوبر مقابل إنكارها حقّ الفلسطينيين في الردّ على مجازرها وفظاعاتها المريعة منذ النكبة
ثالثا: خرق المواثيق. في سياق جرائمها منذ النكبة للتهجير القسري ضد الفلسطينيين لإبادتهم، تشبّثت دولة الاحتلال بتنكّرها التام لكل المواثيق والأعراف الدولية التي أقرّت حقوق الفلسطينيين ولو بحدودها الدنيا، فضربت عرض الحائط باتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، واتفاقية حقوق الطفل لعام 1989، واتفاقية لاهاي للتسوية السلمية للمنازعات الدولية وغيرها من الاتفاقيات. كما سخِرت من القرارات الدولية المتعلقة بعدم شرعية الاستيطان وجدار الفصل العنصري، ولم تعط بالا لقرارات المنظمات الدولية الحقوقية وتقاريرها، بما فيها الصادرة عن الأمم المتحدة، والتي تدين العقوبات الجماعية، والتجويع، والعبودية، والتهجير القسري للسكّان، والتعذيب، والفصل العنصري، واستهداف الأحياء السكنية ودور العبادة ومؤسّسات الأمم المتحدة والمرافق الطبية ومهاجمة سيارات الإسعاف مباشرة وعرقلة أطقمها وقتلهم. وفي حرب الإبادة الحالية، صار الناس لا يموتون فقط بسبب القنابل والصواريخ، بل أيضا بسبب الأوبئة والجوع والعطش ونقص الدواء وانعدام القدرة على معالجة الجرحى وتوفير الحواضن للأطفال الخدّج وتأمين الوقود لتشغيل المستشفيات وسيارات الإسعاف. كما تمضي دولة الاحتلال بالتنكيل بالقصّر والنساء والأطفال والمرضى، وتُمعِنُ في تعذيب الأسرى الفلسطينيين بأبشع الطرق وتحرمهم حتى من أدنى حقوقهم الإنسانية، فتُعَرِّضُهم للإيذاء النفسي والجسدي بشتّى الوسائل، بما في ذلك مهاجمتهم وتجويعهم ومنعهم من النوم لفترات طويلة ومنع ذويهم من زيارتهم، وغير ذلك من صيغ التنكيل. وخلاصة القول إن إسرائيل، وفي ظل تواطؤ العواصم الغربية المهمة، خصوصا واشنطن ولندن (صاحبتيْ حق النقض في مجلس الأمن)، تجد دولة الاحتلال نفسها ماضية في اقتراف الجرائم والانتهاكات الجسيمة للمواثيق الدولية والأخلاقية من دون خوف أو رادع من أحد، ما يعني مكافأتها على إبادة الفلسطينيين.
الحقّ بالنسبة للمستعمِر يُجيز امتلاك كل صنوف القوة والجبروت واستخدام أحدث الأسلحة وأكثرها تطوّراً بوجه الفلسطينيين
رابعا: أما الجانب الأخير للماهية المحدِّدة لأفعال دولة الاحتلال فيتمثل باستخدام كل السبل لمحاربة المسوّغ الأخلاقي لحقّ الفلسطينيين في مقاومة المحتل، وهو حقّ تقرّه المواثيق الدولية في أكثر من مكان. وبدلا من ذلك، تمنح دولة الاحتلال نفسها حقا يستمد قوامه من بطش القوة وقوة البطش، والتي يسعى عبرها إلى تحقيق ثلاثة مكاسب، هي إحكام السيطرة التامة على الفلسطينيين؛ منح تلك السيطرة مسوّغا أخلاقيا مستمدّا من مبدأ الحق؛ تجريد الشعب الأصلي من حقّه في مقاومة المحتل. في إطار هذا التسويغ، أجازت إسرائيل لنفسها "حقّ" الرد الإجرامي المدمّر على هجمات 7 أكتوبر مقابل إنكارها حقّ الفلسطينيين في الردّ على مجازرها وفظاعاتها المريعة منذ النكبة. بديهيٌّ أن يتّضح هنا الفرق الكبير في المعنى الذي يمنحه المستعمِر والمستعمَر لمفردة الحقّ ولمضمونه ومستوياته، فالحقّ بالنسبة للمستعمِر يُجيز امتلاك كل صنوف القوة والجبروت واستخدام أحدث الأسلحة وأكثرها تطوّرا بوجه الفلسطينيين، بينما لا ينطبق هذا الحقّ على المستعمَر، فالمستعمِر لا يخجل من اعتبار عمل احتجاجي بسيط كرشق جيش الاحتلال بالحجارة تطرّفا وإرهابا. إن تراتبية فهم "الحق في الدفاع عن النفس" وإخضاعها إلى هرميةٍ كهذه كما تفعل دولة الاحتلال، بمباركة الدوائر الغربية، تأتي ترجمة لتصوّر أيديولوجي كريه، تصوّر يفيض عنصرية، ويوغل برجعيّته وانحطاطه، وهو تصوّر لطالما تبنّاه ووظّفه المستعمِر في المناطق التي استعمرها في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، مدّعيا أنه يمثّل رأس المدنية وناصية الحضارة والتقدّم وما يلازمها من قيم نبيلة في الحكم والإدارة وفي الحياة عموما، وأن لا سبيل أمام السكان الأصليين إلا الخضوع والتسليم للمستعمِر، وإلا يصبح من الضروري احتواؤهم وتحييدهم بكل السبل.